بنفسج

أفراحنا إسلامية: عن مشاعر عروس يوم زفافها

الأحد 20 نوفمبر

الأفراح الإسلامية
الأفراح الإسلامية

كنتُ طفلة، أنمُو كالزّهرة الزنبقيّة البريئة، أخطو بخطى ثابتة تنبعُ طهرًا وعفّة، وتُضفي بريقًا أينما حلّت، أضحيت شابّة في عمرٍ زهريّ. لم أكن أحبُّ الزواج، ولم أكن أحلُم بالفستان الأبيض! لكن، ومع كثرة الخيارات، وحده الله، وبدون ترتيبات، سيسوق لك من يُلائمك، ليكون مُهجةً لقلبك ومؤنسًا لدربك! فاصبري وتعفّفي ولا تقلقي.

وحسبَ قول أعلِنوا النكاح وأخفوا الخِطبة: فأنا لا أحبّ نشْر شكلِيّات الخُطوبة وصُوَرها وإعلانها من سنواتٍ معدودات! وأنبذ هذه التّصرفات والسّلوكات المظهرية! إلى أن جاء اليوم: لأقول إنني رُبما ناضجة بما يكفي لأكمل المسيرة التكاملية معًا، لنتحمل مسؤوليّة هذه المملكة بحُلوها ومُرّها، والتي بناها حجرًا وقرآنا يُتلى على مسمعهِ، وبنيتُها أنا فكرةً وكُتبًا وتخطيطًا.

لا أريد أن أُقابل أبي وأمي وجهًا لوجه، لا أريد أن أرى إخواتي، وجه أخي الصغير؟! يا إلهي لقد جاء أبي ليأخذني إلى سيّارة العروس حيث زوجي ينتظرني. آه لو استطعتُ أن أسرد عليكم صعوبَة اللحظة لأسردتها دمعًا رقراقًا هطل ذكرياتٍ من المرح والشّقاوة والجد والنضج.

كانت الأيام المُتبقية من العُرس مزيجًا من الأحاسيس القلبية المُغشاة بالترقّب اللطيف! كنتُ أتظاهر بالقوة رغم ضعفي وقلة حيلتي، لستُ أدري كم مرّة خنقتني العَبرة، وحبستُ دموعي أن تسيل من جفني كُلما فكرتُ بذهابي من بيتنا، من غرفتي مع أخواتي، من طاولة الأكل، ومن ومن! لم أكن أريد أن يشعر أبي وأمّي أنني سأفترق عنهما، كنت أرى الدّموع كابوسًا يؤرقني من كل صوب. ومرت الأيّام بحلاوتها المَمزوجة بمشاعِر الفراق!

جاء يومُ الزّفاف وحانت لحظةُ الوداع، اللحظة التي كنتُ أتهرّب من أن أراها عند العروسات! رغم أيّام القُوة التي بنيتُها داخلي تلاشت كلّها في آخر اللحظات. لا أريد أن أُقابل أبي وأمي وجهًا لوجه، لا أريد أن أرى إخواتي، وجه أخي الصغير؟! يا إلهي لقد جاء أبي ليأخذني إلى سيّارة العروس حيث زوجي ينتظرني. آه لو استطعتُ أن أسرد عليكم صعوبَة اللحظة لسردتها دمعًا رقراقًا يهطل ذكرياتٍ من المرح والشّقاوة والجد والنضج، ومشاعر من الحب الأسري والدفء الوالدي. هطل ولم يتوقف!


اقرأ أيضًا: ليالي التعاليل: العرس الشعبي الفلسطيني


سلواي أن هذا الرّفيق شبيه بكَ يا أبي كما دعوتُ! وابن بار بكِ يا أمي كما تمنيت! حامل لأمانتِكُما إخلاصًا وحبًا بإذن الله. إنني يا ربّ رغم أخطائي وذنوبي، لكنني أحاول أن أتقرّب إليك بهذا العُرس الإسلامي، ببداية حياةٍ بطاعة الله، فتزوجتُ بدون بهرجات أو تكاليف، ولم يكُن شُغلي الشّاغل ذهبًا، أو لباسًا أو تفاخُرًا بَل كان رضاكَ ورضاك!

قالوا عن العرس: للاّتي قلن إننا لم نحضُر أمثالَ هذا العرس، فقد كان عرسًا حُلوًا، مُميزا وبسيطًا، أدخل السرور إلى قلوبنا، للحاضرات اللاتي أبدلن اسمي أمينة ونادينني بالأميرة و"الپرنسيسة".. للآتي أضأن بتحضيراتهن أو وجودهن الحفل أقول لكن جميعًا: شُكرًا لكن من القلب حُبًا، فيكن أجرًا من الله حضوركن. للآتي تَساءَلن عن أي صالون تجميل ذهبت، أقول: أنا لم أذهب لأي صالون حلاقة أو تجميل ولم أحجز موعدًا لي كغيري من العروسات، فقد زَهدْتُ في ذلك من مدة ولستُ بحاجة لهاتك الصالونات.

لقد زينتُ نفسي بنفسي مع مساعدة أخواتي: فُستانًا أنيقًا مُميزًا، مُرصعًا بالجواهر وخِمارًا يعلوهُ تاج مُزين بالأحجارِ الكريمة، ينسدل سترًا ونورًا اخترته بعناية من الله وجمال من الأثواب الحضارية الإسلامية، للتي قالت: لا تتعبي نفسك بالحديث، فالعروس لا تتحدث! أقول: العروس إنسان ولا أفْرض على نفسي تلكَ التصرّفات الصّنمية لأظهر كما أروقكن. أنا أقدم كلمتي أينما كنت، حتى لو كنت عروسًا. وأشارككم ما قلت لها: أنا أحاول أن يكون عرسي إسلاميًا بأبسط شيء تتخيلونه، وهذا لكي أرضي الله، فيجعل حياتي الزوجية سعيدة. أحب كسر العادات! إنني عروسٌ قد استقبلت الجَمع النسوي وسلّمت ورحبت وفَرحت بوقارٍ وتواضع.


اقرأ أيضًا: سأكتب لأقول: أنني كنتُ هنا يومًا... ونجوت!


للذين قالوا إن هذا العرس يكسوه جوٌّ إيماني، أقول لكم لقد بنيتُ هذا الجو بجَناني وكياني سنواتٍ من تربية أمي وأبي! للتي وقفت شامخة وقالت كلمةً وعظية، ودعت لي جهرًا فردّد الجمع وأمّن! لله دُرّكِ. لجدتيّ اللتين بقيتا بجواري لحظات فزينتا مقعدي ببركتهما ودعائهما! حفظكما الله لي. للبنوتات الصغيرات اللاتي تجمعن حولي يَنْـتَـقِلن بأنامِلهن من حقْل فُستاني إلى سنابل خواتمي! أقول: أنا أحب الأطفال وعملي مع الأطفال ولن أحرم الأطفال من مجالسة العروس.

أحب كسر التقاليد! نحن نُظهر الجمال، ولكن ليس أي جمال! بل الجمال الإسلامي الرّفيع، حين يكون العرس مزينًا بفساتين ساترة، وبتوزيعات دعوية. مع ترانيم ممزوجة بالبسمة والتواضع يكون عُرسًا مُباركًا يشع فيه النّور والإيمان والجمال. نحن نكتُب لنُظهر للعالم جماليّة الإسلام وجمالية العرس الإسلامي، حتى لا يقال إن الأعراس الإسلامية مملة. نحن نكتب لأننا على ثغر من ثغور الإسلام، يجب أن نكثر من النماذج الإسلامية. نحن نكتب لنشجّع الأعراس الإسلامية، كما يشجعون الفسق والعري والفساد ونشر الصور المخلة ويفخرون بها، فمن للجمال الساتر إن كنا الصّامتين!


اقرأ أيضًا: إلى آبائنا الرائعين: نحبكم كما أنتم


نحن نكتب حتى نذكر العروس المسلمة بأن لا تزيغ وتبدأ حياتها الزوجية بمعصية الله. نحن نحكي عن إسلامنا الجميل لنعلن أنها أفراح في الأرض وبركات من السماء عندما يرضى الله عنها. وأخيرًا، تذكروا أن الزواج ليس بداية الحياة إذا أقبل ولا نهايتها إذا أدبر! بل عيشوا حياتكم كلها بمراحلها الجميلة واستمتعوا بلحظاتكم الحالية، وكل شيء في أوانه والله أجمل، وتوقيت الله أبدًا لن يخيبك. دعواتكُم الصادقة لنا.