بنفسج

الحياة اختيارات.. وأنا اخترت ربة منزل

الثلاثاء 16 مايو

لم أتخيل يومًا أن أعمل في السنوات الأولى للأمومة، وأقصد بالعمل، العمل أو الدراسة بدوام كامل، حيث تخرجين صباحًا ولا تعودين إلا مسًاء، ويتكلف غيرك، أيًا كان مربية أم عائلة ام حضانة برعاية أولادك، ولا أقصد أي نوع من العمل أو الدراسة ممن تستطيعين مزاولتها وأنت في غالب الوقت قربهم تمارسين مهمتك كأم بشكل طبيعي. هذا النموذج لم أستسغه يومًا، ولم أحلم به، وأعرف أنه خيار صعب على كل أم.

الكثير من الناس الذين يعرفون أو يتعرفون على مسارك المهني، الكثير من الزملاء، والأصدقاء والمعارف، يتعجبون حين يرونك قد استبدلت كل هذا بمهمة ربة بيت بعد الزواج والإنجاب. في الحقيقة، وعلى المستوى الشخصي، وبالقدر ذاته الذي عشقت فيه دراستي وعملي، وبنفس الشخصية التي كانت تجد وتثابر وتدرس وتعمل، وتختار ربما مسالك لا يجرؤ الكثيرين على اقتحامها.

 بالقدر ذاته، لم أتخيل يومًا أن أعمل في السنوات الأولى للأمومة، وأقصد بالعمل، العمل أو الدراسة بدوام كامل، حيث تخرجين صباحًا ولا تعودين إلا مسًاء، ويتكلف غيرك، أيًا كان مربية أم عائلة ام حضانة برعاية أولادك، ولا أقصد أي نوع من العمل أو الدراسة ممن تستطيعين مزاولتها وأنت في غالب الوقت قربهم تمارسين مهمتك كأم بشكل طبيعي.

هذا النموذج لم أستسغه يومًا، ولم أحلم به، وأعرف أنه خيار صعب على كل أم، وأن الكثير من الأمهات ربما يحلمن بالبقاء قرب أولادهن في سنوات الطفولة الأولى، وربما لا يجدن لذلك سبيلًا؛ فالتخلي عن العمل- ولو مؤقتًا - رفاهية لا يستطعن تحقيقها، ليس هذا المنشور بغرض التنظير عليهن، بقدر ما هو مساحة للحديث عن بعض اختياراتنا في الحياة، كنساء وأمهات، تتعارض أدوارهن في مرحلة من مراحل الحياة.

ما أود قوله، أني شخصيًا أستغرب من استغراب الناس من حولي هذا الخيار، أستغرب أنهم وجدوا في هذا الاختيار تعارضًا مع "طموحي" وشخصيتي و"توقعاتهم" عني، أستغرب أنهم لم يتوقعوا أني بطبيعتي وشخصيتي ، لا يمكن أن أوكل أمر أطفالي إلى غيري، خصوصًا لو كان هذا الغير "حضانة" أو "مربية".

 وأزعم أن نسبة النساء المتميزات اللواتي يقدمن على خيار كهذا، أكبر منها لدى فئات أخرى، وشخصيًا، أعرف الكثيرات ممن فضلن البقاء قرب أطفالهن والتضحية بمراكز مرموقة وبفرص كبيرة جدًا، ليقمن بأدوارهن الطبيعية، ولم يكن الأمر لديهن مشكلة ولا عقدة، ولا يشعرن بالأسى تجاهه.

وهذا حالي تمامًا، لم أندم على هذا الخيار، ولو أعيد الزمن لاخترت نفس الأمر دون تردد، بل قل، دون تفكير أصلًا، وإن كانت لي أمنية فهي أن لا أضطر بحال من الأحوال، أن أترك أبنائي في طفولتهم المبكرة لغيري، وذلك للعمل أو لغيره، وأعلم أن حالي "نعمة" تتمناها الكثيرات ولا يستطعنها، فالحمد لله.

هل هذا يعني اني لا أشتكي ولا أستصعب مهمتي. أحمق من يظن ذلك، فرعاية الأطفال والبيت هي من أصعب المهمات على وجه الأرض، وأعتقد أنها لا تقارن بأي مهمة أخرى، خصوصًا في ظل التحقير المجتمعي لها، فأنت في نظرهم مجرد ربة بيت، لا تفعلين شيئًا، لأن الاشياء الوحيدة التي لها قيمة تذكر هي العمل خارج البيت، كأي نموذج رأسمالي لا يقدّر إلا ما كان له دخل واضح وقيمة سوقية.

 فالرعاية والعمل داخل البيت لا شيء يذكر، وأنت مجرد ربة بيت، لكن بمجرد ما تشتغلين خارج البيت تصبح لك "قيمة" سوقية، تستمدين منها وضعك الاجتماعي، حتى لو كان عملك "هو مربية ترعى أبناء الغير" ، حينها فأنت امراة فاعلة في المجتمع" و"نشيطة" و "عاملة"، ليس لأنك مربية تربين الأطفال، بل لأن عملك هذا يمكنك من إثبات قيمة سوقية، ودخل اقتصادي.

في الحقيقة، أرى أن تمكين كل أم من القيام بإمومتها هو الخيار الطبيعي والبديهي لكل أم، وأن العكس، يجب أن يكون خيارًا اضطراريًا، لسبب أو لآخر، تقدره صاحبته حسب ظروفها. هل هذا يعني أن لا تعمل النساء! فأطفالك لن يكونوا بحاجتك حاجة حقيقية مستمرة سوى بضع سنوات معدودة في طفولتهم المبكرة، وبعد ذلك، يستقلون عنك، يذهبون لمدارسهم، وانت تعودين لوظائفك الاخرى بشكل عادي!

كل ما في الأمر أن على المجتمع أن يقدّر الامهات، ليس بعد وصولهن الستين، بالقصائد والاشعار، بل وهن يقمن بأدوارهن، يخفف عليهن، يساعدهن، يقدرهن، يعطيهن مرونة في الاستقالة المؤقتة من العمل، تسهيلات في عطل الأمومة أو العطل بدون راتب، كي يتسنى لهن أن يقمن بأدوارهن بشكل طبيعي وعادي. هذا كل ما في الأمر، ليس أكثر.