بنفسج

البروفيسور ختام الوصيفي: كيف للفيزياء أن تحدثنا عن الله؟

السبت 29 أكتوبر

طابورٌ طويل، وصوتُ الختم يعلو فوق صوت الضجيج، فالكلُّ على انتظار لتسليم جواز سفره، فبعد ساعةٍ من الآن ستُقلِعُ الطائرة المُنتظرة. "حسنًا لقد تمّ ختم الجواز، وتسليم الحقيبة، والآن عليّ الإنصات إلى حين النّداءِ على الرُّكاب." تقول ختام هذا وهي تنظرُ إلى التذكرة بين يديها مُبتسمةً: "يا إلهي!! وأخيرًا أنا على مشارفِ تحقيق الحلم. سأعودُ البلاد وأخيرًا لأبدأ الطّريق الذي طالما صلّيتُ لأظفرَ به."  أقلعتْ الطائرة، وها هي ختام تُحلِّقُ مع أحلامها في السَّماء، والحقيقة أنَّ البدايةَ لم تكن سهلة، فقد كان طموحُ ختام  أكبر من أن يُطوى على مقعدٍ في كليَّةِ الطب، لذلك؛ اتّخذتْ قرار العودة إلى فلسطين لبدء الطريق الذي لم تستطع أن تغمضَ شغفها عنه.

فالتحقت بتخصص الفيزياء  هذا العلم الذي وُلِد حُبًّا في قلبِ البروفيسورة ختام الوصيفي، فكانتْ البداية الأولى،  عندما التحقتْْ بقسم الفيزياء في كلية العلوم بالجامعة الإسلامية، وما لبثتْ أن تخرّجت حتى عملتْ مُعيدة في الجامعة. في الوقتِ ذاته أكملتْ دراستَها لتحصل على درجة الماجستير بالفيزياء الكترونيات بصرية عام 2002. لم تكتفِ الدكتورة ختام بهذا القدر من العلم، فقد كانت طالبةً نهِمةً في مجال البحث والاستطلاع وحلِّ المشكلات، ودراسة الظواهر الطبيعية وإيجاد تفسيراتٍ علمية ومنطقية. وهذا ما دفعها للالتحاق بجامعة السودان لتحصل على درجة الدكتوراة في الفيزياء الحيوية. يليها مباشرةً  حصولها على درجة أستاذ مُساعد، ومن ثم أستاذ مشارك، وصولًا إلى حصولها على درجة أستاذ الفيزياء بروفيسور فيزياء بصريات الكترونية وذلك خلال عام 2021.

| الفيزياء والقرآن الكريم

11-3.jpg
السيرة الذاتية للبروفيسور ختام الوصيفي

طريقٌ طويل، لا يخطو خطوه إلَّا من كان أمامه هدفٌ كبير، أكبر من التَّعب والاستسلام، فمن أين كان لكِ كلُّ هذا الشغف؟ بهذا السؤال بدأتُ حديثي مع البروفيسورة ختام، لِتُجيبني: "من اللحظةِ الأولى التي قررتُ فيها اتِّباع شغف الفيزياء، استعنتُ بالله، فكان وقودُ هذا الطريق إخلاصَ النّية لله عزوجل، لتحقيق الهدف الأساسي من وجودنا على الأرض في اتِّباع أمر الله سبحانه وتعالى من أجل العمارة والإصلاح". 

كان نورُ هذا الهدف واضحًا في السِّيرة الذاتية للدكتورة ختام، بدءًا من مواضيع الأبحاث التي عملتْ عليها، حيث استطاعتْ أن تنشرَ أكثر من 60 بحث علمي في مجال الكهرومغناطيسية في مجلات علمية دولية مختلفة، بالإضافة إلى نشرها كتابين في مؤسسةٍ ألمانية تتعلق بتأثير الجوال على الخلايا الحية للإنسان والنبات، ناهيك عن مشاركتها على مستوى وطني ودولي في مؤتمراتٍ علمية متنوَّعة، ومشاركتِها في لجان مناقشة رسائل الماجستير على عدَّةِ مستويات.


اقرأ أيضًا: جمان النتشة: حضور فلسطيني في علوم الطب والأعصاب


سخَّرت الدكتورة ختام علمها وعملها وسعيها للدعوةِ إلى الله، وربطت الكثير من الظواهر الطبيعية التي يتناولها علم الفيزياء بالدعوة إلى الله بأسلوبٍ شيِّق وبسيط، والحقيقة أنه بمجرد أن يعلن عن وجود ندوةٍ علمية للدكتورة ختام في أحد مجالس العلم، ترى كل زاويةٍ في القاعة ممتلئة بالحضور، باختلافِ تخصصاتهم واهتماماتهم. فما بين شرح ظاهرة سقوط الأمطار، والزلازل والبراكين، وصولًا إلى علامات المد والجزر والكسوف والخسوف والموجات الكهرومغناطيسية، تفسِّر البروفيسور ختام حركة طوافَ الحجاج، وحركة الشَّمس والقمر، والمعجزة الكامنة في ضوء الفجر والتعرض لضوء الشَّفق، فكلُّها ظواهر طبيعية ذُكِرتْ في القرآن الكريم، وحدوثها على الأرض يُمثِّل قوة إلهية ليس للإنسان أي تدخُّلٍ فيها، بل إن هذا العلم سُخِّر للإنسان لإثباتِ كلِّ ما ذُكر في القرآن الكريم والسنَّةِ النبوية الشريفة.

| مجالاتُ الإبداع في الفيزياء

لم يكن إبداع البروفيسورة ختام مُقتصرًا على مجال الفيزياء فحسب، بل إنَّ سعيها تنوَّع في مجالاتٍ عدَّة، فسيدةٌ مثل الدكتورة ختام كانت حريصةً على دعم المرأة الفلسطينية وصقل شخصيتها في ميادين الحياة، وهذا ما دفعها لتأسيس مؤسسة المداد رفقة صديقاتها.
 
 وهي مؤسسة تُجسِّد قيم المعرفة والفكر والحضارة والنهوض بالعمل الثقافي للمرأة الفلسطينية، وبناء القدرات المجتمعية لإثراء المشهد الثقافي  والعلمي والأكاديمي البحثي للمرأة الفلسطينية، بدءًا من أنشطة محلية وصولًا إلى ملتقيات عربية وعالمية في شتى العلوم المختلفة.

لم يكن إبداع البروفيسورة ختام مُقتصرًا على مجال الفيزياء فحسب، بل إنَّ سعيها تنوَّع في مجالاتٍ عدَّة، فسيدةٌ مثل الدكتورة ختام كانت حريصةً على دعم المرأة الفلسطينية وصقل شخصيتها في ميادين الحياة، وهذا ما دفعها لتأسيس مؤسسة المداد رفقة صديقاتها، وهي مؤسسة تُجسِّد قيم المعرفة والفكر والحضارة والنهوض بالعمل الثقافي للمرأة الفلسطينية، وبناء القدرات المجتمعية لإثراء المشهد الثقافي  والعلمي والأكاديمي البحثي للمرأة الفلسطينية بدءًا من أنشطة محلية وصولًا إلى ملتقيات عربية وعالمية في شتى العلوم المختلفة.

كان للمجال الاجتماعي والأدبي أيضًا نصيب وافر من إنجازات هذه السيِّدة النَّهمة، حيث لا تترك مناسبةً وطنية ودينية إلَّا وتتحدث بها عبر صفحتها على الفيسبوك، بالإضافة إلى اهتمامها بالعمل الإعلامي من خلال بث العديد من الحلقات الإذاعية والتلفزيونية في مجالاتٍ مختلفة، ومن جانبٍ آخر تحرص الدكتورة ختام على تنفيذ مبادرات وحملات أدبية بهدف تطوير المهارات الأدبية واللغوية للطالبات.

44.jpg

 بالإضافة إلى حرصها السنوي على تنفيذ ما يقارب 300 محاضرة ثقافية علمية وتربوية تنموية في المساجد والجامعات والنقابات والمُلتقيات المختلفة. وإطلاق العديد من المخيمات الصيفية التي تهتم بصقل قدرات الطلاب المهتمين بصنع بصمات مختلفة في داخل المجتمع من خلال الربط بين المفاهيم العلمية والقيادية. وأمَّا فيما يتعلَّق بالمجال السياسي، فقد رشحت البروفيسورة ختام لانتخابات المجلس التشريعي عام 2021.

إنَّ جهودًا كهذه الجهود حُقَّ أن يُشارَ لها بالبنان، ولاقَ بهذا السَّعي أن يُكرَّمَ في كلِّ محفل، حيث حصلتْ الدكتورة ختام على لقب امرأة فلسطين لعام 2022 في المجال الفكري. وهي المسابقة التي تُنفذ سنويًا من قبل وزارة شئون المرأة الفلسطينية للإبداع والتَّميُّز.

| العائلة وسعيُ الطَّريق

IMG-20221005-WA0003.jpg
الدكتورة ختام الوصيفي في مؤتمر يتبع لكلية الفيزياء في الجامعة الإسلامية في غزة

ماذا عن العائلة؟ إن الطَّريق الذي سلكته الدكتورة ختام لا يُشكُّ أبدًا بطوله، وصعوبته، وللوهلةِ الأولى ستظنُّ عزيزي القارئ، أنُّه سعيّ إنسانٍ وهب نفسه للعلم فحسب، لكنَّ هذه السيِّدة جمعتْ من القوة ما جعلها ناجحة في الميادين كافَّة، فها هي زوجةٌ وأمٌّ لسبعةٍ من الأبناء، وكلُّهم يسيرون على درب والدتهم، فمنهم من اختار طريقَ الطب، وآخر اختار الهندسة، وبعضهم يحمل شهادة الدراسات العُليا. 

وأمَّا عن السِّر في هذا النَّجاح، ما بين العمل والعائلة، تقول البروفيسور ختام: "إنَّ بناءَ العائلة أمانة كبيرة يصطفي الله بها عباده، فأساسُ التَّربية التي اتخذتُها منهجًا لأبنائي تقوم على أسسٍ ثلاث: القيم الأخلاقية الإسلامية وتأدية الفرائض الدينية، وغرس أهمية العلم والتَّعلُّم، وتهيئتِهم للجهاد في سبيل الله. وهذه الأُسس تكمل كل واحدة منهن الأخرى، فنحن لا نريد فتاة أو شابًا مصليًا فقط، ولا مصليًا وذا أخلاقٍ فاضلة فقط، وإنَّما إلى جانب هذه وتلك، نريد جيلًا مجاهدًا يسعى لتحرير أرضه، ومقدساته بالعلم والتفوق والتربي".

22-2.jpg

إنَّ اللحظةَ التي تجلسُ فيها برفقة الدكتورة ختام، تشعر وكأنك جالسٌ رفقةِ أمٍّ تحمل القضية قبلَ كلِّ شيء، تضعُ طريقَ التَّحرير نُصبَ عينيها، وتُسنِدُ دورَ المرأةِ وأهمية وجودها في كلِّ نصٍ من نصوصها. فالإيمان الذي تسيرُ به هذه السيدة المُثابرة جعلها تحملُ أمانة التوعية وشحذ همم النَّساء الفلسطينيات. لتختمَ حديثها برسالةٍ ووصية لكلِّ سيدةٍ فلسطينية تريد أن تنقشَ اسمها لخدمةِ الدِّين، وترْكِ بصمةٍ واضحة بين طيَّاتِ الكتب، وفي هذا ختامُ حديثِها موصيةً:  "إليكِ يا رفيقةَ العلم، يا نورَ الطَّريق الطويل، يا رافعةَ لواء القضية، إليكِ وأنتِ تحاولين رغم كل الصعاب، عليكِ أن تُدركي أن الواقع الفلسطيني صعبٌ، وأنَّ التغيير ليس بالأمر الهيِّن".

33-2.jpg

تكمل: "لذلك عليكِ أن تستشعري المسؤوليات المُلقاة على عاتِقك، وأنْ تُقدري دورَك المميز في صناعة الأثر في داخل المجتمع. لا تنسي يا صديقةَ الدراسة أن العقول الفلسطينية حُبلى بالإبداع والأفكار، لكنَّها تنتظر الفرصة الحقيقية، لذلك كوني أنتِ الفرصة، وحلِّقي نحو كل سماءٍ فيها انطلاقةٌ لهذا الإبداع. وقبل أن تفتحي الصَّفحة الأولى من كتابِ هذا السَّعي، عليكِ أن تُخلصي عملكَ وعلمكِ لله سبحانه وتعالى، وأن تطلبي القوَّة ليعينك على هذه الأمانة العظيمة".

ولا تنسي أنَّ اصطفائك بفلسطينيتك، له حقٌّ عليكِ، لتكوني النَّموذج الفكري والعلمي والجهادي الذي يقاوِم ظلمَ الاحتلال، وظلام الجهل. لذلكِ خذي بزمام المبادرة والانطلاق نحو الهدف بعطائك وعلمك وتميُّزك، وسيري باسم اللهِ وعينهُ ترعاكِ".