بنفسج

لماذا نريد لأطفالنا أن يُشبهوا غيرهم؟

الخميس 11 يونيو

في هذه الحياة التي وجدنا أنفسنا قُد خلقنا في متاعها وكبدها وظِلها وقسوتها، خُلق في قلبي إيمانٌ واحد، وهو "أن الله صنعني لأكون أنا، وصنع الجميع ليكونوا "هم"، وعلى هذا المبدأ أعيش، أؤمن أن الحياة لم تُسّوِّ سُبلها لأحد، إذن، سأسقط فيها لأتعلم، وسأُخطئ فيها لأغفر، وهكذا فقط سأُشكّل عالمي، حينها سأحيا حيوات أخرى فوق حياتي، ما الجمال في أن أعيش في كنف تجارب الآخرين جاهزة، "إياكِ أن تفعلي ذلك"، "ابتعدي عن هذا الأمر"، "لا تُحاولي فهذه نتيجته محسومة"، سواء على صعيد حياتي الشخصي أو المهني أو أي أمرٍ آخر.

هذا الأمر يُشبه كثيرًا ذاك الشعور الذي يغمرك حينما تنجحين في صنع كيكة منزلية، ستحتفي سعادةً، وستشعرين بجمال طعمها، شيء في داخلك سيقول لك "أحسنت صنعًا، لقد نجحت"، وهكذا الحياة بالنسبة لي كُلما صنعتُ شيئًا بنفسي، أعيش أكثر، نعم سأخطئ، لكنني لن أندم على أمرٍ عشتُ قراره بنفسي، سأصوّب مرات، لكن في النهاية سأعيش بالهدف الذي خلقني الله له أن أكون "أنا".

حينما رزقني الله بطفلتي الصغيرة "يُمنى"، انهالت عليّ خلاصة تجارب الجميع، "لا تعوديّها، دعيها، ووو"، وحينما بلغت العامين، تغيرت النصائح "كيف تسيطرين عليها، كيف تتحملينها، كيف تُعاقبينها، وكيف وكيف؟!، أنا فعليًا لا أتذّمر من هذا السيل من التوجيهات، لكنني أُيقن ألّا أحد يُشبه الآخر، ولا يمكننا جعل الجميع مُتشابهًا، أو على الأقل يُشبهنا أنا وأنت حين كُنا صغارًا.

 | ليست أمر هين

دورنا نحن الأمهات يتجلى في بذلنا أكبر قدر ممكن من اتساع صدورنا وقلوبنا لهم، ومحاولة فهمهم بشكل عميق، في الدخول إلى عالمهم والتقرب إليهم، في اكتشاف مميزاتٍ كل واحدٍ منهم على حدة.
 
في ضبط زاوية نظرنا للحياة من الزاوية ذاتها التي ينظرون إليها بأعينهم الطفولية، حينها ستختلف حياتنا. الأمومة ليست بالأمر الهيّن، تحتاجُ منا للكثير من السعي والمحاولة والقراءة.

الحل الذي تتوصل إليه إحداهن مع طفلها في موقفٍ ما، لا ينبغي بالضرورة أن يُجدي نفعًا مع طفلتي، فالله لم يخلق أحدًا نسخة طبق الأصل عن غيره، ومن الطبيعي أن تنجحي مع طفلك في أمرٍ ما، لكن هذا لا يعني أن كُل ما تفعلينه مع صغيرك هو قابل للتعميم، فلكلِ طفلٍ قلبه، وظروفه، وبيئته التي لا تتشابه مع غيره. كُل طفلٍ له صفاته التي تختلف عن غيره، لا يمكن أن نختصر كُل الاختلافات لنجبر صغارنا أن يتماثلوا في تفاصيل حياتهم، طفلك لا يُشبه أحدًا ولا حتى أشقاءه، ولا ينبغي عليك أن تجعليه نموذجًا مصغرًا عنك أو شبيهًا لأحدٍ من أصدقائه، أو حتى للنسخة التي تريدينها.

دورنا نحن الأمهات يتجلى في بذلنا أكبر قدر ممكن من اتساع صدورنا وقلوبنا لهم، ومحاولة فهمهم بشكل عميق، في الدخول إلى عالمهم والتقرب إليهم، في اكتشاف مميزاتٍ كل واحدٍ منهم على حدة، في ضبط زاوية نظرنا للحياة من الزاوية ذاتها التي ينظرون إليها بأعينهم الطفولية، حينها ستختلف حياتنا، وهذا الأمر كفيل لأن يختصر على الأمهات أشواطًا من المعاناة التي يخلُصن فيها بكثيرٍ من الأحيان إلى  نتيجة واحدة وهي أن "لا حل نافع مع مشكلة طفلي"، ولربما يكمن الحل بك، لو فكرتِ فقط أن تجّربي طريقةً أخرى، حتمًا ستحصلين على نتيجة مختلفة، كُل شيء قابل للتغيير حينما يصحبه صبر ورغبة في فعل ذلك.

ولأخبرك عزيزتي بأمرٍ صغير أنتِ تعرفينه جيدًا، الأمومة ليست بالأمر الهيّن، تحتاجُ منا للكثير من السعي والمحاولة والقراءة، أجل، هي أمرٌ ممتع للغاية ويلبي نداء مشاعرنا بشكل جميل، لكنُه أيضًا أمرٌ متُعب للغاية، يحتاج للكثير من طاقة الأمهات، وهذا أمرٌ طبيعي تجاه نعمةٍ رُزقنا بها، وهذه هي الطريقة الوحيدة لشكر الله عليها. كثيرات هُن الأمهات اللواتي يمتلئن بمشاعر العجز والقهر حينما يُقلبن صفحات التواصل الاجتماعي، فيجدن نماذج الأمهات المثاليات، اللواتي يبتسم صغارهن في كلِ صورة، تفاصيل جميلة، أساليب التربية الحديثة، وأنماط التغذية الصحية، وغيرها الكثير، فيغرقن في وحل تأنيب الضمير واتهام أنفسهن بالتقصير.

لا تجعلي هذه النماذج تدفعك للتفكير بأنك أمٌ سيئة ومقصرة، جميعنا نسعى لأمرٍ واحد، أن نجعل من أطفالنا أشخاصًا جيدين، كُلنا نسعى، ونكدّ، ونتعب، من أجل إسعادهم رغم اختلاف ظروفنا المعيشية، والاقتصادية، والسياسية. كُل ما عليك فعله، أن تقدري جهدك جيدًا، واعلمي ألّا أحد بإمكانه تقدير جهدك كتقديرك أنت له، لا تُنقصي من قيمة عطائك، فقط حاولي أن تأخذي ما يُفيدك وما هو مناسبٌ لك فقط، لا تُحاولي أن تُشبهي غيرك في كل شيء، فمهما فعلتِ لن تُصبحي هي، ولن تصبح هي أنتِ، وما هو مناسبٌ لها ليس بالضرورة أن يناسبك.

ولا يمكن لأحد أن ينصب نفسه كمُحكم لمثالية حياة الآخرين من تعاستها، حتى يعيش جميع تفاصيلها، وهذا ما لا يمكن حدوثه، إذن، فلننشغل بالعيش مع أطفالنا، بدلًا من العيش مع تفاصيل الآخرين.

واعلمي أنّ خلف كُل صورة تكمن الكثير من التفاصيل، محاولات حثيثة، ولحظاتٌ صعبة تمر فيها الأمهات، وأوقات من الكدر والهم التي تجتاحهم في كثيرٍ من الأحيان، لكنهم يسعون كما أنتِ، ولا يمكن لأحد أن ينصب نفسه كمُحكم لمثالية حياة الآخرين من تعاستها، حتى يعيش جميع تفاصيلها، وهذا ما لا يمكن حدوثه، إذن، فلننشغل بالعيش مع أطفالنا، بدلًا من العيش مع تفاصيل الآخرين.

لكن، أعود لأتفق معكن جميعًا على أمرٍ واحد، أن المبدأ الذي يجب أن نُربي به أبناءنا هو مبدأ الحب والاحتواء والاهتمام، فيما بعد ذلك هي تفاصيل ملكٌ للأمهات، كُل تراها بعينها، المهم ألّا نقص أجنحة أطفالنا ليصبحوا على الهيئة التي نريدها نحن، نحنُ مكلفون بالعمل، لكننا لسنا مُكلفين بالنتائج، ولا مثالية في عالم الأمومة، ولتتذكرن أن خيرَ معينٍ على التربية هي الاستعانة بالله دائمًا وأبدًا، وإصلاح أنفسنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.