بنفسج

"عليا الطلاق": طلاق على فنجان قهوة

السبت 25 يونيو

"عليّ الطلاق ما بتروحي عند بيت أختك"، "تحرمي عليّ إذا بتزعّلي أهلي"، "عليّ الطلاق ... ما بتطلعي من عتبة البيت "، يقول الزوج لزوجته معاندًا لها وغاضبًا منها. "عليّ الطلاق... ما حدا بدفع حق القهوة غيري" أو "عليَّ الطلاق... ما حدا بروح من دون غداء"، يقول ربُ البيت لضيوفه.

"عليّا الطلاق"، جملة يستخدمها كثير من الرجال للحلف والتهديد. يمين معظّم لا ينزل عن لسان البعض في كل موقف وظرف، تسمعه في الشارع على لسان غير المتزوج قبل المتزوج، بين المتعلم وغير المتعلم بين المتدين وغيره لدعوة عشاء، أو دعوة غداء، لمنع أحدهم من الخروج، عند حل مشكلة بالشارع مع الجيران، مواقف معظمها تكون الزوجة لا دخل لها بها، تكون في بيتها أو في عملها لا تدري عن الأمر، أو ما يحدث وليس لها بالمشكلة قيد أنملة، وزوجها يهدد بطلاقها في كل ساعة! أكان على سبيل المزاح أو حتى الجدية.

| تهديد بـ "الطلاق"

"عليّ الطلاق ما بتروحي عند بيت أختك"، "تحرمي عليّ إذا بتزعّلي أهلي". جملة يستخدمها كثير من الرجال للحلف والتهديد. يمين معظّم لا ينزل عن لسان البعض في كل موقف وظرف. أي أثر يتركه هذا اليمين في النفوس؟ تفكر الزوجة بضعفها وقيلة حيلتها "عليّ الطلاق إذا لما تفعلي كذا وكذا"، تخيل أن حياتها القادمة مشروطة على شق جملة إن لم تنفذها، فهي سترجع لبيت أهلها.
 
حتى إن كان بينهما خلاف عظيم، وبينهما غضب وحزن بأي حق يجعل هذا الميثاق العظيم كما أطلق عليه القرآن الكريم ككرة القدم يُلعب به يمينًا وشمالاً، ليتم استخدامه في الأمور الصغيرة قبل الكبيرة .

تتباين ردة فعل السامع حين يسمع الأول يهدد بطلاق زوجته، فإما يستجيب، وإما يستنكر، وإما يتملكه الغضب، ويتم في رفضه وخلافه ولا يأخذ باليمين. لكن ماذا لو كان الحلفان بين الزوج وزوجته؟ يمسكها بعد غضب، وأحيانًا بعد شتم وضرب ويهددها ببيتها؟ وزواجها؟  أي أثر يتركه هذا اليمين في النفوس؟ تفكر الزوجة بضعفها وقيلة حيلتها "عليّ الطلاق إذا لما تفعلي كذا وكذا"، تخيل أن حياتها القادمة مشروطة على شق جملة إن لم تنفذها، فهي سترجع إلى بيت أهلها.

وحتى إن كان بينهما خلاف عظيم، وبينهما غضب وحزن، بأي حق يجعل هذا الميثاق العظيم، كما أطلق عليه القرآن الكريم، ككرة القدم يُلعب به يمينًا وشمالاً، ليتم استخدامه في الأمور الصغيرة قبل الكبيرة ...هل هو تهديد؟ هل هو كما نقول في لغتنا العامية "يمسكونها باليد التي توجعها؟"، كنوع من الاستقواء على الأضعف؟ 

لن أتوسع في الحديث عن رأي الدين في هذه القضية، ففي البداية، الحلفان في أصله لا يكون إلا في الله وفقط، فكان الرسول الكريم واضحًا حين قال: "من كان منكم حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت". كما أتى في الصحيحين، إذًا لا يوجد هناك أي يمين يشاطر الحلف بالله للتديل على التوكيد والأهمية، فالحلف بالله هو الأصل، ومن المعلوم للعوام أيضًا أن الحلفان بالله على كل صغيرة وكبيرة أمر منهي عنه.

وأما الحلفان بالطلاق من أجل النهي والزجر، فقد اختلف العلماء على وقوع طلاقه أو لا، ويجب مراجعة المحكمة الشرعية، لكن مع تأكيد أهل الدين أن ذلك لا يجوز لما فيه من تهديد للرابطة الزوجية، وفك العقد بينهما، فيدخل الزوج مع زوجته في منطقة رمادية فيها من الشك الكثير، هل هي على ذمتي؟ أم أن الطلاق قد وقع وحرمت علي؟

| متى يقع الطلاق؟

طلاق٢
بعض الرجال ما زالوا ينظرون للمرأة نظرة دونية ليس لها أي قيمة أو تقدير ويعتبرون الطلاق وسيلة لتأديبهن من وجهة نظرهم

وسأقتبس هنا من موقع الشرطة الفلسطينية الرسمي عن بيان الطلاق وكفارته "رأي العلماء في حكم الحلف بالطّلاق: القول الأول: لا يقع الطّلاق، وعليه كفارة يمين فقط. وهو مذهب الحنفية والشافعية وطائفة من السلف، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. وحجتهم: "لأن قصده هو الحث على الفعل أو الترك أو للتصديق أو للتكذيب، ولم يقصد منه تحقق الشرط". 

أما كفارة الحلف بالطّلاق: 1- إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك. 2- كسوة عشرة مساكين بأن تعطي كل واحد منهم ثوبًا. 3- عتق رقبة عبدًا أو أمةً. وهذه الأمور الثلاثة على التخير، يفعل الحانث أيها شاء فإن عجز عنها جميعًا انتقل إلى الأمر الرابع وهو صيام ثلاثة أيام".

القول الثاني: يقع الطّلاق إذا حنث في يمينه، وهذا المشهور عند أكثر العلماء والمتأخرين. وحجتهم: "لأنه التزم أمراً عند وجود شرط فلزمه ما التزمه.

| الأبعاد النفسية للحلف بـ "بالطلاق" على المرأة

لو فكر الزوج بقداسية هذا الرباط الذي شهد عليه الأهل وأُشهر بين الناس، ونتجت عنه روابط أسرية جديدة من (أعمام وأخوال)، وربط عائلة بعائلة وحياة جديدة وقدوم أطفال جدد للدنيا، فإنه سيفكر كثيرًا بالنتيجة حين يرمي يمينه، ولا أتحدث عن القيمة الفعلية بوقع الطلاق وحدوثه وحل الزوجة منه، أقصد القيمة المعنوية والعاطفية! 
 
أي مشاعر تشعر بها المرأة حين تستمع لهذه الجملة؟ وترى وجودها مؤقت، مرهون للحظة وللفعل وللنهي، وكأنها قطعة ملابس تشترى اليوم ويمكن استبدالها غدًا. الفكرة تكمن بأن تشعر الزوجة أنها الحلقة الأضعف وأنها استقرارها مؤقت.

لكن، إضافة إلى رأي الدين الواضح، لنناقش الأمر من ناحية اجتماعية ونفسية، هل يحق للزوج أن يرهن علاقته مع زوجته وأم أطفاله لجملة "عليّا الطلاق"، يرهن أمان بيته وسكونه وحياتهم بيمين؟ هل هذه العلاقة سهلة ويمكن شراء غيرها من السوق كل يوم؟ 

لو فكر الزوج بقداسة هذا الرباط الذي شهد عليه الأهل وأُشهره بين الناس، ونتجت عنه روابط أسرية جديدة من (أعمام وأخوال)، وربط عائلة بعائلة  أخرى وحياة جديدة وقدوم أطفال جدد للدنيا، فإنه سيفكر كثيرًا بالنتيجة حين يرمي يمينه، ولا أتحدث عن القيمة الفعلية بوقوع الطلاق وحدوثه وحل الزوجة منه، أقصد القيمة المعنوية والعاطفية! فكيف يضع الإنسان علاقة مقدسة بميزان واحد مع لحظة غضب، أو عزومة غداء، أو تهديد؟ سيقول البعض أن الأمر ليس بهذا الحجم، هو ليس إلا جملة جرت على الألسن، وليست بهذه الدقة، فقد تعودت الناس عليها من دون قصد! فلا تكبروا الموضوع! 


اقرأ أيضًا: الطلاق العاطفي: هل من عودة؟


وينسون أنهم ربما يقعون في التحريم وإنهاء الزواج، والأهم إحداث شرخ في قلب الزوجة! أي مشاعر تشعر بها المرأة حين تستمع لهذه الجملة؟ وترى وجودها مؤقتًا، مرهون للحظة وللفعل وللنهي، وكأنها قطعة ملابس تشترى اليوم ويمكن استبدالها غدًا. الفكرة تكمن بأن تشعر الزوجة أنها الحلقة الأضعف وأن استقرارها مؤقت، وإذا أرادت الاستقرار عليها أن تكون بكامل الخنوع لزوجها من دون فعل أو رأي، من دون احترام لكيانها وعقلها.

وربما يقول البعض أنهم يستخدمون هذا اليمين دليلاً على تعظيم هذا الميثاق، فالناس لا تحلف إلا بالأشياء العظيمة، وهذه مغالطة، فالأشياء العظيمة لا ترهن ولا تقاس بأي شيء! ولا يمكن جعلها في مرمى الحياة اليومية ووضع احتمالية خسارتها لأمور قد تكون سفيهة، بل بالعكس تمامًا، يحافظ عليها من كل كلمة، وكل فعل قد يضرها ويبعدها عن المناكفات والأمور اليومية والمشاكل الصغيرة.

| لماذا تندرج "عليا الطلاق" على لسان الرجال؟

طلاق ٤
لفظ "عليا الطلاق" لا يؤثر على الزوجة فقط بل يمتد أثره للاطفال الذين يكونوا ضحية دائمًا 

في رأيي أن هذه الجملة أتت على لسان بعض الرجال لأنهم ما زالوا ينظرون إلى المرأة بنظرة دنيوية، كتابع، كشيء ثانوي، بمرتبة أقل منهم، سهلة القدوم وسهلة الاستبدال في هذه العلاقة، وهي ليست بشريكة هي مجرد روتين وأداة، ليس لها أي تقدير في مفهومهم وحياتهم، فهي صورة من صور الذكورية المبطنة بالفكر والمعلنة على اللسان من دون وعي، فحين تتبنى  فكرة أنك كرجل أنت حجر الأساس في هذه العلاقة، ولا تعتبر الزواج علاقة مبنية على شريكين، والاثنين متوازيين  بالوجود والأهمية، سيصبح الطلاق "كرباجًا" تضرب به المرأة، ووسيلة لتحكمك بها.

وهذا يجافي الحق والمنطق والسكن وكل المشاعر الجميلة التي تبنى عليها البيوت، فكما قال االله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا"، والسكن هو الاستقرار والأمان، غير المهدد. فلا تتوقع أن يكون السكن  في بيت يكثر فيه يمين الترحيل، ولا تتوقع أن تكون الراحة في قلب زوجة ترى نفسها غير مهمة ومرهونة بشرط، والأهم حال الأطفال في كل مشكلة تتعالى فيها أصوات الزوجين؟ أي حالة نفسية سوية سيكبرون عليها؟ وكيف ستنعكس على بيوتهم المستقبلية؟ فالبيئة المترددة وغير المستقرة ستبني في أرواحهم ومفاهيمهم معاني سلبية عن الزواج.

كفوا ألسنتكم ولا تجعلوا رابطكم المقدس مستساغًا وسهلًا، ولا تورثوه لمسامع أطفالكم، احزني واغضبي إن كان زوجك يستخدم وجودك كيمين، وخذي موقفًا، وإن كانت عادة لديه، فاشرحي له معنوية الفكرة ووقعها على قلبك.

والأهم أن اليوم كثيرًا من النساء أصبحن يدركن كيانهن ووجودهن. كثير منهن ستأخذ الجملة على محمل التحدي، سواء لأنها لا تستطيع تنفيذ الشرط المقرون باليمين، أو لأنها تقيس وجودها بكرامتها، فيصبح العيش في هذا البيت عيش العدويين، تكثر فيه المشاكل والأخطاء والطلب بالطلاق وحتى الخلع، فهو في النتيجة يتعب ركائز البيت ويغيب القرب والصبر.

إن الزواج رابطة مقدسة أحيطت بالقداسة من الدين والمجتمع والأهم من الفرد ذاته، وليس بمحب من يرهن زواجه لجملة، وغير مسؤول من يضع أمان بيته في "كفة" الميزان مع مشاكل قد تحل بالعقل والتفاهم، ونحن كنساء نحزن حين نرى هذه السهولة على الألسن في المجالس والشارع وعلى الطاولات، كفوا ألسنتكم ولا تجعلوا رابطكم المقدس مستساغًا وسهلًا، ولا تورثوه لمسامع أطفالكم، احزني واغضبي إن كان زوجك يستخدم وجودك كيمين، وخذي موقفًا، وإن كانت عادة لديه، فاشرحي له معنوية الفكرة ووقعها على قلبك، وما هو موقف الدين منها. الأشياء المقدسة هي أعلى وأغلى من أن توضع في الموازين ولو كانت احتمالية خسراتها صفرًا!