بنفسج

د. مرفت الشرباتي: العلم طريق آخر لنصرة فلسطين

الأحد 13 نوفمبر

لله درك يا مدينة إبراهيم خليل الرحمن، ما ينفك اسمك يُذكر في كل المناسبات؛ سبّاقة في العطاء والخير، كريمة سخيّة، يدك ممتدة دومًا، والخيّرون فيك كثر، تجارًا وعلماء، يدأبون في الليل والنهار. وإن لهذه المدينة القديمة، قدم كنعان، كرامات كثيرة. وهي محط الأنبياء عليهم السلام. ويُعرف عن أهل الخليل الذين يزيد عددهم عن 163 ألف نسمة، اهتمامهم بالتجارة والصناعات، وهم كذلك أهل علم يمتد لزمن عريق، وحتى يومنا هذا، يبرعون في العلوم الإنسانية والطبيعية، وتحتسب نسبة لا بأس بها من أهل الخليل الذين درسوا في الخارج، منهم من عاد إلى أرض الوطن، ومنهم من بقي يدرّس في الجامعات خارجه.

وقد كان لبنفسج لقاءات مع سيدات الخليل في حوارات سابقة، منهن من تدرّجت في تعليمها العالي في الولايات المتحدة في تخصص عصبي دقيق، ومنهن الناشطة السياسية والاجتماعية، ومنهن الفدائية؛ الأسيرة، وأم الأسير وأم الشهيد، والقائمة لا تكاد تتسع لذكرهن جميعًا. يُعرف عنهن المبادرة في العمل الاجتماعي، ولا يكدن يؤلن جهدًا في تقديم يد العون والمساعدة، إذ يدرن جمعيات خيرية تدعم أهالي الأسرى والجرحى والشهداء، وهن كذلك نشيطات في المجالس البلدية والقروية، ويدرن حلقات العلم وتحفيظ القرآن في المساجد. وهن كذلك يدرجن في مسالك العلم، ولبنفسج اليوم حظوة لقاء إحدى سيدات الخليل، د. مرفت حاتم الشرباتي.

| ذكريات د. مرفت الشرباتي 

__________-__________-22.jpg
المحاضرة الجامعية مرفت الشرباتي

تعرفنا إلى نفسها، وتقول: "مرفت حاتم الشرباتي شاهين، أُقيم في مدينة الخليل، وهي مسقط رأسي، متزوجة وأم لشابين وصبية. أنهيت التعليم المدرسي في مدارس الخليل، وهذه أكثر مرحلة تركت في ذاكرتي ومخيلتي أشياء لا تنسى، ورسمت ملامح شخصيتي. كنت في مدرسة قرطبة وهي مدرسة في منطقة البلدة القديمة في الخليل، وهي منطقة مواجهات مستمرة وتضييقات من جيش الاحتلال، وهذا يحتم علينا التحلي بالشجاعة والقوة لنتحاوز قنابلهم والاشتباكات وصولًا إلى المدرسة، بشكل يومي".

بعد نهاية المرحلة المدرسية تخصصت في جامعة الخليل تخصص أحياء، وكنت أحبه جدًا. ودخلت عن إصرار ورغبة لحبي لمجال العلوم الحياتية والصحية. هذا التخصص يقرّب صاحبه من الحياة ويرسّخ فيه عظمة الخالق في الخلق. ولذلك، لطالما أثار استغرابي، كيف لبعض الناس أن يدخلوا هذه المجالات ويتعمقون فيها ويظلون في مسافة بعيدة عن الخالق! بعد تخرجي عملت في مدارس الخليل وقضاء الخليل مدرسة لمراحل مختلفة، ولكني لم أستمر لفترة طويلة، فسافرت إلى ماليزيا لإكمال دراستي العليا.

01-1.jpg

ثم التحقت ببرنامج ماجستير إدارة وسياسة العلوم والتكنولوجيا. كان هذا المجال رغم جماله تحديًا كبيرًا لي، فقد كنت أرغب، في البداية، بتخصص قريب من الأحياء، ومجال وأدق وأعمق مثل "البيو تكنولوجي" الذي كنت أرغبه جدًا، ولكن، بعد أن دخلت التخصص أحببته، لأنني، في الواقع، وبهذا الشكل، أجمع بين الإدارة والعلوم والتكنولوجيا.


اقرأ أيضًا: م. ريما بدير: للألف ميل مشوار بدأته من أبي


كانت نقلة نوعية لطريقة الدراسة ومحتواها عن مرحلة البكالوريوس. كنا في المختبرات العملية نتفحص أحياء وندرس أدقّ تفصيلاتها، لذلك، كانت هناك حدود في الدراسة، ونظرتنا كانت محدودة، ولكن الماجستير والإدارة والسياسة والدول والتشريعات شيء كبير، نظرة واسعة جدًا. في البداية، كان الأمر صعبًا علي لاستيعاب هذا الأسلوب والعلوم الجديدة، ولكنه أعطاني القدرة على التفكير وفهم فلسفة الحياة والمعرفة والسياسة والعالم، في الوقت الذي كنت أنظر لأشياء دقيقة لا تُرى بالعين المجردة حتى، ويمكنني باختصار القول إنها ولادة جديدة لي ولشخصيتي في مجال البحث والمعرفة والعلوم".

| أطروحة الدراسات العليا

هل لك يا مرفت أن تشرحي لنا عن تخصصك أكثر وعن مرحلة الماجستير تحديدًا، وما الذي يميز هذا التخصص وعن سر حبك له؟ سألناها فأجابت: "كان الماجستير على مرحلتين؛ الأولى مساقات والثانية رسالة. أكثر مساق أحببته ولا أنساه في تلك الفترة فلسفة المعرفة أو فلسفة العلوم والتكنولوجيا، نقول بالعامية بشكل مضحك وتهكمي "فلسفة أو مفلسف". وكانت هذه المرة التي أعرف الفلسفة على حقيقتها".

تكمل: "في البداية، كانت صعبة للغاية، فهي علوم مركبة أكتشفها للمرة الأولى، وفوق هذا المساقات كانت باللغة الإنجليزية القديمة. ولكن بعدها أدركت أني لأفهم العلوم من كيمياء وفيزياء وأحياء وغيرها يجب أن أدرس الفلسفة".

هل لك يا مرفت أن تشرحي لنا عن تخصصك أكثر وعن مرحلة الماجستير تحديدًا، وما الذي يميز هذا التخصص وعن سر حبك له؟ سألناها فأجابت: "كان الماجستير على مرحلتين؛ الأولى مساقات والثانية رسالة. أكثر مساق أحببته ولا أنساه في تلك الفترة فلسفة المعرفة أو فلسفة العلوم والتكنولوجيا، نقول بالعامية بشكل مضحك وتهكمي "فلسفة أو مفلسف". وكانت هذه المرة التي أعرف الفلسفة على حقيقتها".

تكمل: "في البداية، كانت صعبة للغاية، فهي علوم مركبة أكتشفها للمرة الأولى، وفوق هذا المساقات كانت باللغة الإنجليزية القديمة. ولكن بعدها أدركت أني لأفهم العلوم من كيمياء وفيزياء وأحياء وغيرها يجب أن أدرس الفلسفة، ولو كان بيدي ولي الشأن في التعليم العالي، سأفرض مادة الفلسفة لكل التخصصات، لأنني، بعد هذا التخصص، فهمت العلوم بالشكل الصحيح، ونُقل تفكيري من حينها بشكل جذري".

2-18.jpg

بالنسبة للأطروحة كانت عن العلاقة ما بين الجامعات والصناعة، الجامعات مكان تصنيع المعرفة والصناعة، يقصد بها التطبيق العملي للمعرفة، لذلك تطرقت إلى كيفية الربط بين هذين المجالين المتكاملين بطريقة ناجحة تساعد الطلاب على اكتساب معرفة عملية يمكن تطبيقها عند التحاقهم بسوق العمل وما بعد الدراسة الجامعية.  كان موضوعًا جديدًا وحيويًا، وناقشتها من وجهة نظر الريادة؛ فالشخصية الريادية بغض النظر عن تخصصها، تحوز على المعرفة، لذلك تعرف كيف تطبق ما تعلمه وتتعلمه الآن.

الحديث يطول هنا، والأمثلة التي تطرقت لها لا حصر لها، لكنه كان بحثًا مميزًا جدًا أخذ مني جهدًا كبيرًا، حتى أن الممتحن قال لي لو أن النظام الجامعي مثل أوروبا، من المؤكد كنا سنرفض هذه الأطروحة كأطروحة ماجستير، ومنحناك بضعة أشهر من جديد لنعتمدها كأطروحة دكتوراه، وأضاف أنه عليّ إكمال الدكتوراه لاني أمتلك موهبة بحثية يجب أن لا تندثر ويجب تتويجها بالدكتوراه. ومن هنا انطلقت للدكتوراه التي لم تكن بالحسبان في الأساس.

3-8.jpg

ماذا تخبريننا عن مرحلة الدكتوراه، وما الذي ميّز هذه المرحلة؟ تجيب مرفت: "كانت هذه أول تجربة بحثية لي، لم أتخيل أن أصل إلى هذا الحد من التميز والإنجاز، مما عزز ثقتي بنفسي، وبعد شهر ونصف الشهر فقط، وبعد حفل تخرج الماجستير كان قبول الدكتوراه بيدي. الدكتوراه كانت قفزة نوعية وكانت طريقًا طويلة إلى حد ما ولكنها كانت ممتعة".

تضيف:"كانت تكميلية لأطروحة الماجستير، ولكن متخصصة أكثر، فتطرقت إلى ربط الجانب المعرفي بالجانب العملي في فلسطين عبر علماء فلسطين في الشتات والمهجر. فالمعرفة أساس النجاح في دول شرق آسيا، وفلسطين لديها علماء كثر في الشتات، وبمعرفتهم يمكن إنجاح الجانب العملي والتطور في فلسطين.


اقرأ أيضًا: د. مريم صالح: بعض من حياة العلم والعطاء


أنهيت الدكتوراه مع مرتبة الشرف، ولم يطلب الممتحنون يومها أي تصحيح! قطفت ثمرة اعتنيت بها كثيرًا، وكانت أروع مما كنت أتصور. تلك اللحظة من حياتي لا يمكن أن أنساها أبدًا. وكنت أول طالبة في قسمي وكليتي أحصل على تلك النتيجة التي أجمع عليها أساتذة من داخل ماليزيا وخارجها. أنهيت الماجستير بعام ونصف العام، والدكتوراه في أربع سنوات. وهذا أيضًا كان إنجازًا وسرعة لم تؤثر على جودة إنتاجي المعرفي، وأنا أحتفي بها جدًا. كما أنه لديّ الكثير من المؤلفات والكتب موجودة على أمازون وأبحاث كثيرة منشورة على مستوى عالمي، وأشد ما يحزنني معتذرة من العالم بصدق أن أبحاثي ومؤلفاتي جميعها بالإنجليزية، ولكن سأسعى أن أثري البحث العربي بأسرع وقت.

| عن عائلة د. مرفت الشرباتي

IMG-20220921-WA0017.jpg
مرفت الشرباتي مع والدتها

حدثينا يا مرفت عن مواقف مررت بها أثناء دراستك، عن مواقف بقيت عالقة في ذاكرتك؟ تجيب مرفت وكأن الموقف حاضر أمامها بالفعل: "من المواقف التي لا أنساها هناك، أن كان لدينا بحث في الجامعة، ولدي خياران؛ الأول أسلمة العلوم، والثاني مقارنة بين اثنين من الفلاسفة. قلت في عقلي من المؤكد الطلاب سيخمنون أني سأختار أسلمة العلوم بسبب خلفيتي الدينية، ولكني سآخذ المقارنة بين العالمين. وبعدها عدت إلى المنزل، وبدأت بالبحث، ولكن جاءني فضول للبحث عن الموضوع الأول".

تردف مرفت: وقتها أكتشفت أن أول من وضع هذا المفهوم فلسطيني اسمه الفاروقي، قُتل وهو زوجته بسبب ما نشره من علوم، فاستأت من نفسي، كيف فكرت بتلك السخافة عندما اخترت العناوين! وهذا مات لأجل علومه، فاخترت أسلمة العلوم مجددًا. وعند عرضي للبحث ذكرت هذه القصة فأتفاجأ بعدها بسنوات أن إحدى الطالبات أعدت بحثًا متخصصًا عن الموضوع مشيرة بذلك لي، وعن ذكري لقصة هذا الفلسطيني الذي مات".

4-7.jpg

ماذا تخبرنا مرفت عن حياتها الاجتماعية، عن مرحلة الزواج والإنجاب؟ تسهب في إجابتها قائلة: "ارتبطت في الفصل الجامعي الأخير في مرحلة البكالوريوس من الدكتور غسان عمر شاهين، أروع إنسان في الحياة. وهو نابلسي، وكان أول فلسطيني تخصص في نظم المعلومات في الدراسات العليا. أنجبت بعد زواجنا بعام ابني البكر عمر، وبعدها بعام ونصف العام ابني الثاني علي، وبعدها بعامين ابنتي آمنة. كبروا اليوم ليكونوا مهندسين؛ عمر مهندس طاقة متجددة، وعلي مهندس حاسوب وآمنة تدرس الطب البشري في سنتها الرابعة".

"سافر معي زوجي وأبنائي إلى ماليزيا. زوجي في جامعته وأنا في جامعتي، ولكن ما كان يعينني أن دوامي في الماجستير كان مسائيًا، من الساعة السادسة حتى الساعة العاشرة، لذلك كانت فترة الصباح لدراستي وأبنائي. يذهب زوجي إلى الجامعة وأبنائي إلى المدرسة وأنا إلى المكتبة، أدرس حتى يقترب موعد عودتهم، أطعمهم وأراجع لهم الدروس، ونحظى ببعض الوقت سويًا، وبعدها أذهب إلى جامعتي وأعود وهم نيام".

IMG-20220921-WA0006.jpg
مرفت الشرباتي مع الزملاء

"كان الأطفال متميزين في مدارسهم هناك، وبذلت لأجل ذلك جهدًا كبيرًا. كثرة الالتزامات مرهقة لا شك، ولكن لها دور إيجابي أيضًا في ترتيب الوقت والإنجاز. كنت وحيدة جدًا في تلك الفترة من الأصدقاء والعائلة حتى في منطقتي، لم يكن هناك عربي واحد، ولكن استطعت أن أقوم بمهماتي وحدي والحمد لله. زوجي كان نسخة ثانية عن والدي بكرمه وأخلاقه ودينه وعلمه وحب العلم، حيث نشأت في بيت يحب العلم، كانت والدتي دومًا تدعمنا، وتذلل لنا الصعاب، وتزرع فينا أهمية العلم، ولها الفضل الكبير في علمي."

5-5.jpg

ماذا عن حياة الغربة والبعد عن الأهل والوطن، كيف تصفيها لنا؟ تجيب: "لا أنسى لحظات التعب في ماليزيا، وكنت قد عزمت على التوقف في لحظات، لتقول لي أمي "لا تعب! كيف يعني تعبت؟ والله لو قالوا لي حركي الجبل من مكانه لحركته، فأقول أنا، ولكن كيف أحرك جبلًا؟ تقول: كل يوم بحرك حمل صغير لحد ما أنقله من مكانه." واليوم أعيد كلامها لكل طلابي.

أما أبي فكان تاجرًا كبيرًا في الخليل، ولكنه مثقف وصاحب مكتبة منزلية كبيرة، لم نبحث يومًا عن كتاب إلا وجدناه في مكتبته. كان يشارك في مسابقات بحثية كثيرة، لذلك زرع حب العلوم في أنفسنا منذ نعومة أظافرنا، وتزوجت من شخص مشابه، محب للعلم والدين، لذلك كان بيننا انسجام كبير وتعاون على العلم والعمل.

7-2.jpg

كان زوجي مقبولًا بتخصص جامعي في ماليزيا، وأنا استغليت الفرصة لأقدم معه، وعند سفرنا كان الفرق الزمني بيننا فصل جامعي واحد. كل الصعوبات واجهتنا في الغربية مادية ونفسية واجتماعية وصحية، لا أنسى حين مرضنا بحمى الضنك في العام الأول أنا وزوجي، وكانت فترة صعبة وفُصل الأطفال عنا لفترة. كان نظام التعليم صعبًا علينا في البداية، لأنه نظامهم كان دقيقًا وقويًا، وفيه ضغط كبير في مجال البحث خصوصًا. زوجي كان يقول لي مهما حصل لن نعود قبل أن نكمل تعليمنا، حتى أنه كان يقول لو تطلب الأمر أن أشق جوازات السفر الخاصة بنا لنضمن أننا لن نعود. وزوجي كان يعمل ويدرس في آن واحد لنرتب أمورنا المادية هناك.

| المشاريع في فلسطين

ما الإنجاز العلمي الذي يحسب لك في مسيرتك هذه؟ تفصّل مرفت وتقول: "كلمة ريادي بالإنجليزي تعني "إنتوبرينير" هناك "تكنو بينير" أي ريادي تكنولوجي، "لاب برينير" أي ريادي مختبري، في أحد أبحاثي، خرجت بمصطلح "بال برينير"، وهو الريادي الفلسطيني، وكنت أول من تحدث بهذا المصطلح، ومن هنا جاء هذا المركز الذي كان حلم استطعت تحقيقه على أرض الواقع. هذا المركز يقدم التدريبات والاستشارات الريادية، وهو مشروع نوعي وفريد في الخليل على اعتبار أن الخليل المشاريع العائلية فيها طاغية على طبيعة المجتمع، وليس نظام المشاريع المنفردة.

ماذا عن عودتك إلى الوطن، بماذا بدأت وما كانت مشاريعك؟ تجيب بثقة وسعادة المنجز: "بعد عودتي من ماليزيا كان هناك مشروع جديد قادم مع "الميدل ايست"، حول تدريب الأستاذة على الأساليب التعليمية الجديدة. دربنا أيامها معلمين من أمريكا من إحدى الجامعات العريقة، لذلك أعتبره بمنزلة ماجستير ثاني، وكنت سعيدة فيه جدًا، فقد درست العلوم النظرية في ماليزيا، وتفوقت بها، وهذا كان الجانب التدريبي لرحلة الماجستير والدكتوراه، دربت على مدار 6 سنوات المعلمين والمشرفين التربويين، في البداية، كنت أدرب بنفسي بعد ذلك، أصبحت أجهز المواد التدريبية للمدربين وأشرف عليهم.

أعمل حاليًا محاضرة جامعية في جامعة الاستقلال في كلية العلوم الإدارية مع طلاب من المرحلتين الماجستير والبكالوريوس، ووُكلت في مطلع هذا العام بمنصب مديرة برنامج ماجستير إدارة الأزمات وبرنامج ماجستير الإدارة العامة، ومنسقته. عملت في جامعات عديدة قبل ذلك، ومنها جامعة الخليل والبوليتكنك، والعديد العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات عالمية ومشاريع متعددة.

8-1.jpg

ما الإنجاز العلمي الذي يحسب لك في مسيرتك هذه؟ تفصّل مرفت وتقول: "كلمة ريادي بالإنجليزي تعني "إنتوبرينير" هناك "تكنو بينير" أي ريادي تكنولوجي، "لاب برينير" أي ريادي مختبري، في أحد أبحاثي، خرجت بمصطلح "بال برينير"، وهو الريادي الفلسطيني، وكنت أول من تحدث بهذا المصطلح، ومن هنا جاء هذا المركز الذي كان حلم استطعت تحقيقه على أرض الواقع. هذا المركز يقدم التدريبات والاستشارات الريادية، وهو مشروع نوعي وفريد في الخليل على اعتبار أن الخليل المشاريع العائلية فيها طاغية على طبيعة المجتمع، وليس نظام المشاريع المنفردة.

9-1.jpg

في ماليزيا، كنت أعمل قي مؤسسة مشابهة كنت سعيدة جدًا بها، وظل الأمر عالقًا بذهني لأنقله إلى فلسطين، أسير "ببال برينير" بنظام ليصل به إلى العالمية، وليكن أكثر من مركز للتدريب وتقديم الاستشارات، بل ليصبح مركز دراسات عالمي، وأعلم أن تحقيق هذا الأمر ليس بالسهل، ولكن سيتحقق يومًا ما بإذن الله.

لو سألت نفسي هل سأتعب يوما ما؟ سأتعب عندما يتوقف العمل والمهمات، طالما كان هناك مهمة وعمل فأنا في همة ونشاط وقوة، وكل ما زادت المهام زاد العطاء وبإذن الله لآخر لحظة في حياتي، سأظل أعطي حتى آخر نفس دون كلل أو ملل بعون الله، ولوجهه الكريم.

| السند لـ د. مرفت الشرباتي
IMG-20220921-WA0013.jpg
مرفت الشرباتي مع زميلاتها

ماذا عن الداعمين الذين ساندوك على طول هذه الرحلة؟ تسرح مرفت بتفكيرها، وتجيب: "أي منظومة عمل ونجاح، إذا أردت أن اسمّي نفسي إنسانة ناجحة، مكونة من عدة عناصر. أمي التي فارقتني قبل 8 شهور، والتي لا أستطيع أن أنطق اسمها دون أن تباغتني الدموع، كانت من حفظة القرآن وإذا ما استصعبت عليها آية في حفظها تذهب لإعرابها وفهمها، فقد حفظت معظم القرآن بالإعراب، كانت محبة للعمل داعمة له. إنسانة تجسد المعنى الحقيقي لمبدأ احترام الوقت، كل شيء في حياتها له وقت محدد، شرب فنجان القهوة يصاحبه دومًا كتاب، مطلعة وقارئة واجتماعية ومعطاءة.

أبي التاجر الناجح الذي لا أذكر أن يديه خلت من الكتاب يومًا ما إن فرغت من العمل، أزوره في محله فيكون دائمًا ممسكًا بالكتاب طالما خلا المحل من الزبائن. لا يضيع فرصة لنهل العلم والثقافة رغم أنه لم يكمل تعليمه المدرسي، حتى أصبح صاحب مؤلفات فلسفية وتاريخية، أحدها تتحدث عن نسل الشرباتي من زمن سيدنا آدم وحتى اليوم، مع أن الأمر بحاجة لأهل تخصص محددين، وألف كتاب ينتقد فيه نظرية التطور، وأسماه موسوعة الخلق والنشوء، ودائمًا كنت أتخيل لو أتيح لهذا الشخص أن يكمل تعليمه العالي ماذا كان سيكون؟

10-3.jpg

بيت مثل هذا عرين للدين ويحترم العلم والكتاب ويعلي من شأنه، يحتوي على مكتبة ثرية، تجد فيها دومًا ما أردت، بيت فيه الزوج سند لزوجته وفي ظهرها ومعين لها، وهي مخلصة ومحبة له، بيت يعطي الحرية لأبنائه إذا ما أرادوا السفر للعلم أو الدراسة أو للبحث، بل ويشجع على ذلك، زوجان راقيان في دعم نجاح بعضهم وأبنائهم. فخورون بأنفسهم، أخوة وأخوات متعلمون وراقون في التفكير والبحث، لا أنسى يوم أن وزعت استبانة الدكتوراه وعرضتها عليهم للاستشارة؛ بدأوا بالتعليق عليها "أعارض، أعارض بشدة، أوافق، لا أعلم" حتى تعليقاتهم تنم عن أناس يأخذون العلم على محمل الجد والاهتمام.


اقرأ أيضًا: أمل صيام: فقيهة مُفكرة برتبة وزيرة


خرجت من هذا البيت الداعم جدًا إلى زوج وعائلة داعمة أيضًا، لا أنسى يوم أن عدت وزوجي من ماليزيا وأعطينا والد زوجي- حماي- نسخنا المطبوعة، فانحنى لها وقبلها وهو يبكي بتأثر شديد. هذا الرجل العظيم الذي لا أنسى زوجته حين حدثتني أمامه عن أول راتب له فقد كان مدير مدرسة، كيف دخل البيت يومها وصلى ركعتين لله، تضرع فيها وبكى لله أنه يأمل منه أنه أدى الأمانة، كانت تحكي وهو يستمع ويبكي وأنا بعد أن فرغت سألته، هل لهذه الدرجة الأمانة ثقيلة؟ قال لي نعم يا ابنتي، هذا علم وتعليم وكل دقيقة فيه أمانة.

13.jpg

والدة زوجي التي تقدم لي المشورة بالتقدم نحو العلم والنجاح، وليس الجري خلف القيل والقال، زوجي الذي لن أنتهي من الحديث عنه، وبالنسبة لي أراه أروع زوج وإنسان في العالم، رزقني الله بنسخة أبي ولا أريد شيء أفضل من ذلك.بعد كل هذا الحديث ماذا يمكنني القول عن الداعمين، وأنا من صلبهم خرجت من بينهم، فلولا الله أولًا، وهم ثانيًا لم أكن على ما أنا عليه اليوم.

ماذا تقولين لنا أخيرًا؟ "طموحاتي لم تنته بعد هذا جزء بسيط، وما زال لدي الكثير لأقدمه وإحداها وأهمها نصرة فلسطين بكل ما استعطت مما أمتلك من العلم، فكل يقاوم من مكانه، فإيماني الدائم أن العلم وطلاب العلم لا يأخذون حقهم الكافي في سبيل وطنهم. لذلك أطمح أن أكون جزءًا ولو بسيطًا، ممن يعملون لأجل توثيق المعرفة الفلسطينية والنهوض بالوطن علميًا ومعرفيًا. بكرة أحلى! لا آسى على لحظة مضت، بل أستغل التي تليها لأعوض عنها، وكلي إيمان أن جعل كل لحظة تأتي أحلى من التي سبقتها بأيدينا، وأيدينا نحن فقط!