بنفسج

وهل يبقى الأثر: التعافي من جروح الماضي

الثلاثاء 15 اغسطس

يقولون إن كل تجربة نعيشها ونخوضها في هذه الحياة ما هي إلا وسيلة ورسول لدرس يجب علينا أن نتعلمه. وأقول: صحيح، ولكنني أتساءل حائرة: وهل يبقى الأثر لكل ما عشناه من تجارب قاسية؟ وهل علينا أن نحمل خوفنا من الألم والفشل عند كل تجربة جديدة نعيشها؟ وكيف لي أن أحمي نفسي من عيش الألم مجددًا؟

تفكرت كثيرًا للإجابة عن تلك الأسئلة التي طالما شغلت تفكيري، وإليك عزيزي القارئ خلاصة ما تبين لي: أعلم أنه في كثير  من الأحيان يصعب علينا معرفة الحكمة وراء الأحداث والأشياء في حياتنا، وأننا وبطبيعتنا البشرية نحب دومًا الحصول على إجابة فورية وسريعة ومقنعة حتى يهدأ بالنا، ولكن للأسف، ذلك لا يحدث دومًا، إذًا ماذا نفعل؟

الإيمان واليقين بأن الإله الذي خلق هذا الكون ويحكمه، والذي جعلك خليفة له في هذه الأرض لا يمكن له أن يتعمد أذيتك وجرحك عبثًا، حاشاه. وأنه محب لك دومًا ويريد بك الخير والمنفعة حتى لو لم تستطيع أن ترى ذلك فورًا. إذًا علينا أن نكون مؤمنين بقدر الله لنا، وأن نعلم علم اليقين أنه يحبنا ويعمل لصالحنا. "فما خلقنا إلا أنه يحبنا وقد صدق هل يصنع أحد ما يكره".

إذًا، بداية علينا أن نتصالح مع الإله، حيث إن التصالح مع الإله هو جزء من تصالحك مع نفسك وأحداث الماضي، وبالتالي سيساعدك ذلك عن التوقف عن محاسبة الإله، وسؤاله الدائم عن الحكمة وعن السبب، حتى نتيح لأنفسنا النظر للأمور من حولنا ببصيرتنا.


اقرأ أيضًا: هكذا حدثتني نفسي


أحبب نفسك وتقبلها كما هي الآن ولا تكن قاسيًا عليها أبدًا، امنح نفسك الوقت الكافي للتعافي، واصبر، لأن عملية التعافي هي عملية مستمرة تحتاج إلى وقت وجهد مستمرين، وفيها الكثير من الصعود والهبوط، لذلك إياك والاستسلام، تجنب الحديث السلبي مع ذاتك وإطلاق الأحكام عليها، قف أمام المرآة يوميًا وحدّث نفسك بكل حب وذكر نفسك بإيجابيتك، وذكرها أيضًا كم أنك شخص قوي يستطيع التغلب على كل ما يخيفه أو يعيق تقدمه. وتذكر؛ تبدأ عملية التعافي بالوقت التي تحب به نفسك كفاية، حتى تستطيع التخلي عن الألم والسماح له بالرحيل، وبالتالي التحرر منه.

ثم اتبع ذلك بالجلوس مع نفسك، وصارحها، وحاول تقبل الحدث بكل تفاصيله وبكل أخطائك وبكل مشاعرك آن ذاك، ثم بعد ذلك حاول النظر للحدث، وكأن شخصًا آخر أو صديقًا عزيزًا  يرويه عليك، واكتب النتيجة والأفكار والمشاعر التي تراودك آن ذاك، حاول إضافة معنى جديد للحدث.

حاول سؤال نفسك ما يلي، وكن صريحًا مع ذاتك: لماذا لا يمكنني ترك الألم يمضي؟ هل هناك مكاسب ثانوية من التركيز على الألم؟ هل التفكير في الماضي يمنعني من تجربة علاقات ومواقف جديدة؟ هل أتجنب معالجة الألم لأن ذلك يعني مواجهته؟ كيف ستكون حياتي إذا تركت الألم يمضي؟ ماذا سيحدث لو تبنيت دورًا مختلفًا في الموقف؟

أعلم أن الإجابة على تلك الأسئلة ليست بتلك السهولة أبدًا، ولكننا بحاجة ماسة أن نجيب، لأننا وفي بعض الأحيان، للأسف، نجعل الألم جزء من كينونتنا، ونكون قد اعتدنا وربما أدمنا الألم، حيث نعود لا نرى أنفسنا إلا من خلاله. فتذكر أن الألم هو جزء ومحطة من رحلة الحياة الطويلة، ولكنه ليس جزءًا من كينونتك، لذلك لا تتوقف كثيرًا عند تلك المحطة.


اقرأ أيضًا: صنائع المعروف: صوتك الذي لن يندثر


تحمل مسؤولية ما حدث لك بالماضي ومسؤولية شفائك، ولا أعني بذلك أن تبدأ بلوم نفسك وجلدها أبدًا، فليس هذا ما يعنيه تحمل المسؤولية، وإنما تحمل مسؤولية الطاقة التي تهدرها على الحدث الذي لم يعد في حاضرك، وإنما أصبح جزء من ماضيك، مسؤولية تركيز انتباهك ومشاعرك في مكان آخر، تحمل مسؤولية المكان الذي سوف تضع فيه عقلك وقلبك.

لا تجعل عملية التعافي خاصتك متوقفة على اعتذار، أو حتى طلب مسامحة من شخص آخر، ربما تريد ذلك ولكنك لا تحتاجه صدقًا. ثم اتبع ذلك بالسماح لمشاعرك وأفكارك بالظهور إلى السطح ولا تكبتها، ويكون ذلك بالتعبير عن مشاعرك وأفكارك بالطرق الصحية التي تناسبك، ربما بالكتابة أو بالفن أو بمحادثة صديق جيد، أو حتى الذهاب إلى معالج النفسي، لأن ذلك سيساعدك بوضع حد للأفكار والمشاعر السلبية غير المرغوب بها.

امنح نفسك حق تجربة الأشياء من جديد. أحط نفسك بالأشخاص الجيدين الداعمين لك ولرحلة شفائك، احرص على مشاركتهم أفكارك ومشاعرك، لأنه من المهم الحصول على الدعم من الأشخاص المقربين لك أثناء رحلة التعافي خاصتك.

أبدأ بالانخراط بالنشاطات والتجارب الجديدة، أي حاول الخروج من منطقة الراحة. أعلم أنك غالبًا لا تود فعل ذلك لأسباب كثيرة أهمها الخوف، ولكن حاول فعلها، لا تعش أسيرًا للخوف، وامنح نفسك حق تجربة الأشياء من جديد. أحط نفسك بالأشخاص الجيدين الداعمين لك ولرحلة شفاءك، احرص على مشاركتهم أفكارك ومشاعرك، لأنه من المهم الحصول على الدعم من الأشخاص المقربين لك أثناء رحلة التعافي خاصتك.

ومن المهم أيضًا أن تبدأ بثقيف نفسك بالقراءة وبالندوات الثقافية والعلمية والنفسية، سيساعدك ذلك حتمًا بالخروج من حالتك الحالية، وسيزيد من وعيك حول تجربتك، وسيساعدك أيضا بتطوير نفسك وجعلك نسخة أفضل مما أنت عليه. فيتوجب عليك التركيز خلال عملية التعافي على تطوير نفسك وتحسينها، والتركيز على الأمور التي تقع داخل دائرة سيطرتك.

يبقى الأثر ليذكرنا كم من القوة نحمل بداخلنا، وليذكرنا أننا ومهما قست علينا الظروف، باستطاعتنا يومًا أن نعود ضاحكين محبين للحياة، سيعلمك ذلك الأثر رحمة الرحمن لعباده ولطفه، ستعلم حينها أن ذلك الأثر جاء ليحميك مما هو أشد ألمًا.

وبنهاية حديثي دعني أجيب على السؤال الرئيس: وهل يبقى الأثر؟ نعم، يبقى، ولكن لن يبقى بتلك الصورة التي تتوقعها، حيث ستنظر إلى ذلك الأثر يومًا، وتشكر الإله والظروف التي آلت إلى حدوثه، سيبقى الأثر ليذكرك كم أنك شخص قوي تستطيع التغلب على كل ما اعتقدت يومًا أنه أقوى منك، سيبقى الأثر، وستبقى أنت قوي و سعيد كما تستحق، ستنظر إلى ذلك الأثر يومًا ما شاكرًا نفسك أنك لم تستلم.

يبقى الأثر ليذكرنا كم من القوة نحمل بداخلنا، وليذكرنا أننا ومهما قست علينا الظروف، باستطاعتنا يومًا أن نعود ضاحكين محبين للحياة، سيعلمك ذلك الأثر رحمة الرحمن لعباده ولطفه، ستعلم حينها أن ذلك الأثر جاء ليحميك مما هو أشد ألمًا.


اقرأ أيضًا: للبنيان.. كلمات تبني.. ترمم.. تهدم.. فأيهم أنت؟


و قبل الختام دعني أوضح لك عزيزي القارئ ما يلي :ربما بعد قراءتك المقالة سترى سهولة عملية التعافي، ولكن للأسف، هي ليست بتلك السهولة وكل ما ذكرته سابقًا ما هو إلا طرق ووسائل مساعدة، ولكل وسيلة تعافي  مئة طريقة وربما أكثر للوصول إليها، كل وسيلة تعافي هي رحلة،  فهناك العديد من الطرق للإيمان بالإله، ولكل منا طريقته في الإيمان، وكذلك حب الذات.

 وحتى الإجابة على الأسئلة أعلاه تحتاج مجهودًا وصدقًا مع النفس، إذ عليك البحث عن طريقتك الخاصة، ولكن المهم هنا أن تعلم أن رحلة التعافي تستحق كل دقيقة وكل ذرة مجهود تضعه فيها، إياك والاستسلام. وبالنهاية، آمل أن أكون قد ساهمت ولو بجزء بسيط في وضعك على نقطة البداية في رحلة التشافي الخاصة بك.