بنفسج

قلم فوق السارية: الروائية الفلسطينية رنين دراغمة

الأحد 18 سبتمبر

لم تهنأ كبقية الصغار بمرحلة الطفولة، ولم تنعم قط برحلة عائلية مع والدها الذي أفنى تسع سنوات من عمره بين جدران السجون الإسرائيلية، فلم تتحسس يداها دفء حنانه ممسكًا إياها لشراء الحلوى، بل قضت طفولتها بين حقول الأراضي الزراعية، فكانت يداها تخوض صراعًا كل يوم بين زراعة أشتال الخضروات والذرة والقمح، وبين هدم وتخريب الاحتلال الإسرائيلي لما يزرعوه، من هنا ارتبطت رنين بحب البلاد فأخذت على عاتقها الكتابة عن الوطن والتغني به في كل مناسبة.

| أول الشغف

 
عرفت الكاتبة رنين دراغمة معنى فلسطين، ومعنى أن تحارب بقلمها لفضح الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، فهي أمٌ لطفلتين إحداهما مريضة قلب "أمل، نعمة الله" تعيش في كنفهما بعدما انفصلت عن والدهما، ابنة مدينة طوباس ذات السهول الخضراء الشاسعة، وفي جبالها أحراشٌ بمساحات كبيرة يقصدها الزوار للتنزه من كل حدب وصوب.
 
لم تكن رنين الطالبة المتفوقة في مدرستها، لأنه كان جُلَّ اهتمامها كيف تؤمن لقمة عيش تساندهم فكان أكبر إنجاز لها في يومها هو زراعة الخضروات بالكمية المطلوبة، لمساعدة والدتها التي أيقنت بدقة كيف تكون أمًا وأبًا مرة واحدة، فغياب والدها كان له الأثر الأكبر في تحصيلها الأكاديمي، ولا سيما بعد استشهاد ثلاثة من أعمامها.

منذ دخولها عالم الكتابة وحين بدأت تخربش بعض نصوصها الجديدة،  صُدمت ونال الحزن من قلبها وقتما اُستشهد مفكر عائلتها أيمن دراغمة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، والذي كانت مجالسه تضج بالحديث الدائم عن فلسطين والقدس خاصةً، حيث ارتقى مدبرًا غير مقبل بعد أن بلغ عن مكان وجوده عميل يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.

ومن هنا، عرفت رنين دراغمة معنى فلسطين، وكرست قلمها للحديث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. هي أمٌ لطفلتين -أمل ونعمة الله-إحداهما مريضة قلب  تعيش في كنفهما بعدما انفصلت عن والدهما، ابنة مدينة طوباس ذات السهول الخضراء الشاسعة، وفي جبالها أحراشٌ بمساحات كبيرة يقصدها الزوار للتنزه من كل حدب وصوب.

ولدت رنين الأنثى الوحيدة لأبوين فلسطينيين، وسط أسرة محافظة، بيئتها تُمجد العادات والتقاليد، اتخذت من الفلاحة "مهنة الأجداد والآباء" مصدر رزق لها، وهي مهنة أغلب سكان منطقة الأغوار الشمالية، لكن لكثرة مضايقات الاحتلال لهم وللمزارعين بشكل خاص، انتقلت عائلتها للعيش في مدينة طوباس للبحث عن حياة كريمة.


اقرأ أيضًا: حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة


لم تكن رنين الطالبة المتفوقة في مدرستها؛ فجُلَّ اهتمامها كان في كيفية تأمين لقمة عيش تساندهم في ظل غياب الركن الأعظم في البيت، فكان أكبر إنجاز لها في يومها حين كانت تقطن الأغوار هو زراعة الخضروات بالكمية المطلوبة، لمساعدة والدتها التي أيقنت بدقة كيف تكون أمًا وأبًا في آن، فغياب والدها كان له الأثر الأكبر في ضعف تحصيلها الأكاديمي، ولا سيما بعد استشهاد ثلاثة من أعمامها.

قبل أن تُكمل ضيفتنا سن الثالثة عشر، كانت قد عقدت اتفاقية مع قلمها للكتابة عن فلسطين فكانت خيارها الأول والأخير، تقول: "قلمي هو صديقي المخلص، والمقرب، والمتنفس الوحيد لي لأهرب من وحشة الأيام، فبقيت أدوّن مذاكرتي بدفتري الخاص، حتى تحوّل ذلك لإبداع أدبي، فحملت هم فلسطين، وحاولت أن أكشف وجه الاحتلال الحقيقي وتوضيح ممارساته الهمجية عبر قلمي".

| إحباط ثم انطلاق

inbound8203179388109450937.jpg
الكاتبة رنين دراغمة

كانت رنين قد شاركت في مرحلتها الإعدادية في أول مسابقة أدبية في حياتها، وهي قصيدة شعرية بعنوان "شقائق النعمان"، لم يُصفق لها أحد، ولم تتلق تشجيعًا من القريب قبل الغريب، بل واجهت خيبة أملٍ لا تُنسى من معلمتها التي صفعتها بردها "ما هذا؟ هذه خرابيش لا تصلح أن تُسمى قصيدة...". لكن ذلك لم يُضعف إرادتها، بل عادت لمنزلها تحاول مرارًا وتكرارًا حتى احتفت بقصيدتها التي نالت إعجاب وتقدير مسؤولة المسابقة. بتنهيدةٍ تستذكر رنين: "لم تنل قصيدتي المرتبة الأولى، فلسوء حظي ركلتني زميلتي واعترفت بوجود غش، خسرت بفعلتها المسابقة وحصلت على المركز الرابع، لم أبكِ، لكني شعرت بما هو أكبر من البكاء، لكن لا يزال أمامي متسعٌ من الأحلام".

ورغم أن تخصص الخدمة الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة في طوباس، كان آخر خياراتها، حيث كان حلمها دراسة الحقوق للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، إلا أنها بعد مباشرة الدراسة أحبت المجال كثيرًا، فشرعت بدراسة ماجستير الإرشاد النفسي والتربوي في جامعة النجاح الوطنية فالحلم الذي رأته مستحيلًا تحقق بفضل الله وكرمه.

 ولشدة حبها ولهفتها لمناصرة قضية الأسرى داخل زنازين الاحتلال، اختارت عنوان رسالتها "الآثار النفسية الناجمة عن خبرة العزل الانفرادي في المعتقلات الإسرائيلية بحق الأسير الفلسطيني وموارد الصمود لديه". تقول: "اخترت عنوان رسالتي لأبرز للعالم المعاناة الحقيقية التي عاشها الأسير في العزل الانفرادي، ولأُسلط الضوء على صموده الذي يستحيل كسره".

inbound5826331456724988333.jpg
 

في مرحلتها الجامعية، ألهمها غروب الشمس لكتابة مجموعة قصصية بعنوان "عتاب وعذاب"، تقول: "احتوت مجموعتي القصصية على ثلاث قصص، كانت أولها باسم دموع الشمس، والتي تُحاكي قصة فتاة وجدتها امرأة صدفةً، فتقوم بتربيتها والاعتناء بها، فتموت فيما بعد وتبدأ الفتاة بالبحث عن هويتها الضائعة".

تلى ذلك، قصتها الثانية بعنوان "من قاتل"، وهي قصة بوليسية احتوت على عنصر الجريمة بشكل مفصل، طرحت على القارئ لغز يستطيع بذكائه معرفة القاتل واكتشافه، تركت النهاية مفتوحة لتكون مهمة القارئ، ولم تفصح عنها. أما عن قصتها الثالثة، فكان عنوانها "متى سنلتقي"، جسدت حكاية ثلاث صديقات مقربات، فرقتهن ظروف الحياة، لكنهن أخذن يسعين للقاء يلم شملهن بعد غياب، متحدين الصعاب التي حالت دون لقائهن.

| فيض الروايات

 
ولمَّا أصبحت الكاتبة على أعتاب العشرين، بدأت مع الرواية، فكانت باكورة إنتاجها عام 2017 رواية "كيف جعلوني عميلًا"، تلتها "نساء وبلاء"، وأخيرًا "جحافل الجحيم". تسأل بنفسج رنين "ماذا عن عروج فكرة الرواية الأولى إليك؟"
 
تُجيب: "كتبتها بعد استشهاد عمي أيمن، وذلك عندما عرفنا أنه استشهد بسبب الإبلاغ عن مكان تواجده من قبل عميل يعمل لصالح الاحتلال، فاستشهاده أوقد بداخلي شعلة الكتابة، فعرفت كيف أوجه قلمي للكتابة عن هذا الفعل وآثاره على المجتمع".

ولمَّا أصبحت الكاتبة على أعتاب العشرين، بدأت مع الرواية، فكانت باكورة إنتاجها عام 2017 رواية "كيف جعلوني عميلًا"، تلتها "نساء وبلاء"، وأخيرًا "جحافل الجحيم".  تسأل بنفسج رنين "ماذا عن عروج فكرة الرواية الأولى إليك؟" تُجيب: "كتبتها بعد استشهاد عمي أيمن، وذلك عندما عرفنا أنه استشهد بسبب الإبلاغ عن مكان تواجده من قبل عميل يعمل لصالح الاحتلال، فاستشهاده أوقد بداخلي شعلة الكتابة، فعرفت كيف أوجه قلمي للكتابة عن هذا الفعل وآثاره على المجتمع".

وتحدثت في روايتها "كيف جعلوني عميلًا"،  عن كيفية إسقاط العميل والمراحل التي يمر بها، ولأي مستوى يمكن أن يصل، ونوهت لقضية تجارة الاحتلال بأعضاء الشهداء المحتجزة لديهم، والمُسمى ب "مقابر وأرقام"، بشواهد وأدلة تثبت زيف ادعاءات الاحتلال".

تُضيف رنين: "ناقشت الرواية أيضًا القضية الفلسطينية بشكل مفصل، والصراع السياسي ما بين مد وجزر، وموقف العالم العربي تجاه ذلك، لكنها احتوت على موضوع هام كشف المستور وفضح جرائم الاحتلال، وهو ما يُعرف بالسجون السرية غير المُعلن عنها لدى الاحتلال الإسرائيلي، ومصير المفقودين من أبناء الشعب الفلسطيني".

inbound4303607691679914763.jpg
روايات الكاتبة رنين دراغمة ومنها كيف جعلوني عميلًا ورنين الأمل ونساء وبلاء

تميزت "كيف جعلوني عميلًا" باحتوائها على معلومات تُنشر ولأول مرة، ومواضيع سياسية توعوية، يخرج منها القارئ ملمًا باحتراف بكيفية التعامل مع عدوه، وسردت أحداثها بطريقة مشوقة، تجعل القارئ لا يتركها حتى ينتهي منها، وتصنف الرواية من ضمن الروايات الأكثر شهرةً وجدلًا في أدب السجون الإسرائيلية، لما حققته من نجاح في فلسطين العالم العربي.

نأتي لرواية "نساء وبلاء" التي لخصت فيها تجربتها المريرة في الزواج، وتحدثت عن ظلم المرأة في المجتمع العربي وما تعانيه من اضطهاد من جميع الفئات ومن المرأة ذاتها أيضًا. وعرضت فيها جميع الحلول المناسبة من وجهة نظرها لكل تلك المشاكل بطريقة درامية فلسفية، وكيف على المرأة أن تواجه كل ذلك بمفردها.

inbound8333603822147780287.jpg
أما عن أشد رواياتها حُبًا وقُربًا لقلبها فهي "كيف جعلوني عميلًا"، والسبب؟ "كل رواية من رواياتي كان لها الأثر الأكبر في صقل شخصيتي وتشجيعي لأستمر، لكن رواية كيف جعلوني عميلًا أخذت جزءًا كبيرًا من روحي، وذلك لما قدمته من فوائد وتوعية كبيرة للمجتمع الفلسطيني، وكشفت للعميل كم هو شخصٌ ساذج وحياته مملوءة بالخداع والزيف".

وفي رواية "جحافل الجحيم" أسدلت الستار عن الموساد الصهيوني مفصحًة عن ملفات ممنوعة من التداول، وتناولت بالتفصيل كيفية تفكير الموساد بأساليب التحقيق داخل السجون الإسرائيلية، وسلطت الضوء على واقع الأسيرات داخل أقبية التحقيق وما يعانين بين جدران السجون، كما وطرحت قضية الماسونية الصهيونية، وكيف خططت للتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لاحتلال فلسطين، فهي رواية حملت أبعادًا متنوعة وشاملة.

| فلسطين في رواياتها

inbound7901432617609633979.jpg
في رواياتها، حملت رنين همَّ فلسطين وناقشت قضايا تهم المجتمع الفلسطيني تقول: "اخترت الكتابة عن الوطن، لأن هدفي الأول والأخير قضيتي الفلسطينية، فهي من غرزت في داخلي حب الإبداع في مجال الأدب، لما يُسطره الحرف من أهمية كبيرة لتوعية وتوسيع ثقافة المجتمع، فلن يكون هناك نصر إلا بالقلم والرصاصة فهما وجهان لعملة واحدة".

انتشرت روايات رنين في بعض دول العالم، متجاوزةً كل ما هو ممنوع تداوله سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، وشاركت في العديد من المسابقات الأدبية على الصعيد الدولي، وفازت بالمرتبة الأولى بمسابقة القصة القصيرة والخاطرة من مجلة الأديب المصرية، وحصلت على المركز الأول عام 2021 في مسابقة الرواية العربية  من "ببلومانيا للنشر والتوزيع" عن روايتها"كيف جعلوني عميلًا"، إضافة لجوائز أخرى.

inbound6266358881167425126.jpg
وتأمل رنين أن يبقى قلمها سلاحًا فتاكًا في وجه الاحتلال، تقول: "أسعى لأحتفي بتوقيع رواياتي في كل دول العالم، وأكون على قدر المسؤولية تجاه قضيتي، حيث تصلني الكثير من الرسائل من أسرى داخل السجون، ومن العالم الخارجي، وأشعر بسعادة عارمة عندما أُدرك أن رواياتي حققت المبتغى وثقفت جميع شرائح المجتمع، فكل تلك الرسائل كانت ولا زالت الحافز والمشجع الأقوى للمواصلة في هذا الطريق".

وترسل رسالتها للمجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج، بقولها: "قبل أن تصوب سلاحك، تعلم الإيمان والوعي المُفعم بالثقافة الإسلامية والسياسية، فنجاح أي ثورة ضد الظلم والعدوان لا يتحقق إلا بالمعرفة والعقيدة".