بنفسج

لتعرف نبيك: [5] علوم نبوية يُنصح بها

الخميس 12 يناير

ماذا تعرفين عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما الفرق بين الحب والإتباع؟ كنت قد سألت هذا الأسئلة لمجموعة من صديقاتي عند اجتماعنا في ذكرى المولد النبوي الشريف، وسعدت بسماع كل الإجابات حينها، لكن تبيّن لي أن أغلب الإجابات كانت تدور حول جزءٍ بسيطٍ من حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- أما فيما يخصّ السؤال الثاني؛ فقد اختلفت وتعددت حوله الآراء.

| كيف أعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ما دفعني لكتابة مقال اليوم هو مشاركة تجربة مررت بها بالفعل قبل بضع سنوات، حيث دائماً ما كان يلازمني شعور بأنني لا أعرف سيدنا محمد، على النحو المطلوب وليس لدي من المعلومات عنه ما يجعلني يقيناً أعرفه كأنني أراه، رغم بحثي الدائم في كتب السيرة لكن دائماً ما كان اسم النبي، مرتبطًا عندي بمعلومات عامة.

ما دفعني لكتابة مقال اليوم هو مشاركة تجربة مررت بها بالفعل قبل بضع سنوات، فدائماً ما كان يلازمني شعور بأنني لا أعرف سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، على النحو المطلوب أو على الشكل الذي أريد، وليس لدي من المعلومات عنه ما يجعلني يقينًا أعرفه كأنني أراه، رغم بحثي الدائم عن ذلك الموضوع في كتب السيرة وبعض مجالس العلم، لكن دائمًا ما كان اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، مرتبطًا عندي بمعلومات عامة تدور حول حمله لهمِّ الدعوة والغزوات والحصارات والهجرة ومعاناة المسلمين من تعذيب المشركين، وهي معلومات مهمّة لا شك.

 لكن، كنت أشعر أن ما أبحث عنه أعمق من ذلك كلّه، كنت أبحث عن شيء لم أتمكن من وصفه حينها، لكن ما كنت على يقين منه، أن في رأسي العديد من الأسئلة حول حياته وشخصيته وصفاته- صلى الله عليه وسلم- والكثير من الشوق لحضرته، أما ما كنت أجده في بعض الكتب وبعض المجالس التي حضرتها، فليس جواباً لتلك الأسئلة الباحثة ولا ريّاً لذلك الشوق الدفين.


اقرأ أيضًا: في ذكرى مولده: كيف استوصى النبي خيرًا بالنساء؟


لكن، وكما يُقال، ما تبحث عنه يبحث عنك، هداني الله إلى ما كنت أبحث عنه بشكل لا يُتَوقع، في أحد الأيام أثناء استماعي على اليوتيوب لبعض مجالس فضيلة الشيخ عون القدومي، جزاه الله عنّا خير الجزاء، والذي دائماً ما كنت أستغرب حاله من عميق حبٍ وكثير شوقٍ لسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وأتساءل ما سرّ كل هذا الحب، وكيف نصل ولو لبعض ما وصل إليه من حبٍ وارتباطٍ بحضرة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ وإذ يأتيني الجواب على هذا السؤال بلحظتها وأنا أشاهد إحدى محاضراته لأجد اليوتيوب يقترح علي فيديو بعنوان "مدخل إلى دراسة العلوم النبويّة الخمسة".

كانت المرة الأولى التي أسمع بها شيئًا كهذا! علوم نبويّة خمسة؟ شدّني العنوان لدرجة أنني لم أكمل ما كنت أسمعه وانتقلت لهذا الفيديو مباشرة، والذي بمجرد سماعه شعرت وكأن الله سبحانه قد جمع لي جهد سنوات من البحث حول هذا الموضوع في 30 دقيقة يشرح بها فضيلة الشيخ عون هذه العلوم الخمسة، وليس هذا وحسب، بل ويقترح أهم الكتب المناسبة لكل علم، فكان هذا الفيديو بالنسبة لي وكأنّه رسالة من الله ومكافأة لسنين من البحث أجراها على يد هذا الشيخ الفاضل، فجزاه الله عنّا كل خير، وهذا ما جعلني أشارك موضوع اليوم معكنّ، فلعلّ هناك البعض منكنّ حالهنّ كحالي، ويبحثنّ عما كنت أبحث عنه، وأرجو أن يختصر مقالي اليوم عليكنّ الطريق وعناء البحث.

| الفرق بين الحب والإتباع ؟

 يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين". دعيني إذاً أسألك: هل يمكن للإنسان أن يحب ما يجهله؟ حتماً لا، إذاً فالمعرفة هي ما تقود إلى محبته- صلى الله عليه وسلم- والمحبة هي ما تقود إلى إتباعه، وإتباعه هو ما يقود إلى محبة الله لنا ورضاه عنا.
 
إن من صدق في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ستكون تلك المحبة بمثابة الشاحذ للهمة تعينه على الطاعات وعلى امتثال أمر الله سبحانه وطاعته وإتباع ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم.

لماذا نحن بحاجة للتعرّف على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل الحب وحده يكفي؟ أم هل المعرفة وحدها يُنجي؟ هذه الأسئلة ستقودنا لبيان أمرين:

| أولاً: الرابط ما بين الحب والمعرفة: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين". دعيني إذًا أسألك: هل يمكن للإنسان أن يحب ما يجهله؟ حتما لا، إذًا فالمعرفة هي ما تقود إلى محبته، صلى الله عليه وسلم، والمحبة هي ما تقود إلى إتباعه، وإتباعه هو ما يقود إلى محبة الله سبحانه وتعالى لنا ورضاه عنا. قال الله تعالى: "قلّ إن كُنتُم تُحِبون الله فاتبِعوني يُحبِبكُم الله".

| ثانياً: الفرق بين الحب والإتباع: إن من صدق في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ستكون تلك المحبة بمثابة الشاحذ للهمة تعينه على الطاعات وعلى امتثال أمر الله سبحانه وطاعته وإتباع ما جاء به نبيه -صلى الله عليه وسلم، فيمكننا القول بأن الاتباع هو ثمرة المحبة. فجميعنا بفطرتنا نحب نبينا -صلى الله عليه وسلم- لكن لا بد أن تظهر آثار هذه المحبة في سلوكنا ومعاملاتنا وتصرفاتنا وإلا فما صدقنا في محبتنا.

| مدخل إلى العلوم النبوية الخمسة 

1-35.jpg
كتاب الفضائل الأحمدية والفواضل المحمدية وكتاب دلائل النبوة وكتاب الرحيق المختوم

وبعد هذا البيان لأهميّة التعرف على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وبيان ما لهذه الأهمية من دور في تعزيز محبتنا لنبينا، ومن ثم اتباعه واتباع كل ما أمرنا به، الأمر الذي سيحقق لنا الفوز بنعيم الدارين،  حان الوقت لعرض هذه العلوم النبويّة الخمسة مع شرحٍ موجزٍ لكل علم واقتراحات لأهم الكتب لكل منها.

| أولاً: علم الشمائل: يهدف هذا العلم إلى نشر الصورة المحمديّة عن طريق إبراز الصفات الخَلقية والخُلقية للنبي- صلى الله عليه وسلم- فيدفعنا لتأمّل خصاله وأخلاقه من صدقٍ وأمانةٍ ورفقٍ وشجاعةٍ، كما ويساعدنا على التعرف على محبوبات النبي من أمور الحياة؛ كالمأكل والمشرب والملبس، ويصوّر لنا هيئته الشريفة، كوصفه بأنّه مربوع القامة أي ليس بالطويل ولا القصير، يميل إلى الطول، ومثل وصفه باتساع العين وشدة سوادها وبياضها.

وأهم الكتب في هذا المجال: الشمائل المحمديّة / للإمام الترمذي. وسائل الوصول إلى شمائل الرسول / للنبهاني. الروض الباسم / لعبد الرؤوف المناوي.

علم الفضائل: يعرض هذا العلم مقاربات ومقارنات سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- مع باقي الأنبياء، ليس بقصد التفضيل المؤدّي إلى التنقيص بحق باقي الرسل، لكن لبيان عظيم مكانته- صلى الله عليه وسلم- والله سبحانه قد قال في كتابه "تِلكَ الرُسُل فضّلنا بعضهم على بعض".

| ثانيًا: علم الخصائص: هو علم يعرض خصائص للنبي- صلى الله عليه وسلم- لم تكن لغيره من البشر، وهي خصائص دنيويّة وخصائص تشريعيّة وخصائص أخرويّة، ومنها ما يكون له ولأمته- صلى الله عليه وسلم. مثال خصائصه الدنيويّة: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يرى في الظلمة كما يرى في النور وتنام عينه ولا ينام قلبه.

ومثال ما اختص به النبي- صلى الله عليه وسلم- لأمته: جواز الصلاة في أي مكان من الأرض على عكس باقي الشرائع التي لم يكن يجوز الصلاة بها إلا بأماكن محددة، وهذا ما دلّ عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل".

وأهم الكتب في هذا العلم: الخصائص الكبرى / للسيوطي. تهذيب الخصائص النبويّة / للشيخ عبد الله التليدي. وغاية السّول في خصائص الرسول / للإمام ابن الملقن.


اقرأ أيضًا: لقد أتعبت من بعدك... يا رسول الله


| ثالثًا: علم الفضائل: يعرض هذا العلم مقاربات ومقارنات سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- مع باقي الأنبياء، ليس بقصد التفضيل المؤدّي إلى التنقيص بحق باقي الرسل، لكن لبيان عظيم مكانته- صلى الله عليه وسلم- والله سبحانه قد قال في كتابه "تِلكَ الرُسُل فضّلنا بعضهم على بعض".

فعلى سبيل المثال ما قاله الشيخ يوسف النبهاني: على رأس هذا الكون نعل محمد.. علت فجميع الخلق تحت ظلاله.. لدى الطور نُودي موسى اخلع، وأحمد.. لدى العرش لم يؤمر بخلع ِنعاله.. ويقصد من هذه الأبيات أن الله سبحانه وتعالى قد أمر سيدنا موسى عليه السلام بخلعِ نعليه في الوادي المقدس، فقال تعالى "فاخلع نعليك"، أما سيدنا محمد في الإسراء والمعراج اخترق السبع سماوات ولم يؤمر بخلع نِعاله.

أهم الكتب المختصة بعلم الفضائل: الأحاديث المنتقاة في فضائل رسول الله / للسيد عبد الله الغماري. جواهر البحار في فضائل النبي المختار / للشيخ يوسف النبهاني. الفضائل الأحمدية والفواضل المحمدية / للشيخ عون القدومي.

2-22.jpg
جواهر البحار في فضائل النبي المختار وكتاب وسائل الوصول إلى شمائل الرسول

| رابعًا: علم الدلائل: هو العلم المختص بالإرهاصات والبشارات الخاصة بالنبي- صلى الله عليه وسلم- قبل ولادته، والمعجزات الخاصة به- صلى الله عليه وسلم- أثناء حياته، ومن ثم الكرامات الخاصة به- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته.

ومن مثال ذلك: أنه في ليلة ولادته الشريفة- صلى الله عليه وسلم- سقطت شرافات بيت كِسرى، وغاضت بحيرة ساوى، وأُطفِئت نار المجوس. والأمثلة على معجزاته- صلى الله عليه وسلم- كثيرة منها تكثير الماء في يوم الحديبية، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال "ما لكم؟"، قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه، كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت كم كنتم؟ قال لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مئة".

أبرز الكتب في علم الدلائل: دلائل النبوة / للبيهقي. المعجزات الأحمدية / للإمام النورسي. أعلام النبوة / للأصفهاني.


اقرأ أيضًا: الهجرة النبوية: تاريخ أمة ترويه امرأة


| خامسًا: علم السيرة: وهو العلم الذي يبحث في التعرف على حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بدءاً من ولادته إلى يوم وفاته، فيعرض لنا سلسلة من الأحداث التي عاشها النبي- صلى الله عليه وسلم- على مدار ثلاث وستين سنة، ما بين ولادته ثم كفالته وتنشئته وتجاراته وبعثته ومعاهداته وغزواته إلى أن نصل إلى حجة الوداع ووفاته، صلى الله عليه وسلم.

أهم الكتب المختصة التي تعرض لنا سيرة الرسول كاملة مكتوبة: فقه السيرة / للإمام محمد سعيد رمضان البوطي هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي / أ. حنان اللحام. تهذيب سيرة ابن هشام / للمؤرخ عبد السلام هارون. الرحيق المختوم / لصفي الرحمن المباركفوري.

في الختام، مما يجب التذكير به هو الفرق بين الحب والإتباع فالحب إن لم يؤتي ثماره في مواقف حياتنا ومعاملاتنا مع الخلق ومع الخالق فيجب علينا إعادة النظر في حقيقة هذا الحب، إذ لو صدقنا في محبتنا لصدقنا في إتباعنا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ألا ترى أن الإنسان بطبعه عندما يحب أحدهم تغلب عليه صفات محبوبه، ويصبح مطيعًا لأمره ساعيًا لرضاه، مقلدًا لأفعاله وملاحظًا لصفاته ومماثلًا لهيئته، بل وحتى أسلوب كلامه  دون قصد ودون وعي، هذا ما تفعله المحبة وأكثر بكثير.

 هذا حال المحبين فما بالك عندما تتمكّن محبة قدوتنا وخير خلق الله من قلوبنا- صلى الله عليه وسلم- كيف سيكون حالنا بل وكيف سيغدو عالمنا؟ فما أحوجنا في هذا الزمان للتعرّف عليه والاهتداء بهديه والاقتداء به والعيش معه باستحضاره- صلى الله عليه وسلم- في كل حركاتنا وسكناتنا ومواقف حياتنا لكي نحيي سنته في نفوسنا ومنازلنا والمجتمع ككل من حولنا، ولكي تُحيي بدورها ما مات فينا.