بنفسج

عن معنى "الحزن" في حياة أطفالنا

الخميس 11 يونيو

عادت طفلتي "شام" من مدرستها قبل يومين وهي تبكي. لأول مرة أراها مبللة الخد بهذه الطريقة، وبعد احتوائي للموقف، اكتشفت أن الأمر متعلق بانقطاع صديقة عزيزة عن التواصل معها، مشاكسات طفولية ليس إلا. لم أستطع أن أجعل الموقف يمرّ هكذا جزافا، فالمواقف الحاصلة مع أطفالنا هي فرصة لتمرير وترسيخ ما نريد أن نزرعه في نفوسهم.

 

فحاولت أن أخفف حزنها أولاً، وتجنبت أي كلام يحمل شيئاً من اللوم والنقد، والذي قد يقطع فجأة حبل التواصل بيننا؛ لا سيما وأنّ الطفل في العادة يبحث عن شيء من الإقرار العاطفي من قبل ذويه، والاحتواء الذي يمنحه قدرة التعبير عن خلجات مشاعره، والتحكم بهاقد يبدو الموقف سخيفا لنا نحن الكبار، لكنه في غاية الأهمية لأطفالنا الذين يقدسون الصداقة في أولى مراحل حياتهم. اقتربتُ منها وقد طرحتُ سؤالاً: هل علينا دائما أن نكون سعداء يا شام؟ هل الحياة فعلا كلها سعيدة وجميلة، وعليها أن تسير كما نريد؟

كان صمتها بالنسبة لي مشجعا للاستمرار، وقد توقفت عن البكاء، وبدأت تنظر إليّ بعينيها اللوزيتين، فأكملت حديثي أن الحياة حقيقة تقوم على الأنصاف، نصفها سعادة والآخر حزن، نصفها جمال والأخر قبح، نصفها حقيقية والآخر كذب، حاولت أن أبسط لها الفكرة قد الإمكان. وأتممت ذلك بأن الحزن مفيد للإنسان، فهو يجعله يفكر أكثر بأفعاله وأقواله، فيستدرك ما وقع منه من خطأ أو قبح، وهو فرصة لأن يعيد الإنسان تقويم وتصويب أموره.

"الحزن مفيد يا شام إذا قررنا ذلك، وإذا لم نقرر فإنه سينهش من سعادتنا وأعمارنا وسيبقى يتغدى على هذا القلب ما حيينا". انظري بنيّتي مثلا لولا هذا الحزن لما استطعنا أن نتحدث سويا بهذا الحوار، ولم نفكّر كيف يمكن أن نتجاوز هذا الحزن فنتعلّم، فالحزن يجعلنا أكثر نضوجاً من الفرح. ربما لم تفهم طفلتي جزءا كبيرا من كلامي الذي حاولت تيسيره قدر المستطاع، لكن ابتسامتها وهدوءها كانا كفيلين بأن رسالتي قد وصلت.

الكلام الذي قلته لها، لم يستدركه عقلي إلا بعد سنوات عديدة، ومواقف كثيرة، وتجارب مررت بها من الحزن، والخسارة، والألم. فالصورة المثالية الوردية عن الحياة التي نُربى عليها في العادة، هي ما تجعل زواجنا يفشل، وعلاقاتنا تهتزّ، وخطواتنا تتعثر، فيما الصورة الواقعية والحقيقية هي من تجعلنا أقوى.

ربما نحن لا نستطيع أن نرى أطفالنا حزانى وقد غمرهم الدمع. مرات عديدة نمنعهم من البكاء؛ كي لا يمس قلوبهم الأسى، ونحاول أن نخفي كل مظاهر الحزن، وندفع بمشاهد الفرح؛ كي تملأ عيونهم وتعشّش في ذاكرتهم. لكن، ماذا عن قوةّ الحزن السائرة في هذا الكون، ماذا عن الدمع الذي قد ينفعنا أكثر من لحظات الفرح إجلالا. الفرح جميل، لكن الحزن يعطي للحياة معناها الأعمق والأصدق. لنمنح أطفالنا تجربة الحزن كما الفرح، لأجلهم فقط، لأجل حياة حقيقية ليس أكثر.