بنفسج

قصتي.. آيات شريدة

الثلاثاء 07 مارس

مسكت يد بابا لأول مرة بعد أسره، بلمسة سريعة وضعت فيها حرمان السنوات واشتياقي الذي لا يتوقف، لم يفتحوا النافذة الزجاجية التي تفصلنا لي، بل لطفل في عمر العامين ليلمس والده عن قرب، فاستغليت الفرصة وأمسكت بيد والدي وقبلتها وكانت هذه اللمسة زادي لطوال 19 عامًا،  وودت لو يتوقف الزمن عند تلك اللحظة، كنت طفلة لكني كنت أعرف وأفهم مرارة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، توالت الأعوام والزيارات بعد ذلك لكني لم أحتضنه أبدًا، عمر كامل لم أقبل يداه في صباح العيد، أشتاق لتلك اللحظة التي سأبكي بها بين أحضانه.

مسكت يد بابا لأول مرة بعد أسره، بلمسة سريعة وضعت فيها حرمان السنوات واشتياقي الذي لا يتوقف، لم يفتحوا النافذة الزجاجية التي تفصلنا لي، بل لطفل في عمر العامين ليلمس والده عن قرب، فاستغليت الفرصة وأمسكت بيد والدي وقبلتها وكانت هذه اللمسة زادي لطوال 19 عامًا،  وودت لو يتوقف الزمن عند تلك اللحظة، كنت طفلة لكني كنت أعرف وأفهم مرارة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، توالت الأعوام والزيارات بعد ذلك لكني لم أحتضنه أبدًا، عمر كامل لم أقبل يداه في صباح العيد، أشتاق لتلك اللحظة التي سأبكي بها بين أحضانه.

أنا أيات شريدة والدي الأسير يحيى حافظ شريدة ٥٣ عامًا، اعتقل في ١٤١١٢٠٠٣ قبل عيد الفطر بقرابة ١٠ أيام، والدي كان مطاردًا لفترة طويلة، ليلة اعتقاله كان قد جاء ليطمئن علينا خلسة ثم ذهب ليطمئن على عمتي، قبل أذان الفجر، طوق جنود الاحتلال منزلنا وأخذوا يفتشونه بحثًا عنه وبعد ساعات قليلة أحضروه إلى البيت مكبلًا ثم أخذوه معهم، كنت في التاسعة من عمري حينها.

عندما كان والدي مطاردًا، كنا نذهب لرؤيته في أماكن إقامته المؤقتة، وكان يستغل هذه اللقاءات بأن يسمع لي ولأختي الأصغر ما حفظناه من القرآن الكريم ويعطينا سورًا جديدة للحفظ.

في الزيارات يسألني عن ظروف الزيارة وعن مدى صعوبة الطريق؛ الزيارة التي أثرت في كانت في سجن ريمون، وقد كتبت عنها قصة (لقاء في ريمون) وتفاجئت بأن والدي أيضًا كتب عنها (زيارة في سجن ريمون)، كانت زيارة بعد رفض أمني لي استمر ثلاث سنوات.

في مرة ما حدثني أبي عن احتفائه بحبة جوافة وصلته وأصدقاءه الأسرى بعد ست سنوات وكيف اقتسموها وتلذذوا برائحتها، أعتقد بأن أكثر ما يحبه أبي من الطعام أصبح كل ما حرم من تناوله في السجن. أنا لم أنجب بعد، ودائمًا أبي يزودني بالأمل حين يساورني القلق بهذا الأمر ويخبرني بأنني حاضرة في دعائه يوميًا، لديه من أخواتي خمسة أحفاد يسأل عنهم بشوق دائم، يطلب صورهم ويخبرنا باستمرار أن نشتري لهم الهدايا باسمه.

مواقف كثيرة هزتني من الداخل، والموقف الذي لا أنساه حين خرجت أختي من غرفة العمليات بعد استئصال المرارة، وكانت لا تزال تحت تأثير المخدر حينما تحدث معها حماها (والد زوجها) تفاجأت، وأخذت تبكي وتقول: يابا كنك روحت!

لأخبركم قليلًا عن والدتي (الأم وظل الأب) لك أن تتخيلي ما واجهته في رحلة تنشئة ستة أطفال، في ظل ظروف صعبة على كافة الأصعدة! في كل مناسبة كان غياب والدي فيها يشكل جرحًا، كان وجودها واهتمامها هو البلسم لهذا الجرح، أمي كغيرها من زوجات الأسرى هي فارسة الظل والمحارب المجهول في قصص الأسر.

والدي رجل يتسم بالإصرار والأمل وهما أكثر ما يميزان شخصيته، والدي يحب الحياة ولم ينجح السجن في قتل روحه المبتهجة، انشغل في حفظ القرآن وتثبيته وكتب عدة روايات (آيات وحكايات من وحي الواقع، رياحين بين مفاصل الصخر، شياطين على هيئة بشر)، وله كتاب "قواعد الكتابة والإملاء"، الذي خطرت له فكرة إعداده لما لاحظ الضعف في هذا الجانب عند بعض الأسرى، بداية قدم لهم دورات تدريبية، ثم حاول أن يجمع المعلومات بأسلوب بسيط وسهل في كتابه بحيث يستطيع أي شخص ضعيف المستوى أن يستفيد منه بلا تعقيد.

 لم تكن مهمة إعداد وطباعة الكتاب بالهينة، كان يتصل كلما راودته فكرة ويبحث ويسأل أهل الاختصاص، ويغتنم فرصه بالتواصل معنا بطريقة ما ليلقننا المعلومات التي جمعها في قصاصات. أما عن حالة والدي الصحية فهي سيئة، حيث يعاني من أزمة صدرية، وما يزيد الأمر سوءًا هو الاكتظاظ الكبير في أقسام الأسرى، كما أنه يعاني من آلام في عينيه وضعف في الرؤية.

أخيرًا، أود القول أننا ككل عائلات الأسرى نتخيل لحظة اللقاء خارج أسوار سجون الاحتلال، ونرتب التجهيزات في مخيلتنا حتى يأتي وقت اللقاء، أسأل الله الفرج القريب لأبي ولكل الأسرى