بنفسج

قصتي.. بيان جمال

الثلاثاء 16 مايو

كان يأخذنا معه في كل مهرجان يحدث في المدينة، فأتمسك به جيدًا وأنا فرحة، وأفتخر بأنني ابنة جمال أبو الهيجا. أذكر جيدًا الرجل الحنون الذي كان يطهو لنا الطعام ويقوم بأعمال المنزل وقت مرض والدتي، كل هذه الذكريات الصغيرة كانت زادي وأملي خلال التسعة عشر عامًا الماضية، اعتقل والدي وأنا في الأول الثانوي، لم يستطع أن يفرح بنجاحتنا كباقي آباء العالم بسبب أسره، ولكنه كان حاضرًا في قلوبنا في كل مناسبة، نتخيل ضحكته وكلماته الحنونة على أمل اللقاء به قريبًا.

كان يأخذنا معه في كل مهرجان يحدث في المدينة، فأتمسك به جيدًا وأنا فرحة، وأفتخر بأنني ابنة جمال أبو الهيجا. أذكر جيدًا الرجل الحنون الذي كان يطهو لنا الطعام ويقوم بأعمال المنزل وقت مرض والدتي، كل هذه الذكريات الصغيرة كانت زادي وأملي خلال التسعة عشر عامًا الماضية، اعتقل والدي وأنا في الأول الثانوي، لم يستطع أن يفرح بنجاحتنا كباقي آباء العالم بسبب أسره، ولكنه كان حاضرًا في قلوبنا في كل مناسبة، نتخيل ضحكته وكلماته الحنونة على أمل اللقاء به قريبًا.

كان أبًا عظيمًا يشجعنا على الالتزام في دورات المساجد والانضمام للعب الرياضة، زرناه طوال فترة اعتقاله في تسعة عشر عامًا خمس زيارات فقط كان يسأل عن أحفاده وتحصيلهم العلمي وكيف يقضون أوقاتهم، ويحثنا على استغلال أوقاتنا وتربية أولادنا بالنهج السليم، كما يسأل عن أخبار الأهل والجيران ويرسل السلام للجميع.

بابا يعاني من بتر يده اليسرى بعد إصابته في اشتباك مع الاحتلال، وبعد الأسر يعاني من مرض جلدي إثر الرطوبة العالية وعدم تعرضه للشمس، كما أن نظره تدهور في السجن وأصبح ضعيفا للغاية بسبب ضيف المسافة في الزنازين. قبل اعتقال عام 2002 كان مطاردًا، وهو دائم الاعتقال على فترات، فكنا نستغل فترات الإفراج عنه ونقدس كل لحظة معه، فكان يحدثنا عن ذكرياته في الغربة ومواقفه مع والدتي، وعن الوطن والآمال.

لم ننعم خلال السنوات الماضية بزيارة هانئة، فأكثر من 8 سنوات وهو معزول، وحين سُمح لنا بالزيارة كنا نعود لبيوتنا دون رؤيته بحجة أنه معاقب وليس له زيارة. مضايقات الاحتلال لم تقف عند هذا الحد بل امتدت لمداهمات للمنزل وحرقه مرة، وقصفه بصاورخين ونحن بداخله مرة أخرى، إضافة لمنعنا من السفر والدخول للأقصى.

أعود لأحدثكم عن الحنون المنظم النشيط المحب للقراءة ومطالعة البرامج السياسية والعلمية، وعن لحظة اعتقاله، حين اعتقل كان أكبرنا عبد السلام في الصف الحادي عشر معتقلًا عند الاحتلال، تم اقتحام المخيم طائرات ودبابات ومحاصرة حارة كاملة في المخيم وتفتيش المنازل وإخراج سكانها وتفتيشهم والتحقيق معهم إلى أن تم العثور عليه وعلى إسلام جرار في أحد المنازل عصر ذلك اليوم، فكان من أطول الايام وأصعبها.

وفي عام ٢٠٠٣ اعتقلت والدتي ليلة عيد الأضحى مع أنه تم اعتقالنا كلنا وقضينا فترات متفاوتة في السجن، إلا أنه اعتقال الوالدة كان قاسيًا جدا علينا، ومرضها بالفترة الأخيرة بدخولها المشفى عشر شهور للعلاج كان من أصعب الأيام علينا في غياب الوالد.

أما عن القشة التي قسمت ظهورنا كان استشهاد أخي حمزة وهو أصغر الشباب بالمنزل ورقمه 5 بيننا، كان شابًا شجاعًا منذ طفولته، يروض الخيل ويشارك بالسباقات، وأول بطولة في جنين كانت من نصيبه وسجلت باسمه بعد استشهاده، ذاق مرارة السجن قبل الاستشهاد لمدة خمس شهور، لم نكن نعرف أن حمزة يشتبك مع الاحتلال في مخيمنا إلا بعد استشهاد صديقه نافع في منزلنا، حين اعتقل والدي كان حمزة طفلًا، فلم يره أبي في شبابه، إنه يذكر حمزة الطفل فقط. فلعنة الله على من حرمه رؤية أطفاله وهم يكبرون أمام عينيه.

مررنا بحياة مريرة مليئة بالفراق والأحزان، ولكن ننتظر أن يعود الوالد لأحضاننا لنكحل أعيننا برؤيته ولمسه عن قرب دون حواجز، حين تحرره سنكبر حتى يسمعنا كل أهل الأرض، سنتشبث بأحضانه بقوة، فاللهم فرحة ولقاء قريب.