بنفسج

إلى آبائنا الرائعين: نحبكم كما أنتم

الخميس 02 يونيو

يفرح الزهر بالندى، رفيقًا لطيفًا تحطُّ قطراته على بتلات الزهر، فيرتوي على مهل وروية. هكذا يكبر الطفل فينا حبًا وتحنانًا في أحضان آبائنا وأمهاتنا. نكبر في تفاصيل الحب الأبويّ بلطفٍ وسكينة. فكان من - رحمة الله - على الأرض أن جعل لكل مخلوقٍ فينا أبوين يرعيانه ويوجهانه ويعتنيا به منذ أن كان نطفة إلى أن يصبح شابًا يحكّم عقله ويشق دربه في الحياة. ولأن النطفة الصغيرة تجد حياتها الأولى في رحم الأم، فتكبر في رعايتها تسعة أشهر بين اللذة والألم، فإن الارتباط الروحي والنفسي بالأم لا ينافسه شيء، فهو نقطة البداية في حياة أي فردٍ فينا، وهو بستان النضج الوجداني والاستقرار العاطفي في حياتنا. ولكن أين نقاط القوة والتحدي؟ كيف نتعلم عن الحياة، ونخرج من أعشاشنا الدافئة إلى تقلبات الفصول وخشونة السبل ومنعطفات الأحلام! كيف تلفحنا الشمس الحارقة ويؤذينا زمهرير الأيام القاسية!

إن الآباء مشاعل نورٍ، ورضىً، وأبواب رزقٍ، وخير وملاجئُ أملٍ حين تعبس الأيام. فعلى رفوف المكتبات أبدع الكتّاب في نسج أجمل القصص والروايات حيث أبطالها آباءٌ من زمنٍ جميل، فالكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك يقدّم لنا في روايته (الأب الخالد) شخصية الأب غوريو الذي كان مثالًا للأب الحقيقي.

إنه الأب، ذلك الكيان البشري القوي الذي نستند إليه كجدارٍ صَلب نشدُّ به إزرنا، ونستكشف معه تفاصيل الحياة، ونخوض غمار التجارب والخبرات التي يقودنا إليها، إنه الركن الشديد والرأي السديد والوعد الرشيد الذي يغمرنا كرمًا حين يقسو علينا، فيشتدُّ عودنا وتٌبصر أفئدتنا الصواب، فقسوته جوهر الحب وأساس العطاء، فكيف بحنانه إذن!  قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "الوالدُ أوسطُ أبواب الجَنَّة فإنْ شئتَ فأضِعْ ذلك الباب أو احفظْه".

إنه وصية النبي الكريم الذي أوصى بأن تكون الأم والأب أحق الناس بحسن الصُحبة والبرّ، والأولى بالإحسان والمحبة عطفًا عليهما، وتقديرًا لعطائهما الذي لا حدود لفضله ولا مقياسًا لقدره. إن كانت الأمّ نبع الحب والعطاء والتفاني، فإن الأب يقف بجانبها داعمًا لها وشريكًا مخلصًا في المسؤولية تجاه الأبناء مُذَلِّلًا الصعاب، وقاهرًا الظروف، فهو لأطفاله "سوبرمان" القوة والمارد الذي يحقق الأحلام، والجبل الشاهق الذي يتكئون عليه عامًا بعد عام، ويكبرون في ظل هيبته ويتعلمون الثقة والصلابة من تفاصيل شجاعته وبأسه.


اقرأ أيضًا: كن أبًا أو لا تكون


من أنوار الرسل والأنبياء عليهم السلام تعلمنا كيف ابيضّت عينا يعقوب حزنًا على فراق حبيب قلبه يوسف، وكيف تربى سليمان نبيًا ملكًا بين يدي النبي داود، وكيف تأدب الخليل إبراهيم مع أبيه الكافر آزر يدعوه لتوحيد الله توسّلًا واستعطافًا، وحين ييأس يدعو الله له "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا"، ثم يتلطف ولده إسماعيل معه حين يأمره الله بذبحه فيقول: "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَر"ُ.

إن الآباء مشاعل نورٍ، ورضىً، وأبوابَ رزقٍ، وخير وملاجئُ أملٍ حين تعبس الأيام. فعلى رفوف المكتبات أبدع الكتّاب في نسج أجمل القصص والروايات حيث أبطالها آباءٌ من زمنٍ جميل، فالكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك يقدّم لنا في روايته (الأب الخالد)، شخصية الأب غوريو الذي كان مثالًا للأب الحقيقي المتفاني الذي لا يعرف حب الذات، أو أي شيء أكثر من حبه لابنتيه وعطائه لهما.

أما الكاتب السويسري يورج أكلين؛ فيقدم في رواية (الأب) قصة لابن يقوم بتهريب والده من دار المسنين، ويقطع به الحقول اتجاه تل بعيد، وهو يحمله على ظهره، مستحضرًا ماضيًا جميلًا لهما معًا. وفي رواية (الأب) للكاتبة الأمريكية دانيال ستيل، والتي حققت الرقم الأول من المبيعات عند نشرها نجد قصة أب وحيدًا مع ثلاثة أطفال، يعاني في توفير متطلبات الحياة المناسة لهم. هناك مثل هندي يقول: (نعرف قيمة الملح عندما نفقده، وقيمة الأب عندما يموت).

إنَّ الآباء والأمهات جميعًا تباشير فرح لا يعبس وقناديل ضياء لا يُعتم، إن التجاعيد التي ترتسم في جباههم تروي عمرًا من العطاء وأزمنةً جميلةً من الذاكرة؛ إنهم أمانتنا واختبارنا الأكبر ومفاتيح الجنة الكبرى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" مَن سرَّهُ أن يُمَدَّ لهُ في عُمرِه ويُزادُ في رزقِه فليبِرَّ والدَيهِ وليصِلْ رحمَه". إلى آبائنا الرائعين: نحبكم كما أنتم أصدقاءُ طفولةٍ كنتم، نحمل اليوم أسماءكم فخرًا بما لنا صنعتم.