بنفسج

لست أنانية... اخترت أن أكون أمًا لطفل واحد

الأحد 12 يونيو

هل تُقاس الأمومة بعدد الأطفال التي أنجبتهم الأم؟ يتردد هذا السؤال في ذهني كلما جلست مع صديقاتي الأمهات اللاتي اكتفين بإنجاب طفل واحد فقط، واللاتي في كل مرة توجه إليهن العديد من أصابع الاتهام بالأنانية والوعيد، بعضّ أصابع الندم لاحقًا عندما يكبر الطفل وحيدًا بلا إخوة. حقًا، من يملك مقاييس الأمومة، ومن يمتلك الحق بوصم الأمهات وإملاء شروط الأمومة الكاملة عليهن؟ العادات والتقاليد والمجتمع الذي لا ينفك يسأل بعد الزواج عن المولود القادم في السكة وعن "تخاويه إمتى" بأخ أو أخت... من يملك حقًا القرار؟ ولماذا كل أمومة بلا عزوة من الأولاد والبنات هي أمومة ناقصة موصومة بالأنانية؟ في السطور التالية أشارككم بحكايات لأمهات اكتفين بطفل واحد. التحديات اللاتي يواجهن، ولماذا اتخذن هذا القرار.

| ثمن الأمومة

 
بشكل شخصي؛ فأنني أم لطفلين، ولم أفكر يومًا بالاكتفاء بطفل واحد، ولكنني أدرك من أعماق قلبي أن صديقاتي اللاتي فعلن، هنّ أيضًا أمهات كاملات ولسن أنانيات. أتفهم مخاوفهن ومشاعرهن وقرارهن كذلك، من دون وصم أو أحكام مسبقة، تمامًا كما أتفهم من يرغبن في العزوة وإنجاب الكثير من الأطفال.
 
 طالما تمتلك الأم السعة النفسية والجسدية والمالية لذلك، فلم لا؟ الأنانية حقًا هي أن تُنكر الحقوق على أصحابها، أو أن تُنجب طفلًا في هذا العالم من دون أن توفر له القدر البسيط من الحياة.

بمجرد أن تصبحي أمًا، فأنتِ الآن بالنسبة للمجتمع في منزلة التقديس. لا أبالغ، يُنكر عليكِ الآن أن تفكري بنفسك قليلاً، أو تُبدي مخاوفك من ثِقل مسؤولية التربية على أكتافك، فما بالك بالتعبير عن اكتفائك بطفل واحد فقط، فجأة تتسع أعين الجميع دهشة وغضبًا واستنكارًا قائلين بالإجماع: ليس هذا ما وجدنا عليه أمهاتنا. لا يهم إن كانت صحتك الجسدية والنفسية لا تسمح بمزيد من الأطفال، لا يهم إن كانت علاقتك الزوجية على المحك، ولا يهم إن كانت حالتك المادية في أسوأ أوضاعها، لا يهم أي شيء، فعليك أن تتحملي وتنجبي طفلًا آخر ليصبح السند والعزوة للأخ/الأخت، وإلا أصبحتِ أمًا أنانية. وهذا هو ثمن الأمومة.

لا أعني بحديثي أن الأمومة فخ أو عبء، بل هي نعمة لا تقدر بثمن، ولكنه تصبح عبء لمن يجدون أنفسهن أمهات فجأة من دون تخطيط أو استعداد نفسي وجسدي. علينا أن نعترف بهذه الحقيقة؛ الأمومة ليست فطرة جُبلنا عليها جميعنا -أو على الأقل هناك قطاع كبير من النساء كذلك- ولسنا جميعًا سواء.

بشكل شخصي؛ فأنني أم لطفلين، ولم أفكر يومًا بالاكتفاء بطفل واحد، ولكنني أدرك من أعماق قلبي أن صديقاتي اللاتي فعلن، هنّ أيضًا أمهات كاملات ولسن أنانيات. أتفهم مخاوفهن ومشاعرهن وقرارهن كذلك، من دون وصم أو أحكام مسبقة، تمامًا كما أتفهم من يرغبن في العزوة وإنجاب الكثير من الأطفال، طالما تمتلك الأم السعة النفسية والجسدية والمالية لذلك، فلم لا؟ الأنانية حقًا هي أن تُنكر الحقوق على أصحابها، أو أن تُنجب طفلًا في هذا العالم من دون أن توفر له القدر البسيط من الحياة الآدمية الكريمة، ولا أظن أن هناك من يختلف معي في هذا.

| أمومتي ليست ناقصة

الام.png
الأمومة تجربة لا تعود الحياة بعدها كما كانت قبلها أبدًا وهي مشوار صعب لا بد من النجاح به وفق مقياسك أنت فقط

أنجبت صديقتي طفلة مريضة، تعاني من مضاعفات صحية عديدة بعد رحلة حمل شاقة، عاشت معها أيامًا وليالي لا تستطيع الجبال تحملها. مضت سنوات وكبرت الصغيرة بعدما أخذت من صحة صديقتي النفسية والجسدية ما أخذت وما زالت، حتى قررت أن تكتفي بها، وبمجرد أن أعلنت ذلك للمحيطين بدؤوا بتوبيخها ووصمها بالأنانية، لأنها ستترك طفلتها وحيدة في هذا العالم! أي أنانية تلك، لم تخضع صديقتي لإلحاح الأهل والمجتمع والأصدقاء، كانت تدرك في أعماقها أنها عاشت في أمومتها مع طفلة واحدة ما يمكن أن تعيشه مع 10 أطفال، وليس لديها ما تعطيه أكثر مما تفعل الآن مع صغيرتها.

أما صديقتي الأخرى، فكانت تجربتها مختلفة، كانت هي نفسها طفلة وحيدة، وكانت ترغب في أن تُنجب أكثر من طفل، ولكن كما أخبرتني مرّة "إللى ع البر عوام". أي طالما نحن خارج تجربة الأمومة، فإن جميع الأمنيات وردية وحالمة وقابلة للتحقق، الواقع مختلف والزمن صعب. أنجبت صديقتي صبيًا جميلًا وقررت بعدها أن تكتفي به لتستطيع توفير حياة آدمية صحيًا وماديًا له. همست لي ذات مرة في تجمع لنا وقالت "التربية المحترمة ليها تمن". وعندما سألتها ألا تخشى أن يكبر طفلها وحيدًا، كانت إجاباتها أن الأنانية فعلاً هي أن تُنجب طفلًا أخر فقط ليُسلي، أو يؤنس وحدة طفلها الكبير، إذا لم ترغب في الإنجاب مرة ثانية بنفس قدر رغبتها في الإنجاب للمرة الأولى، فهي هنا تصبح أنانية فعلاً، بل وظالمة للطفل الثاني.


اقرأ أيضًا: كيف ننجو من عزلة الأمهات؟


الأمومة تجربة لا تعود الحياة بعدها كما كانت قبلها أبدًا، وهذا ما أكدت عليه صديقة أخرى، ليس لديها موانع صحية أو مالية أو جسدية تدفعها الاكتفاء بطفل واحد، ولكن هكذا كان قرارها وهذا يكفي، قالت لنا أنها صحيح تحب الأطفال، ولكنها بعد التجربة لا تستطيع، نفسيًا، سوى تربية طفل واحد فقط، في هذه اللحظة والآن هذا هو قرارها بكامل قواها العقلية، والذي ربما لن تندم عليه لاحقًا، ولكنها حتمًا إذا أنجبت المزيد ستندم، لأن الإنجاب قرار لا يحتمل التعديل -هكذا قالت- بمجرد إنجاب طفل لا حول له ولا قوة في هذه الدنيا، فهو ملزم منك صحيًا ونفسيًا وماديًا، لا يمكن أن تنفصل عنه أو ينفصل عنك!

| لماذا ننجب الأطفال؟

انانية.jpg
لن يمكنك تربية أطفال أسوياء إذا لم تكوني أم سوية سعيدة بأمومتك لذلك رفقًا بأنفسكن

لا أظن أن الآباء والأمهات يتساءلون كثيرًا لماذا ينجبون، الأمر يتم كعملية طبيعية تمامًا، ورغبة في الاستمرار والبقاء والتناسل، وما إلى ذلك، غريزة جُبلنا عليها ربما، ونمط مجتمعي كبرنا وتربينا عليه، نتزوج فننجب هكذا من دون تفكير، ولكن يمكنني القول أن جلينا الحالي الذي عاصر تغيرات عالمية متتابعة من ثورات وجائحة وحروب وأزمات اقتصادية، شكلت وعينا بما يكفي لنتساءل عن سبب إنجاب طفل إلى هذا العالم الذي يعيش على صفيح ساخن.

لا أعلم هل جلينا مظلوم ليتشكل وعيه حول الإنجاب بهذه الطريقة القاسية، أم أن جيل آبائنا وأمهاتنا كان أكثر حظًا بالحصول على نمط حياة يمكنهم من إنجاب الأطفال بلا حسابات معقدة. إذا كنا ننجب الأطفال لنشبع غريزة لدينا من دون تفكير في مصائر هؤلاء الأطفال، فهذه أنانية. وإذا كنا ننجب الأطفال لنتخلص من وصم المجتمع فقط، ونؤكد أننا كاملين الأنوثة فهذه أيضًا أنانية.

رغم أنني لست أمًا لطفل وحيد، إلا أن كلمتي الأولى لأي صديقة ترغب في الإنجاب هو أن تفكر جيدًا من دون ضغط، وتُعد نفسها لهذه الخطوة نفسيًا وجسديًا قبل أي شيء، الأطفال زينة الحياة الدنيا، لا تقاس هذه الزينة بعددها، هناك أم تستطيع إنجاب أكثر من طفل وتعطيهم جميعًا حياة كريمة متساوية وعادلة، وهناك أم لا تستطيع فعل ذلك سوى لطفل واحد فقط.

صديقة لي أخبرتني بصدق عن سبب رغبتها بالاكتفاء بإنجاب طفل واحد فقط، قالت "عايزة استمتع بحياتي وأمومتي من غير ما أحس إني بجري طول الوقت". كانت صادقة جدًا في مشاعرها، مشاعر مشروعة حتى ولو أنكرها المجتمع الذي يحمل صورة الأم القديسة التي لا ينبغي أن تفكر بنفسها ورغباتها متى صارت أمًا. تريد صديقتي أن تربي طفلتها تربية جيدة وسوية جانبًا إلى جنب مع استمتاعها بحياتها وعملها وزواجها من دون أن يصبح عليها عبء الركض وراء توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لأكثر من طفل، لا ينقص ذلك من أمومتها شيئًا. صديقة أخرى مرت بتجربة حمل سبب لها تروما -كرب ما بعد الصدمة-، جعلتها ترفض تمامًا تكرار التجربة، تخبرنا بصدق أنه لا أحد عايش ما عاشته، حرفيًا لا أحد يسير في حذائك غيرك، ولا ينبغي أن توصم بالأنانية لمخاوفها هذه، أليس كذلك؟

رغم أنني لست أمًا لطفل وحيد، إلا أن كلمتي الأولى لأي صديقة ترغب في الإنجاب هي أن تفكر جيدًا من دون ضغط، وتُعد نفسها لهذه الخطوة نفسيًا وجسديًا قبل أي شيء، الأطفال زينة الحياة الدنيا، لا شك في ذلك، لا تقاس هذه الزينة بعددها، هناك أم تستطيع إنجاب أكثر من طفل وتعطيهم جميعًا حياة كريمة متساوية وعادلة، وهناك أم لا تستطيع فعل ذلك سوى لطفل واحد فقط، الاثنتان أمهات كاملات لا تُنتقص من أمومتهن شيئًا، إذا كانت الأمومة تضحية وعطاء، فلا يجب أن تُضحي الأم بنفسها ونفسيتها من أجل أطفالها، لن يمكنك تربية أطفال أسوياء إذا لم تكوني أم سوية سعيدة بأمومتك، أم لا تمنّ على أطفالها بهذه الأمومة وتضحياتها. فرفقًا ببعضنا بعضًا أيها الأمهات.