بنفسج

نظرة عن قرب.. كيف تبدو حياتنا نحن الكبار؟

الأحد 14 مايو

 أحيانًا أُظهر أني أفهم معضلة الحزن في هذه الحياة، أتوقف عن ضرب قدمي بالأرض وأبتلع حقيقة أن الحزن من صفات هذا العالم وهذه الدنيا، هكذا يقوم الميزان لا فرح أبدي، ولا فرح شامل يشمل الجميع، لا بد من الحزن لتكتمل المعادلة، تتوقف الطفلة عن دبدبة أقدامها في الأرض وتبتلع ما فهمه عقلها، لكن في مرات أخرى كثيرة تُسكت عقلها وتعود لدبدبة قدمها على الأرض مرة أخرى.  

أقرأ لرضوى عاشور؛ عن أم ندى، بطلتها، المرأة الفرنسية التي لم تذكر اسمها الحقيقي إلا في فصول روايتها الأخيرة، بشكل عابر. تحكي رضوى عاشور على لسان "ندى" شخصية روايتها، عن أمها-أم ندى- الفرنسية التي انتظرت أباها الصعيدي خمس سنوات ليخرج من حبسه، لكنه بعد خروجه بوقت ينفصلا، لأنه اكتشف وقتها فقط أنه لا يستطيع التفاهم معها. أتعاطف مع الأم وأتخيل كم بذلت من جهد لتظهر أمام ابنتها بهذا الثبات طوال سنوات غياب أبيها.

قرأت الرواية ذاتها مرتين في عام واحد قبل 8 سنوات مثلًا، أحببتها وشعرت بقربها لقلبي، لكن وأنا أعيد قراءتها اليوم أشفقت على أم ندى، في كل مرة تحكي عنها من منظور الابنة، أتعاطف مع الأم وأقول: هي تحكي الآن بلسان الابنة، كانت ترى القشرة الخارجية ولا تعرف ما يدور من معارك تخوضها هذه المرأة مع نفسها ومع الحياة؛ تخاف، تتوتر، تحزن، تشعر بالوحدة، بالخذلان، باحتياجها لمن يخفف عنها، يأخذ بيدها ويحتوي هذا الشعور البارد بالوحدة.

حتى الكبار لا يعرفون بشكل قاطع ما الذي عليهم فعله ومتى، كل شيء هنا مليء بالاحتمالات التي لا يمكن حصرها، نفكر ونعيد التفكير خوفًا من ارتكاب الأخطاء، نخطئ فنلوم أنفسنا، نغرق في شبر ماء كالسابق، لكننا حين نكبر، يكبر شبر مائنا -الذي نغرق فيه -معنا. أحيانًا أقول لنفسي إن الاعتراف بالخطأ أقصر طريق للراحة، أعتذر للأولاد عن خطأ ارتكبته، أو أعبر عن حيرتي أو حزني وأقول لنفسي "لست مطالبة بالظهور أمامهم دائمًا بمظهر بطولي، لا مشكلة إن تخففت قليلًا".

بالأمس لم أفتح روايتاي، كما كنت أفعل في الأيام السابقة؛ أفتح لأقرأ من الرواية الأولى فصلًا ومن الثانية فصل، ثم أغلق جهازي، لم يكن قلبي بالأمس قادرًا على حمل أثقال أخرى. اكتفى بثقله الخاص، في هكذا أيام لا يتسع قلبي لمعرفة شيء عن أحزان أشخاص يعيشون بعيدًا أو عاشوا في زمان آخر.

 أحيانًا أُظهر أني أفهم معضلة الحزن في هذه الحياة، أتوقف عن ضرب قدمي بالأرض وأبتلع حقيقة أن الحزن من صفات هذا العالم وهذه الدنيا، هكذا يقوم الميزان لا فرح أبدي، ولا فرح شامل يشمل الجميع، لا بد من الحزن لتكتمل المعادلة، تتوقف الطفلة عن دبدبة أقدامها في الأرض وتبتلع ما فهمه عقلها، لكن في مرات أخرى كثيرة تُسكت عقلها وتعود لدبدبة قدمها على الأرض مرة أخرى.

أعود مرة أخرى لأتأمل كيف للتجارب الإنسانية أن تتشابه ولو كانت لأناس يعيشون في مشرق الأرض ومغربها لا يهتم أحدهم بوجود الآخر في هذا العالم وحتى في عصر الإنترنت والعوامة، وقبل أن يصبح العالم قرية صغيرة، يمكننا أن نقول لا يعرف أحدهم وجود الآخر في هذا العالم. 

يمكن أن تجرد أي تجربة إنسانية من كل متغيرات وتفاصيل القصة لتجد المشاعر هي نفسها، يمكن من هنا أن يتعاطف الإنسان مع آخر يختلف عنه تمامًا في كل شيء شكلًا ومضمونًا، يمكنك حينها أن ترى كل هذه لاختلافات مجرد تفاصيل تختبئ وراءها التجربة الشعورية ذاتها، من نفس المنطلق يمكنك أن تتوقف عن الشعور بالتميز.