بنفسج

وقفي شوي... على مهلك

الأربعاء 11 يناير

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت
كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت

كنتُ مثقلة جدًا، أركض من عملٍ لآخر، لا وقت للتفكير في شيء سوى أني أريد أن أنتهي من تنفيذ كل تلك المهمات والمشاغل اليومية التي تقع على عاتقي، والتي تزيد مع كل يومٍ إن قررت تأجيله أو تأخيره قليلًا، الأعباء تزداد في داخل البيت وخارجه، خصوصًا إن كنت أم وعاملة في نفس الوقت. ودومًا أتساءل كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت.

سقطت مني كلمة حين كنتُ أتحدث لصديقتي "تسنيم" أنني منهكة من كل هذه المهمات، وأنه لا يروق لي بال أو أرتاح نفسيًا حتى أنتهي منها كلها، وفعليًا كلما انتهيتُ من شيء يظهر أمرٌ آخر، أخبرتني بجملة وكأنها كانت بمنزلة حلٍ جذري لما كنتُ فيه "عزيزتي.. لا تعملي بجهد.. اعملي بذكاء".

للوهلة الأول لم أعِ جيدًا ما تقصد، وما الرابط بين ما أخبرتها به وبين جملتها تلك، وهل سيختلف الأمر إن كنتُ أعمل بجهد، أو بذكاء، فالمهمات نفسها، والجهد نفسه سيُبذل عاجلًا أم آجلًا، لأعلم بعد ذلك أن نصف الراحة هي في التوازن والعمل بذكاء في هذه الحياة. ومنذ تلك اللحظة أصبحت أتمرن على تلك الجملة يوميًا، كلما شدتني الحياة إلى الركض دون وعي مني، أذكّر نفسي أن الركض لن يتوقف مطلقًا طالما نحن نسعى في هذه الحياة، لكن عليّ أن أركض بطريقة صحيحة تدفعني أن أصل حتى آخر المطاف وأنا راضية.

 أنت خلقت لهدف تذكري هذا

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت
كم مرة قلتِ إن العمر يتوقف والعمل لا ينتهي، لكنك لم تتوقفِ عن العمل، وبقيت مستمرة حتى أضناكِ التعب، كم مرة شعرتي أنك لا تتمالكين أعصابك لأنك لا تستطيعين السيطرة على حياتك، وعلى مهماتك الطويلة جدًا، والمتشابكة.
 
جميعنا نُصارع الزمن كي نشعر بالإنجاز، لكن هل فكرت يا عزيزتي أن تتوقفي قليلًا، أن تأخذي قسطًا لإعادة التفكير في نظام حياتك، فالعمر يمضي، ألا ترغبين تغيير ذلك، أو إيجاد آلية أخرى لممارسة تفاصيل الحياة، بطريقة لا يجلدك فيها التقصير.

من منا لا ينشد تحقيق كل ما يريده في أقل وقت من الزمن، سواءً على صعيد الحياة الشخصية أو الزوجية أو على صعيد تربية الأبناء أو في المستوي المهني بعملك، كلنا نسعى لذلك، ونتمنى لو أننا نمتلك عصا سحرية تنقذنا من أزمة الوقت والركض المتعب والجهد الكبير المبذول فيه. كم مرة كنتِ تغسلين فيها أواني الطعام، فتذكرتي أنكِ لم تضعِ كومة الغسيل في الغسالة، وأنك نسيتِ أن تلغي موعدًا لن تستطيعين حضوره، أو أن تساعدي طفلك في أداء واجباته، وأن تتفقدي الطعام الذي يغلي، وطفلك الذي يصرخ، والكثير من المهمات العالقة في رأسك التي تنتظر التنفيذ.

كم مرة قلتِ إن العمر يتوقف والعمل لا ينتهي، لكنك لم تتوقفِ عن العمل، وبقيت مستمرة حتى أضناكِ التعب، كم مرة شعرتي أنك لا تتمالكين أعصابك لأنك لا تستطيعين السيطرة على حياتك، وعلى مهماتك الطويلة جدًا، والمتشابكة في ظل ضغوط الحياة المتزايدة من كل حدبٍ وصوب. كم مرة قلت وكتبت عبر محرك البحث كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت.

جميعنا نُصارع الزمن كي نشعر بالإنجاز، لكن هل فكرت يا عزيزتي أن تتوقفي قليلًا، أن تأخذي قسطًا لإعادة التفكير في نظام حياتك، فالعمر يمضي، والصحة تمضي، والأعمال المتراكمة تزيد ولا تنقص، ألا ترغبين تغيير ذلك، أو إيجاد آلية أخرى لممارسة تفاصيل الحياة، بطريقة لا يجلدك فيها التقصير، ولا التأنيب، ولا تشعرين فيها بتسرب الوقت كل يوم من يدك دون أن تنهي ما عليك فعله من مهمات.


اقرأ أيضًا: للأم العاملة: لا تموتي قبل أوانك


أحببتُ هنا أن أضع يدي بيدك لنفكر بطريقة مغايرة، علنا نخرج سويًا بآلية جديدة تنظم حياتك بشكل جيد، تديرين فيها وقتك الذي تملكينه بطريقة تنفعك في الدنيا والآخرة. واعلمي أننا جميعًا في هذه الحياة نملك ذات الـ 24 ساعة التي يملكها كل شخص على هذه الأرض، والأمر لا يكمن في أن الوقت لا يتسع، بل في كيفية إدارة هذه الساعات على مدار اليوم، لتخرجي بأكثر النتائج والإنجازات المرضية.

تذكري يا عزيزتي أنك خُلقتِ في هذه الحياة لهدفٍ قد حدده الذي خلقك وأوجدك على هذه الأرض، وبمهمةٍ يجب أن لا تغفلي عنها يومًا، خلقك لتعبديه وتعمري الأرض بطاعاته، سواء كنتِ صغيرة، شابة، أم، عاملة، فهل تستحضرين هذه الأمر كل يوم وليلة، وهل وضعتِ خطة لهذا الأمر، أم أنك تسيرين بعشوائية في هذه الحياة؟

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت؟

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت
عائلتك هي جوهر حياتك، ومن أجلهم أيضًا عليك أن تحددي وقتًا لنفسك

استحضري يوميًا قول الحسن البصري، "إنما أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضعُ منك"، فلا تجعلي العمر ينقضي دون أثرٍ واضح ينفعك في الدنيا والآخرة، يعود بالنفع عليكِ وعلى نفسك وعلى عائلتك، ويصّب في الهدف الأكبر الذي خُلقت من أجله، ولا يأتي ذلك بالتمني، فالأمنيات بضاعة الحمقى، والسعي هو الطريق الحقيقي للوصول. وهنا بضع نصائح قد تساعدكِ في وضع بعض النقاط على الحروف.

| أولًا: اقتربي من الله: اجعلي أوامر الله وفرائضه أهم أولوياتك في الحياة، فمن أقبل على الله وجعله في أعظم المراتب، كان حقًا على الله أن يعينه، ويرتب فوضى حياته، ويهديه إلى الطريق الصحيح، وكلما اقتربت أكثر كنتِ أقدر على معرفة سبيل الوصول والرضا.

| ثانيًا: التخطيط الجيد: خططي جيدًا ليومك من الليلة السابقة، ضعي ورقة وقلم بجانبك أو على مفكرة هاتفك، أو علقي ورقة بيضاء على الحائط، واكتبي فيها المهمات الرئيسة التي ستقومين بتنفيذها في اليوم التالي، مع الحفاظ على روتين يومي، فمن علمِ مهماته سهل عليه تنفيذها، وقلّ الضغط النفسي والتوتر الذي من الممكن أن يحدث في حال كنتِ عشوائية في إدارة وقتك اليومي. وبذلك قد تكوني وضعتي أول محور في ورقة الإجابة عن سؤال كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت.

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت
القرب من الله يساعدك في الموازنة بين مهامك، ويطرح لك البركة في وقتك، والنية الطيبة تضاعف لك الأجر والثواب

| ثالثًا: حددي الوقت: اجعلي لكل مهمة وقتا ًمحددًا، وبجانبها حددي ما المهام المستعجلة، وما المهمات التي قد يمكن تأخيرها، والمهمات التي يمكن توكيلها لغيرك، والمهمات غير الضرورية التي يمكن إلغاؤها، فالمهمات المفتوحة دون ترتيب تسرق منك الوقت دون أن تدركي ذلك.

| رابعًا: رتبي مهامك: حاولي أن تجهزي ليلًا بعض الأمور التي قد توفر عليك ركض الصباح، كملابس أطفالك وحقائبهم وملابسك ووجبات الطعام، وتذكري أن استيقاظك مبكرًا يوفر عليكِ الكثير من الوقت، ويمنحك البركة التي لا يشعر بها سوى الذي يواظب عليها ويعرف قيمتها جيدًا، مصداقًا لقول   الحبيب محمد، صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها".


اقرأ أيضًا: طلب العلم وتربية الأطفال: كيف نوازن؟


| خامسًا: استحضري النية: قبل البدء بأي شيء، استحضري النية لما تفعليه واربطيها برضا الله، واحتسبي كل عمل في بيتك وأبنائك وزوجك وأقاربك لله، فإن التجارة مع الله أفضل التجارات الرابحة في الدنيا والآخرة، وعاقبتها السعادة التي لن تجديها إلا بالقرب من الله. 

| سادسًا: ابتعدي عن  المشتتات: قد تسلب منك التركيز، وخاصة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والرد على الرسائل، أفصلي هاتفك عن الإنترنت، ولا تمسكيه إلا بعد الانتهاء من مهامك التي وضعتيها لأدائها صباحًا.

| سابعًا: وفري لنفسك ما تريدين:  إن كنتِ تستطيعين أن تجلبي الأدوات التي قد تساعدك في إنجاز مهماتك، فلا تبخلي عن نفسك، وسخريها من أجلك توفيرًا لوقتك وجهدك وصحتك.

كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت
جددي نيتك باستمرار، فالنية الطيبة تحول الأعباء والمهام اليومية إلى طاعات

| ثامنًا: لا تحملي كل الأعباء عليك: مارسي التفويض في حياتك، لأن التفويض حتى في المهمات الصغيرة ستريحك حتمًا، فداومي عليها مع أطفالك وزوجك، لأنك بذلك ستوفرين على نفسك الكثير من الوقت والجهد، وسيتعلم الجميع المشاركة وتحمل المسؤولية، ولا تيأسي في هذا الأمر أو تنشدي الكمال، فالاستمرار هنا هو المطلوب.

| تاسعًا: ضعي القواعد: وجود القواعد كثيرًا ما تكون أمرًا مريحًا في الحياة، فوجود موعد محدد للنوم أو تناول الطعام أو أداء الواجبات الدراسية مع أطفالك، والجلسة العائلية كل يوم أو كل أسبوع، وكذلك إرجاع كل شيء يستخدم إلى مكانه، كل ذلك سيساعدك في ترتيب حياتك أكثر.

| عاشرًا: اخلقي لنفسك وقتك الخاص:  أطفالك وزوجك أهم مشروع لكِ في حياتك، والأمانة التي ستسألين عنها، فابذلي لأجلهم المستطاع، لكنك أيضًا ستُسـألين عن نفسك، فلا تجعلي محور حياتك يقتصر على وجودهم، اخلقي لنفسك وقتك الخاص، حتى لو لم ينجح الأمر في البداية، لكن مع التكرار ستفرضين على الجميع مساحتك الخاصة، لأن أثرها في النهاية سيكون واضحًا كذلك على عائلتك.


اقرأ أيضًا: مهمة خاصة في العمل والأسرة... كيف يكون التوزان ممكنا؟


 سأكرر لك مرة أخرى، أمرًا مهمًا لا يمكنك تحصيله إلا بطريق واحد، السير فيه سيشبع روحك سكينة وطمأنينة ورضا، وهو أن لا تستهيني بعلاقتك مع الله، حافظي على صلاتك في وقتها، ووردك القرآني، وأذكار الصباح والمساء والنوم، رطبي لسانك في أوقات العمل والانتظار بالاستغفار والدعاء لنفسك وعائلتك، واستودعي نفسك وكل حياتك لمن خلقها، فودائع الله دومًا لا تضيع.

وأخيرًا أود التذكير يا عزيزتي أنتِ جزء من مجتمعك، ولستِ بمعزل عن هذا العالم، فاجعلي لنفسك قسطًا من التطوير والتنمية الذاتية، فلا تركني لمهام البيت، لأن البيت خلق ليُريحنا لا لنريحه نحن على حسابنا، وأثناء أداء مهامك استغلي وقتك بسماع درس أو ملخص لكتابٍ ولو كان قصيرًا، وعلى مدى الأيام ستجدين الفرق واضحًا في شخصيك لأنه بُني مع التراكم، فلا تستهيني بذلك مطلقًا.  

أجبنا هنا عن سؤال كيف تستطيع الأم العاملة التوفيق بين العمل والبيت، وأنهي حديثي بأن أنصحك بأن تتخلصي من كل شيء زائد في حياتك، أو في بيتك، أو في علاقتك مع الآخرين، فكل ذلك يأخذ مساحة من تفكيرك وطاقتك وجهدك ووقتك، عليكِ أن تتحكمي بحياتك وتضبطيها قدر الإمكان، فإذا لم تستطيعِ أن تديري حياتك أنتِ، ستديرك الحياة إلى وجهاتها المشتتة.