بنفسج

هذه علاقة سامة... "ميديا" تدس السم في العسل

الثلاثاء 28 فبراير

علاقة سامة
علاقة سامة

سيكتشف كثير من أبناء هذا الجيل يومًا ما بأنهم شُحنوا شحنًا سلبيًا، وأنهم استُقطبوا بسبب الإسراف في توصيف كل هفوة وكل خطأ من الآخرين على أنها علاقات سامة. أسر وعائلات دبّ فيها الخلاف، بل وبيوت تنخرب، وأصدقاء عمر نخسرهم، زملاء عمل يحكم كل منهم على الآخر بأنه سام، أرحام تُقطّع، وقلوب مُلئت بالضغينة والغضب، والسبب هذا الكم غير المنطقي وغير المعقول من توصيف كل خلاف في أي علاقة بأنها علاقة سامة. 

| سموم مواقع التواصل الاجتماعي

 وكنتيجة، أصبحت الآن حتمية لما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وإنستجرام وغيرها، فقد أصبحت البيئة من حولنا محفزة أغلب الأوقات تحفيزًا سلبيًا.  وسأوضح لكم أولًا كيف يتم ذلك طبقًا للفيلم الوثائقي The social dilemma، حيث يعرض الفيلم كيف يستقطب الفيس بوك المستخدمين، وكيف يُستدرجون بشكل يجعل وسائل التواصل الاجتماعي والجلوس عليها، الأهم في حياتهم على الإطلاق، وربما يصل ذلك إلى حد الإدمان.

ويوضح الفيلم ذلك من خلال مجموعة من العاملين في شركات، مثل "فيسبوك" وغيرها، أو ممن كانوا يعملون فيها بالفعل، ثم قدموا استقالاتهم لشعورهم بمسؤولية مجتمعية تجاه ما يحدث من تأثير مدمر على المستخدمين، وعلى حيواتهم الشخصية، بل والمجتمعات بأسرها. والآن تعالوا لنستخدم موضوعًا، كالعلاقات السامة، نموذجًا لكيفية الاستقطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يتركه من أثر مدمر وتفسخ في المجتمع.  

| أولًا: تقومين باختيار فيديو ما يتكلم عن العلاقات، أو عمل إعجاب لصفحة عن ذات الموضوع، فيظهر لك أحد الفيديوهات عن العلاقات السامة، ولأن الموضوع بالفعل مؤثر، ولأنه ليس منا إلا وقد مر في حياته بإحدى هذه الشخصيات، تتركين تعليقًا أو تتفاعلين مع الفيديو بشكل ما.


اقرأ أيضًا: كيف يساعدك "فيس بوك" على تحقيق أحلامك؟


| ثانيًا: تتحدثين مع الدائرة المقربة منك عن هذا الفيديو، أو تقومين بإرساله لإحدى صديقاتك مثلًا.الآن أصبح "سيستم" الفيسبوك على دراية أن هذه المادة، وهذه النوعية من البوستات والفيديوهات من ضمن قائمة اهتماماتك، بل وسوف تجعلك موجودًا باستمرار على هذه الصفحات.

| علاقات سامة!

سوف تظهر لك كل البوستات والصفحات والفيديوهات التي تتكلم في ذات الموضوع (العلاقات السامة). الآن خُلقت تلك البيئة السلبية التي تجعلك بدورها على صفيح ساخن طوال الوقت.
 
أنت الآن متربصة، تجهزين الردود قبل تقييم المواقف، تتوقعين الضربة. كل المواقف البسيطة أصبحت تعني جبل من الاستنتاجات والتفسيرات السلبية، نعم، لقد استُقطبت ووُجهت بنجاح. أصبح كل خطأ في حقك من صديق لا يعني ببساطة أن هناك أمور قد تحتاج لوقفة أو حوار، بل يعني أنه إنسان سام وأنها علاقة سامة. 

سوف تظهر لك كل البوستات والصفحات والفيديوهات التي تتكلم في ذات الموضوع (العلاقات السامة). الآن خُلقت تلك البيئة السلبية التي تجعلك بدورها على صفيح ساخن طوال الوقت. أنت الآن متربصة، تجهزين الردود قبل تقييم المواقف، تتوقعين الضربة. كل المواقف البسيطة أصبحت تعني جبل من الاستنتاجات والتفسيرات السلبية، نعم، لقد استُقطبت ووُجهت بنجاح.
أصبح كل خطأ في حقك من صديق لا يعني ببساطة أن هناك أمور قد تحتاج لوقفة أو حوار، بل يعني أنه إنسان سام وأنها علاقة سامة. كل كلمة غير مقصودة من زوج أو زميلة في العمل تعني أنها علاقة سامة.

حتى الآن لم ينته دور "السوشيال ميديا"، بعد حين قد يتطور الأمر، فيبدأ بعضنا بإسداء النصائح لبعض، في استشارات زوجية أو غيرها من العلاقات بنصائح من نوعية، هنا اتركي فورًا، اهجري كل منصة وكل قناة توصلك إلى هذا الحد. لا شك أن هناك مشكلات ومطبات وصراعات، كعادة الحياة، ولكن، هناك أيضًا قتال من أجل إنجاح التجربة. بل إن فكرة بذل المجهود وعدم الاستسلام أقامت بيوتًا ملئت بالدفء والحب والشعور بقيمتها، لأنها بُنيت بكدّ وتعب.

ليس من العدل أن تترك الملعب مع أي خلاف أو عدم شعور بالارتياح. وليس من الحكمة أن يكون هدفك الأول هو (ابعد عن وجع الدماغ). البيوت تُقام بالصبر وطول البال والدعاء بصلاح الحال، تُقام بصون العشرة وعدم الوقوف عند سفاسف الأمور. العلاقات، كل العلاقات، تحتاج إلى توازن وحكمة ورؤية الجميل قبل القبيح، ثم إعادة التقييم كل فترة من جديد. ليس كل عابر سبيل يشعر بشيء من الإحباط، يطلق عليه إنسان سام وعلاقة سامة، ليس كل من يمر بظروف ما جعلته يتصرف بشكل غير منطقي، يطلق عليه إنسان سام وعلاقة سامة.


اقرأ أيضًا: الابتزاز العاطفي: ماذا إذا تلاعب بنا الأحبة؟


العلاقات، أي علاقات في الدنيا، تُبنى على التغافل، والتضحية، وتقدير الظروف، وصيانة العشرة، والعيش والملح. تستمر على حفظ الود والعرفان وتذكر المعروف الذي هو قيد في الأعناق. فكرة الوقوف على الحدود دائمًا، فإما أن أكون راضخة ذليلة، أو أكون متجبرة ليست بفكرة صائبة، وإنما التوازن والمساحة الوسط. أن تكوني ذات كيان، وفي ذات الوقت سلسة لينة سهلة في التعامل. إذًا هل هناك علاقات سامة حقيقة؟ قطعًا هناك علاقات سامة، وقطعًا هناك أشرار في هذه الحياة، ولكن الخوف كل الخوف أن يكون تصورنا أن هذه هي القاعدة وليست الاستثناء.

علاقات.png
هناك علاقات سامة عديدة تعززها وسائل التواصل الاجتماعي وهذا يؤثر على العلاقات بشكل عام

الإسراف في استخدام هذا المفهوم يحتاج إلى وقفة حقيقية. فنحن في أيام أصبحت عقول البعض فيها تستقبل أكثر مما ترسل وتتفاعل، وتطبق قبل أن تفهم وتحلل وتفند، بل وقد يكون من المضحك أن تفاجئي يومًا ما أن إحداهن قد أصدرت عليك حكمًا هي الأخرى أنك سامة، ويجب أن تتخلص من علاقتها بك.

ألم تتساءلي يومًا إن تركنا المعركة عند المنعطفات الأولى، فمن لصيانة الود؟ ومن للعرفان؟ ومن للوقوف على الثغرات والترفع عن الصغائر؟ ليست دعوة للرضوخ وإنما هي دعوة للوقوف والتحليل والفهم، وعدم اتباع الهوى قبل فوات الأوان. فما أجمل أن تقاتل من أجل أسرة ومن أجل عشرة طيبة ومن أجل ذكريات دافئة. تعقلي قبل أن تسألي نفسك يومًا ما هل كان الأمر يستحق بالفعل كل ما فعلت؟ فتكون الإجابة لا، لم يكن يستحق، ولكنني وُجهت والآن فات الأوان.  وأخيرًا، اسألي الله أن يحيي قلبك، وينير بصيرتك ويبعث في بيوتنا السكينة والأمل من جديد.