بنفسج

" يوسف شهيداً" .. تبيض العين ويربط الله على القلب

الأربعاء 17 مايو

"سبل عيونو ومد إيديو تا احنيلوا .. غزال صغير وبالمنديل يليفولو .."، كم مرة غنّت أم يوسف هذه الأغنية لوحيدها يوسف وهو في المهد، تهدهد له بين ذراعيها التي أمسكت به جيدًا لفته بحنان، حتى كأنها تريد أن تعيده لجوفها لتخبئه من غدر الزمان ، أغمض يوسف عينيه وأكملت أمه الأغنية، وفي خيالها شابًا وسيمًا يزف عريسًا بين أهله وأصحابه ، كبر يوسف يومًا بعد يوم، ولم تبارح هذه الأمنية خيال أمه، ولكن رصاصة غادرة اغتالت الأحلام والأمان والفرح ويوسف! في هذا المقال ستروي لما السيدة رجاء حثناوي، من قرية برقين قضاء جنين، قصة استشهاد ابنها الوحيد بعمر 13 عامًا برصاص الاحتلال قبل عامين.

رفيق العمر ومسك الختام

كان الشهيد يوسف لأم يوسف أكثر من ولدها الغالي، فتقول: "جاءني يوسف بعد انتظار كبير، كان لدي من البنات أربعة، ولكن لطالما وددت أن يكون لي صبيًا، يكّن لي ولإخواته سند يحمل اسم أبوه ويحمل أبوه اسمه، فجاءنا بعد انتظار طويل، كان بلسمًا لكل البيت من أي هم حل به وانفراجة لكل ضيق، كبر ونحن نخاف عليه من نسمة الهواء".
 
كبر الطفل يوسف ولم يعد بمقدور أمه أن تخبِئه في حضنها كلما خافت عليه، وأن تردع ذلك الفتى الجريء عن خطواته، فقد شغف يوسف رغم صغر سنه مقارنة بأقرانه حب الوطن، فكان لا يترك مضمارًا في مواجهة مع العدو إلا خاضه بأنامله الصغيرة حاملًا الحجارة، سلاحه الوحيد الذي استطاع حيازته لمقاومة الاحتلال الذي اقتحم قريته ووطنه الصغير برقين.

إذا ما سألت الأم عن ولدها ماذا يعني لها؟ ستقول لك الكلمة الفلسطينية المعهودة "الضنا غالي"، جملة من كلمتين، ولكن تحمل في طياتها حبًا وخوفًا وعاطفة وودًا وطمانينة ومشاعرَ عظيمة كثيرة.

كان الشهيد يوسف لأم يوسف أكثر من ولدها الغالي، فتقول: "جاءني يوسف بعد انتظار كبير، كان لدي من البنات أربعة، ولكن لطالما وددت أن يكون لي صبيًا، يكّن لي ولإخواته سند يحمل اسم أبوه ويحمل أبوه اسمه، فجاءنا بعد انتظار طويل، كان بلسمًا لكل البيت من أي هم حل به وانفراجة لكل ضيق، كبر ونحن نخاف عليه من نسمة الهواء، في ما كان هو كالجواد البري لم يسرج بغير الريح، جريء وقوية الشخصية وعنيد، وبجانب ذلك كان حنونًا، وسندًا، وعطوفًا عليّ وعلى إخواته رغم صغر سنه، ولأبيه صديقًا ورفيقًا في بيت يعج بالإناث".

كبر الطفل يوسف ولم يعد بمقدور أمه أن تخبِئه في حضنها كلما خافت عليه، وأن تردع ذلك الفتى الجريء عن خطواته، فقد شغف يوسف رغم صغر سنه مقارنة بأقرانه حب الوطن، فكان لا يترك مضمارًا في مواجهة مع العدو إلا خاضه بأنامله الصغيرة حاملًا الحجارة، سلاحه الوحيد الذي استطاع حيازته لمقاومة الاحتلال الذي اقتحم قريته ووطنه الصغير برقين.


اقرأ أيضًا: تهاني العويوي : الأسر ليس غصة قابلة للاعتياد


 تقول السيدة رجاء: "كنا نتجادل معه كثيرًا، ونحاول منعه بشكل دائم عن الخروج للمواجهات مع الاحتلال، لأننا نعلم أن الاحتلال لا يميز الصغير من الكبير، كنا قليلًا ما ننجح في ردعه بالإكراه، وهو كثيرًا ما ينجح في تحقيق مراده".

ظل حال يوسف مع أهله بين كرّ وفرّ حتى جاء اليوم الموعود، الذي لطالما تخوف قلب أم يوسف منه، فتقول: "يومها منعته بكل ما أستطيع من الخروج، ولكنه تحجج بأنه بحاجة لشاحن هاتفه المحمول، وهكذا حتى خرج وأغلق الباب بالمفتاح حتى لا نستطيع اللحاق به ".

ظل يوسف يقاوم الاحتلال من الساعة الثانية بعد منتصف الليل حتى السادسة صباحًا، في ذلك الوقت كان هناك شاب يحمل عبوة مصنعة محليًا فتصاوب حاملها، فأخذها يوسف ورماها عليهم من نقطة الصفر، وتصاوب منهم جنود حسب إعلام العدو واستشهد يوسف وسرق جثمانه.

عن وصول الخبر لأهل يوسف تقول والدته: "تلقينا الخبر بالتدريج، فالاحتلال حاول تعذيبنا حتى اللحظة الأخيرة، فظل يماطل في تسليم الخبر الحقيقي للارتباط، ففي البداية قالوا أنه مصابًا، وظل قلبي يغلي بين الحقيقة والأوهام حتى جاء الخبر في المساء أنه قضى شهيدًا".

هدهدة لم تكتمل ووداع مؤجل

بعض الأشياء ترمز إلى الفرح والاستقرار، ولكن في فلسطين يحتمل أن تحمل وجهًا آخرَ ترمز فيه إلى الحزن والرحيل، هكذا هي الحناء الفلسطينية وأغانيها التي لطالما غنتها أم يوسف لابنها وهو في المهد، واليوم أغمض يوسف عينيه شهيدًا يزف إلى الجنان، دون حتى أن يتسنى لأم يوسف أن تخضب له كفيه وتكلله بالورد.

تقول أم يوسف عن مرارة الرحيل وحيدها: "لم أتمالك نفسي بعد سماع الخبر كنت خارج دائرة الوعي، دخلت في حالة انهيار وعشت على المهدئات مدة أسبوعين، لم أحتمل خبر فقدانه الذي زاد ألمه بعدم ضمه وتوديعه، ألم مركب لا يمكن وصفه أو احتماله على أم فقدت وحيدها وسندها وروحها".

بعض الأشياء ترمز إلى الفرح والاستقرار، ولكن في فلسطين يحتمل أن تحمل وجهًا آخرَ ترمز فيه إلى الحزن والرحيل، هكذا هي الحناء الفلسطينية وأغانيها التي لطالما غنتها أم يوسف لابنها وهو في المهد، واليوم أغمض يوسف عينيه شهيدًا يزف إلى الجنان، دون حتى أن يتسنى لأم يوسف أن تخضب له كفيه وتكلله بالورد.

تقول أم يوسف عن مرارة الرحيل وحيدها: "لم أتمالك نفسي بعد سماع الخبر كنت خارج دائرة الوعي، دخلت في حالة انهيار وعشت على المهدئات مدة أسبوعين، لم أحتمل خبر فقدانه الذي زاد ألمه بعدم ضمه وتوديعه، ألم مركب لا يمكن وصفه أو احتماله على أم فقدت وحيدها وسندها وروحها".

بالصبر والإيمان بدأت أم يوسف تسترجع صحتها شيئًا فشيئًا، مذكرة نفسها بأن يوسف نال مطلبه، فتقول: "منذ عام وهو يتمنى الشهادة ويسألني أن أدعو له بالشهادة، وهذا ما أخفف به عن نفسي وهو ما يقويني، ولكن خلف كل قوة ألم وجرح لا يتوقف يومًا عن النزف".

كالجسد الواحد

 
 
من المعزيين الذين زاروا أم يوسف ووقفوا بجانبها في محنتها أمهات وزوجات لشهداء، في حينها لم تكن السيدة رجاء في وعي تام لكل من يزورها، ولكن طبطبتهم عليها كانت مختلفة ولها أثر على المدى البعيد.
 
 تقول السيدة رجاء: "بعد استشهاد يوسف بفترة كان هناك وقفة للمطالبة باسترجاع الجثامين المحتجزة، ذهبت برفقة زوجي، ولم تمر نصف ساعة على الوقفة حتى انهرت، ولم أستطع إكمال الوقفة في تلك اللحظة، جاءت ذات النسوة اللواتي وقفن معي في العزاء من أمهات الشهداء وزوجاتهم وخففن عني، لا أنسى وقفتهن معي ودعمهن لي، كان كلامهن كالبلسم، خفف عني كثيرًا".
من المعزيين الذين زاروا أم يوسف ووقفوا بجانبها في محنتها أمهات وزوجات لشهداء، في حينها لم تكن السيدة رجاء في وعي تام لكل من يزورها، ولكن طبطبتهم عليها كانت مختلفة ولها أثر على المدى البعيد.
تقول السيدة رجاء: "بعد استشهاد يوسف بفترة كان هناك وقفة للمطالبة باسترجاع الجثامين المحتجزة، ذهبت برفقة زوجي، ولم تمر نصف ساعة على الوقفة حتى انهرت، ولم أستطع إكمال الوقفة في تلك اللحظة، جاءت ذات النسوة اللواتي وقفن معي في العزاء من أمهات الشهداء وزوجاتهم وخففن عني، لا أنسى وقفتهن معي ودعمهن لي، كان كلامهن كالبلسم، خفف عني كثيرًا".

اقرأ أيضًا: بيسان وصفي قبها: زهرة "نصير الأسرى" وغرسه


بعد ذلك وفي خيمة تخص الشهداء، التقت أم يوسف بأمهات الشهداء مرة أخرى، وعرضن عليها الذهاب معهن في حينها لزيارة إحدى أمهات الشهداء في عزاء ولدها، تقول السيدة رجاء: "يومها انهرت باكية في المكان، وعندما علمت أم الشهيد أني فقدت وحيدي في سن مبكرة، جاءت أم الشهيد التي ذهبنا لعزائها واحتضنتني وخففت عني بنفسها، رغم أنه أنا من كان يجدر بي التخفيف عنها، وبعد ذلك بت أذهب معهن "رابطة أمهات شهداء جنين" بانتظام، أخفف الألم وأمسح على الجرح، فوجود شخص عاش ذات التجربة هو الأفضل مهما جاء لزيارتك من معزين".

ختامًا، بصوتها الشجي وقلبها المكلوم ابتلعت أم يوسف الغصة، وقالت: "هو هذا حال نساء فلسطين، يفقدن ما يفقدن من أزواج وأولاد وإخوة وأحباب، ويبقين منارة للعطاء ورمز للقوة والتضحية والصبر، بجرح ينزف ويد تطبطب وتخفف".