بنفسج

مكانة المرأة المسلمة في المجتمع: في البدء كانت امرأة

الأربعاء 01 مارس

مكانة المرأة في الإسلام
مكانة المرأة في الإسلام

لا تقتصر مكانة المرأة في الإسلام على حقيقة كونها جزءًا لا يتجزأ منه، بل تتعدّاه إلى زوايا أخرى ترتبط بدورها الفعال في بنائه وتشييد معالمه والحفاظ على قيمه ومبادئه. انظروا إلى فجر الإسلام؛ في البدء كانت امرأة، أول من حمل مشعل الدعوة: خديجة بنت خويلد. آمنت بالنبي وآزرته وساندته حتى الرمق الأخير.

وعلى الرغم من أن مسألة الإيمان بأفكار جديدة غير مألوفة على مجتمع متمسّك بعادات الآباء ليست بالأمر الهين، لكنّ خديجة كانت السبّاقة إلى نفض غبار الجاهلية، وتقفّي هدي النبي. وكانت تلك الأفكار التي آمنت بها وتبعها عدد لا يحصى من النساء إلى يوم القيامة انتصارًا لهنّ، كالثورة تندلع فتحرق كلّ يابس، كولادة جديدة تمنح المرأة المسلمة مكانةً لم تُحصّلها من قبل.

مكانة المرأة المسلمة في المجتمع: المرأةُ مجرّدة عن المسميات

مكانة المرأة في الإسلام

ثمّ إنّ هذه المكانة التي منحها لها الإسلام مرتبطة قبل كلّ شيء بكينونتها كامرأة، بعيدًا عن كل الأدوار والمسمّيات. هي شريكة للرجل في المسؤوليات بصفتها امرأة "النساء شقائق الرجال" [1] ومساوية له في الثواب والعقاب بصفتها امرأة "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)" [2]

وحين بايع النسوة النبي على الإسلام في العقبة الأولى كان القرار لهنّ وحدهن، دون وصية زوج أو أب. وكانت البيعة إقرارًا لحقوقهنّ السياسية بمفهوم مجتمعنا الحديث. وحين شعرن بضرورة طلب العلم والتفقه في الدين لم يمنعهنّ شيء من أن يرسلن إلى النبيّ مرسالًا تقول: "ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما فنأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله" [3] فخصّص لهنّ يومًا.


اقرأ أيضًا: في سير وتراجم النساء: بعض ما أوردته حضارتنا "1"


أمّا أسماء الصحابيات ومن خلفهنّ فقد وردتنا كما هي، مجرّدة عن كل الإضافات. لم تُعرف واحدة بأمّ فلان أو زوج فلان إلا في إطار توثيق المعلومة التاريخية. الكلّ يروي عن حفصة، وعائشة، ونسيبة، ورفيدة، وسمية والربيع وأسماء، والكلّ يخلدّ ذكراهنّ دون أدنى حرج، ويصدح بمكانتهنّ.

مكانة المرأة المسلمة: المرأةُ أمّا وزوجة وحبيبة

مكانة المرأة في الإسلام

 

في الحديث المرويّ عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع في منامه صوت قارئ يقرأ في الجنة، فإذا به حارثة بن النعمان، فقال النبي: "كذلك البرّ، كذلك البرّ" وكان حارثة -رضي الله عنه- أبرّ الناس بأمه. وهذه المكانة من أعظم الأشياء التي حازتها المرأة في الإسلام، أن تكون بابًا لدخول الجنة.

لكنّ المنزلة وحدها لا تكفي ما لم تتوجّ بوعي الأم بمسؤولياتها اتجاه أبنائها ودورها في غرس القيم في نفوسهم، وتربيتهم على النّهج القويم. أن تعلمهم معاني الكفاح، والصدق، والصبر، وكيف يقفون دون رأيهم في الحياة مجاهدين. هذه أسماء بنت أبي بكر، امرأة بألف رجل، تعرف جيدًا ماذا ربّت، يأتيها خبر مقتل ابنها عبد الله فتنظر إلى الحجاج بكلّ ثقة وتقول: "والله لقد قتلته صوامًا قوامًا برًّا بوالديه، حافظًا لهذا الدين، ولئن أفسدت عليه دنياه لقد أفسد عليك آخرتك".

مكانة المرأة في الإسلام

وهذه أم سفيان الثوريّ، لا يهنأ لها بال حتى يطلب ابنها العلم ويصبح من علماء المسلمين، لكنها لا تغفل أبدًا على جزئية أن يكون علمًا نافعا، هي التي تعلم أن النبي كان يتعوذ من العلم الذي لا ينفع. تقول له: "يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي؛ يا بني إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة، فإن لم ترَ ذلك فاعلم أنه لا ينفعك".

وفي ظلّ علمنة الأسرة، وضرب القيم المجتمعية، باتت الأمومة أشبه بالمسبّة، وصارت السبيل نحو قلة الإنجازات واللاجدوى من العيش. يقول علي عزت بيجوفيتش: «إنّ الإسلام لا يحط من قدر المرأة، ولكنكم أنتم تحطون من قدر الأم». وجاء هذا الحطّ من أهمية دور الأم كنتيجة من نتائج النداء إلى تحريرها. لكنّه ليس تحريرًا بقدر ما هو تجريدٌ من الفطرة.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة كزوجة تتجسد في أنّ الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة. تعين زوجها في المسير، وتحمل عنه نوائب الدهر. لا تكون هي والزمان عليه، بل تكون عونًا على الزمان معه. عندما تولى عمر بن عبد العزيز خلافة المسلمين، كان يعلم ثقل هذه المهمة على كاهله، لم يكن يهنأ للمال كسابقيه، ولم يكن مقبلًا على الدنيا.


اقرأ أيضًا: مشكلات للإنسان والحضارة: كيف نظر بن نبي لمشكلات المرأة؟


وحين رأى جواهرًا نفيسة عند زوجته فاطمة بنت عبد الملك، أهداها لها والدها، قال: "اختاري إما أن تردي حلّيك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك"، فأجابت: "لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه". وبعد موته وتولّي يزيد الخليفة، خيّرها في أن يرده إليها فقالت: "لا أطيب به نفسًا في حياته وأرجع فيه بعد موته" وفاءً وحبًّا.

ثمّ من لا يدهش لقصة زينب بنت الحبيب المصطفى مع زوجها أبي العاص بن الربيع؟ ومن لا يعجب بحبها له ووفائها؟ تعلم بأن زوجها مع الأسرى بعد غزوة بدر، فتفديه بقلادة خديجة: "إني أجرت أبا العاص بن الربيع"، تصرخ أمام الجميع، لا يهمها شيء سوى أن يكون زوجها بخير، ولو لم يكن معها.

مكانة المرأة المسلمة: المرأة عالمة ومعلمة

مكانة المرأة في الإسلام

كان أصحاب النبي الأكابر رضوان الله عليهم يسألون السيدة عائشة في مختلف الأحكام كما ورد عن السيوطي، مما يدل على مكانة المرأة المسلمة كعالمة ومتعلمة. حق خاص بها، كفله لها الشرع بموجب كتاب المولى وسنة الحبيب، فبأي حقّ يتعدى المتحدثون باسم الدين عليه؟

ثمّ إن التاريخ الإسلامي يزخر بنساء حملن مشعل العلم والتعليم. كانت فاطمة بنت عياش البغدادية من أعلم نساء زمانها، تتلمذت على يد شيخ الإسلام ابن تيمية ولقبت بفاضلة الزمان. يقول عنها ابن كثير: "كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتفعل من ذلك ما لا يقدر عليه الرجال".


اقرأ أيضًا: نساء من الأندلس: إسلام وحضارة تحتضن المرأة


أما عائشة الباعونية فقد حملت متاعها وسافرت مع ابنها إلى القاهرة من دمشق لتطلب العلم هناك. واخترعت مريم الأسطرلابي في بلاط سيف الدولة الاسطرلاب الفلكي، وكانت أول امرأة يساعد اختراعها على تطوير أنظمة ال GPS، وغير هذه النماذج كثير طبعا. الواقع أنّ مكانة المرأة في الإسلام محفوظة بكل المعايير، وعلى مختلف المستويات، وأنّ دورها لا يقتصر على جانب واحد فقط، ولو عظم قدر هذا الجانب وعلت منزلته، وأنّها جزء من كلّ لها ما لها من الحقوق، وعليها ما عليها من الواجبات.


| هوامش:

[1] رواه أبو داود

[2] النحل

[3] رواه البخاري