بنفسج

فرحة: مشاهد النكبة من فتحة القبو

السبت 17 ديسمبر

فيلم فرحة
فيلم فرحة

إن ما يبقى للأمم ما تقاوم فيه، هو التاريخ، تاريخها المحكي، أو ما يسمى بالمرويات الشفوية، التي نسمعها من أفواه الأجداد والجدات، شهادة مقاتل، أو قصة من حكواتي، أو مشارك في هبة وانتفاضة، أو مهاجر من قريته عقد النكبة إلى لبنان، في جعبة هؤلاء الكثير من الأحداث والمشاهد والصور، تخرج من كونها ذكريات عادية، إذ إنها تكون أرشيفًا مخزنًا، يحافظ على الحكاية، الحكاية الأصلية للبلاد وأهلها الأصليين. جسد هذا كله في فيلم "فرحة" الذي قدم النكبة الفلسطينية في مشاهد قليلة.

ورقة يحتفظ بها الحاج، كوشان، أو عقد، أو مراسلة، هو ما يحفظ تاريخنا ومحكيتنا للعالم أجمع. وإن السكان منذ عهد الحرب يمرون على أحداثهم اليومية، فتقع في أماكن ذاكرتهم، تكوّن فضاء ثالثًا لكل شيء؛ للنقاشات، والحوادث، والمحاصيل، والطرقات، والبيوت، والجيران، للناس، والجغرافية، كل تلك تقبع في أماكن ذاكرتهم الشخصية، وهي أيضًا ذاكرة جمعية للفلسطينيين منذ عهد الاحتلال.

فيلم "فرحة"

فيلم فرحة

مشهد الفيلم التالي، عرس لإحدى صاحباتها، ترتدي الفتيات الفلاحات الأثواب المطرزة، وتغني النساء الاغاني الشعبية الفلسطيينية، ويحنين العروس. تحضر فرحة بنصف فرحتها، ومشاعرها مختلطة، فهي خائفة من موعدها هي الأخرى، والعرسان يطرقون بيت والدها المختار.

ولكن الأب الحاني، يجيئها بورقة صغيرة، يحتضنها ويطمئن قلبها بأن موعدها مع مدرسة المدينة. ولكن فرحتها لم تكتمل فقد قاطعتها اقتحامات سيارات المحتل، وهو يضرب بالقذائف. يهرع الناس، يهرعون بصغارهم والقليل من المتاع، ومفاتيحهم إلى جانب صدورهم.

فرحة وفريدة، طفلتان، تجلسان، بظفيرتين، تتأرجحان، على تلة في فلسطين، في قريتهما التي كانت لهما. فرحة ابنة 14 ربيعًا، أنهت مرحلة الكتاتيب في قريتها، وكانت فتاة نجيبة نبيهة تتمنى لو تنتقل إلى المرحلة التالية في المدرسة في المدينة. وفي الأثناء ذاتها يتقدم لها الخطاب، ولصديقاتها في العمر نفسه.

مشهد الفيلم التالي، عرس لإحدى صاحباتها، ترتدي الفتيات الفلاحات الأثواب المطرزة، وتغني النساء الاغاني الشعبية الفلسطيينية، ويحنين العروس. تحضر فرحة بنصف فرحتها، ومشاعرها مختلطة، فهي خائفة من موعدها هي الأخرى، والعرسان يطرقون بيت والدها المختار.

ولكن الأب الحاني، يجيئها بورقة صغيرة، يحتضنها ويطمئن قلبها بأن موعدها مع مدرسة المدينة. ولكن فرحتها لم تكتمل فقد قاطعتها اقتحامات سيارات المحتل، وهو يضرب بالقذائف. يهرع الناس، يهرعون بصغارهم والقليل من المتاع، ومفاتيحهم إلى جانب صدورهم.

تأتي سيارة لأخذ فرحة للهروب إلى المدينة، تركبها وهي تصرخ، إلى جانبها صديقتها فريدة، ولكن فرحة لم تستطع ترك والدها المختار، وهو كذلك لا يستطيع الخروج، فهو على رأس الفدائيين في القرية.

تستلم أخيرا للنوم، ولكن حبات المطر تنجدها، قامت بحماس إلى الكوة الصغيرة أعلى القبو ومدت يدها، تبللها وتلعقها. في اليوم التالي، تسللت الشمس إليها من تحت الباب وإلى جانب الكوة، تراقب منها العالم الخارجي، وصوت القذائف فوق رأسها، ملخص الحرب تراها من تحت الباب.

يلتقي الأب بابنته، وأي طريقة أحفظ بها ابنتي من المصير المنتظر، إنه حبسها! هذه هي ضمانة حياتها. يأخذها المختار من يدها ويضعها في غرفة المونة، وهي قبو مظلم تحفظ فيه العلائلات الفلسطينية زيتهم ومرصوصهم وأغذيتهم، ويحكم إغلاق الباب بالسلاسل. فرحة مشدوهة مذهولة "يابا خذني معك"، "يابا لا تتركني لحالي". نداء طفلة صغيرة يعلو ويخفت، تسيطر على فرحة مشاعر الخوف والصدمة!

ذهبت فريدة إلى المدينة وظلت هي، وأين! في قبو مظلم تنتظر أباها الذي وعدها بأن يعود قريبًا. تتحسس فرحة القبو وكأنها تدخله لأول مرة، تنام وتقوم، تروح وتجيء، مرتجفة. تشعل قنديلًا وتتناول حبات من الزيتون، ويزداد عشطها مع الوقت، ولا ماء!


اقرأ أيضًا: لا أريد لابني أن يموت وإن كان شهيدًا: عن نساء الانتفاضة الثانية


تستلم أخيرا للنوم، ولكن حبات المطر تنجدها، قامت بحماس إلى الكوة الصغيرة أعلى القبو ومدت يدها، تبللها وتلعقها. في اليوم التالي، تسللت الشمس إليها من تحت الباب وإلى جانب الكوة، تراقب منها العالم الخارجي، وصوت القذائف فوق رأسها، ملخص الحرب تراها من تحت الباب.

شاهدت منها أبو محمد قادمًا وامرأته وهي في المخاض، ساعدها على وضع الطفل، وقطع الحبل السري بالحجر، استبشرت فرحة بهذه المشهد، ولكنه يأبى الاكتمال هو كذلك، إذ تتوقف دورية إلى جانب الدار، وتقتل الزوج وزوجته والعائلة بأكملها على حد سلسلة البيت، أمام ناظري فرحة التي ترقب من تحت الباب. يرمي جنود الاحتلال الطفل الصغير في العراء باكيًا، ويذهبون!

فرحة وفتحة القبو وهذا الطفل، وحدهم! بدأت فرحة بضرب نفسهان بكل قوتها وثقلها، وكل الأدوات في القبو، لكسر الباب، تقضي الليل بطوله، والطفل لا يزال باكيًا. لتتمكن من فتحه عند الصباح، ولكن الطفل كان قد صمت!

تتجه فرحة إلى النهر، وتعود إلى الأرجوحة التي اعتادت على الجلوس عليها وصديقتها فريدة، صامتة متأملة ذاهلة! في هذا الفيلم عرض لمشهد من مشاهد النكبة، بعيني فرحة، تشاهد من فتحة القبو، ومن تحت بابه، مجزرة بشعة واحدة!


اقرأ أيضًا: عائلة بركات الخواجا: دفء العائلة تبدده جرافات الاحتلال


ألفت الفيلم وأخرجته دارين سلام، وشارك في التمثيل كل من: أشرف برهوم، وعلي سليمان، وسميرة الأسير، وفراس طيبة، ومجد عيد، والممثلة اليت لعب دور البطولة كرم طاهر في تجربتها التمثيلية الأولى. الفيلم من إنتاج ديمة عازر وآية جردانة.

ترشح فيلم فرحة في الدورة الـ95 لجوائز الأوسكار للتنافس عن فئة الأفلام الروائية الطويلة الدولية لعام 2023. وكان هذا الترشيح محل استياء الصهاينة، ودول الكيان الإسرائيلي، مطالبة بحذف الفيلم عن منصة نتفلكس. لذلك نرى المؤثرين وقنوات السوشال ميديا تحث الناس على مشاهدة الفليم على منصة نتفلكس وتقييم الفيلم.