بنفسج

عن امرأة امتلكت قلبا ملونا

الجمعة 12 يونيو

أيعقل أن يمتكلك الإنسان قلبًا ملونًا؟ في بعض الأحيان، خاصًة في حال كنا نتحدثُ مجازيًا، أكاد أجزم أن هذه المرأة امتلكت واحدًا، وهذه قصتها.

كم كانت التفاصيل حيًة بوجودك يا "فطوم" إلى أن تداعت كما أوراق الخريف، يقولون: "الكبير في البيت بركة"، والبارحة بالذات أدركت هذا القول، إذ لم ألبث وفتحت باب بيتنا مساءً؛ فشممت شيئًا من نسيمك مسدِلًا رائحته على أثاثِ البيت، تحديدًا في غرفة الاستقبال، حيث كنت تجلسين على مقعدك بمحاذاة التلفاز. لا تقلقي؛ فمساحتك هذه لا تزال محفوظة، لكننا لم نشأ أن نتركها فارغة، فقد وضعنا شتلتين نضرتين، كلما أزهرت تذكرناكِ يا حبيبة.

أذكر عندما كنتِ تحدثينا أنا وأخي خالد كيف حمَلتِنا صغارًا، كبُرنا وأمسكنا بيدكِ كباراً. لا بأس فالحياة مبنية على المشاركة، وما أجملها بمشاركة الضحك معك، والتحدث إليك. في عالمك لم يكن اسمي غيداء، بل كان ياسمين، لا أدري لماذا أحببته أكثر من اسمي الأصلي، لكن الدفء في صوتك فورَ مناداتي به تحيي فيَّ شيئًا لا أملك وصفه.

وماذا أقول عن ابتسامتك هذه؟! تلك السنّ الصغيرة في ثَغْرك الضاحك، هو على الأغلب ما تبقى لديك من أحلام الطفولة. وبالإشارة إلى الطفولة أنت مدينة لي بتفاصيل أكثر عن العربة الصغيرة التي امتلكتها في صغرك، واحتضنتكِ رضيعة.

هذا الوجهُ السموحُ يعود لعمتي الراحلة لجهة أبي، وفي سياٍق آخر، العضو رقم خمسة في عائلتنا النووية؛ فهنالك أمي وأبي، أخي وأنا، وهي. أحببتها لدرجة أنني لم أتخيل أن تغيب عن ناظري يومًا ما. أذهب إلى غرفتها بين الفينة والأخرى لأطمئن عليها، أجدها مسندة رقبتها على الحائط المحاذي لسريرها نائمة، ولسان حال تلفازها يقول: "أريحوني قليلًا". هكذا هم الكِبار يأخذون من وحدتهم صديقًا يؤنسهم.

ما أجمله من صباح ذلك الذي أصحو فيه على صوتك تشربين الحليب، فيسكنني شعوٌر بألوان الصيف. صحيح هل تذكرين كم مرة جلست فيها على عتبة بيتنا؟ تتحدثين والشجر، تطربين السماء بأهازيجَ تراثية تداعب التطريز على صدرك؟

يا إلهي كم أشتاقك، يا إلهي كم بكيت على وسادتي أتخيلك أمامي نتسامر ليلًا، أنا مرهقة أريد أن أنام، وأنت كالعادة في جعبتك الكثير. إذا كانت هذه البساطة، فأنا للبساطة شاكرة. من تجاعيد وجهك، إلى أخمص قدميك التي أنهكها مرض "الروماتيزم"، منذ اللحظة التي أضع فيها رأسي المثقل بالأفكار على رجليكِ، منذ اللحظة التي تلامسين فيها شعري بحنية استثنائية، إلى جملة "الله يرضى عليكِ" تلك التي تسحرني بلكنتها الفلاحيّة الأصيلة.

سبحان من حبّبكِ إلينا، إليك عمتي، إليك يا من كنتِ أقرب إليّ من أي شيئ.