بنفسج

في محطة الأمومة: نتوقف لنتابع المسير

الأربعاء 19 أكتوبر

حينما أختلس لروحي بعض الوقت وأجلس بمفردي، أستغرب كثيرًا، أهذه أنا؟! ماذا حدث لي، كيف لي أن أتوقف عن العمل كل هذه المدة وأنا التي عشقت مجالها جدًا، ألتلك الدرجة سرقتني الأمومة والحياة الأسرية، فأنا لم أمارس أي عمل منذ نحو عامين، وقد كنت التي تعمل منذ أن كانت طالبة في المرحلة الجامعية. لقد استيقظت على نفسي وأنا غارقة في مهمات الأمومة والأسرة والحياة وعدم القدرة على ترك طفلي الرضيع ومن قبل شقيقته، للبحث عن عمل، لعدة أسباب لم أكن لأتجاوزها في ذلك الوقت القريب، لكنني أحاول أن أفعل هذا الآن وأن أنتصر على كل معيق.

آلاف الأشياء والأحداث كنت أراها عذرًا لي كي لا أكمل، بعضها حقيقي ويحتاج للمقاومة والانتصار، لكن بعضها كنت أستسلم له بسهولة وكأنني لست أنا التي أعرف. لكثير من الأيام والليالي شعرت بالتيه والضغط وعدم الرضا، لكنني لم أكن أستطع أن أحرك ساكنًا، وكأن قواي قد خارت بشكل نهائي دون جدوى من استعادتها، كنت أشعر نفسي أنني في دوامة كبيرة لا نهاية لها، ثم لاحقًا اقتنعت دون وعي مني بأن هذه حياتي الأبدية بين جدارن هذا المنزل.

وهنا أعترف أنني أخطأت عندما ألغيت كل اهتماماتي وعملي ووقتي لنفسي، وكرّست كل حياتي لمتطلبات الحياة الأسرية، ولا أندم على ذلك مطلقًا؛ فهم الإرث الأكبر والمهمة الأعظم والأسمى في هذه الحياة كما أحب أن أقول لنفسي دائمًا، فرعاية الأبناء وتربيتهم خاصة في ظل كل ما يحيط بنا من انفتاح وفتن ليست بالأمر الهيّن، لكنني تجاوزت طاقتي وحدودي، وقسوت على روحي، ولم أجد لها مكانًا بين دقات ساعات اليوم.

لا أحارب الأمومة هنا، ولا أقلل من شأن أي أم وما تقوم به في سبيل رعاية عائلتها وتربيتهم على الخير والصلاح والنجاح، على العكس تمامًا، أفخر جدًا بأمومتي، وأنتن أيضًا افخرن بها، فهي مهمة من أعظم المهمات وأصعبها، تعملن خلالها على بناء وصنع شخص إنسان، إن صلح عمرت الأرض واتسعت له ولغيره بما رحبت، وأنتن يا معشر الأمهات ستأخذن حينها إن شاء رب السماء ثواب الدارين.


اقرأ أيضًا: الأم العاملة: ماذا لو تنازلت مؤقتًا عن اللقب؟


ولكن أطلب من نفسي أولًا ومن كل من حادت عن طريق طموحها قليلًا أن عودي لذاتك مجدّدًا، أربتي على كتفك قليلا واتكئي على ذاتك وانهضي، لا بأس، حاولي دومًا أن تصلي كلما سنحت لك الفرصة فجميعنا قادرات، ثقن بذلك. عندما عدت أخيرًا لطريقي، ونفضت غبار الإهمال عن روحي، قررت أن أساعد نفسي قدر المستطاع في أن أنجح وأكمل ما أريد، استعنت بالورقة والقلم لأرتب مهمات يومي، ولا تستهيني بهذا حتى وإن كانت مهامك معلومة لك وروتينية، لكن أعتقد أنك ستلاحظين فرقًا عندما تبدأين بترتيبها كتابيًا.

قررت أن أجلس مع نفسي مهما حدّث لو لبضع دقائق في اليوم، أستذكر أحلامي وأهدافي وما أريد، وأكتبها كي أقرأها كلما خبا بريق الطموح والهدف أمامي وسط انشغالات الحياة. قررت أيضًا أن أبدأ بالتغيير وإن كان بسيطًا بالكاد يذكر، من مبدأ قليل دائم خير من كثير منقطع، وبالفعل هذا ما آتى أوكله، فمهمة واحدة جديدة يوميًا لفترة معينة ستصبح عادة فيما بعد، وهكذا إلى أن يصبح لدينا الكثير من العادات الجيدة بعد فترة من الزمن. بحثت عن الطرق التي أحيي فيها شغفي مرة أخرى، ووسائل لتطوير ذاتي وتجديد معلوماتي في مجال تخصصي وأحاول تنفيذها بشكل دائم ومستمر.

تذكري أنت أيضًا عزيزتي الأم، بأنك أنتِ المعين الأول لنفسك أنت قوتها مهما ضعفت وانكسرت وخسرت، لن تنهضي إلا إذا قررت أنت، ولا بأس كلما سقطتِ عودي للنهوض ثانية وكل شيء سيكون على ما يرام. وأأوكد مرة أخرى أن أمومتك وتربيتك لأبنائك لهو بالأمر العظيم ويكفى أنك وضعتهم دومًا تحت ناظريك، لتعدّي إنسانا يخاف الله ناحجًا مستقلًا، ولا تندمي أبدًا على وقتك الذي منحته لهم.

سأخبرك أمرًا، ستلاحظين فرقًا في تصرفاتك وذاتك عندما يكون قرار التغيير نابعًا من داخلك بقوة، بالنسبة لي إن هذه المرة مختلفة، لقد شعرت أن رغبتي بالتغيير كانت قوية وحقيقة ومنبعثة من أعماق نفسي، فمثلا حينما هممّت بعزم وإصرار على أن أسعى خلف حلمي، لاحظتُ أن تعاملي مع تفاصيل حياتي ومهماتي اليوم أصبح مختلفًا، فلا بأس من إعداد وجبة الطعام بيد واحدة وطفلي أحمله باليد الأخرى دون أن أتذمر أو أقول كم أن هذا الأمر صعب للغاية، ثم أركض لأنفذ مهمة أخرى وأخرى، لقد أصبحت أكثر تفاؤلًا.

أعلم أن هناك سيدة أخرى غيري استمرت ووصلت، وكونها أم لم يجعلها تتراجع، ولقد أصابت فيما فعلت كما أعتقد، لكن غيرها -مثلي- ربما حادت عن الطريق بعض الشيء، وتحتاج لمن يذكرها بأن تعود، بأن تسعى وراء أحلامها وما تريد. أحاول دومًا أن أذكر نفسي وتذكري أنت أيضًا عزيزتي الأم، بأنك أنتِ المعين الأول لنفسك أنت قوتها مهما ضعفت وانكسرت وخسرت، لن تنهضي إلا إذا قررت أنت، ولا بأس كلما سقطتِ عودي للنهوض ثانية وكل شيء سيكون على ما يرام. وأؤكد مرة أخرى أن أمومتك وتربيتك لأبنائك لهو بالأمر العظيم ويكفى أنك وضعتهم دومًا تحت ناظريك، لتعدّي إنسانا يخاف الله ناحجًا مستقلًا، ولا تندمي أبدًا على وقتك الذي منحته لهم، فستزهر أزهاره في وقت لاحق، وأرجو لي ولكم حظًا موفقًا.