بنفسج

جمان النتشة: حضور فلسطيني في علوم الطب والأعصاب

الجمعة 12 يونيو

جمان يوسف النتشة، فلسطينية الأصل والمنشأ. طبيبة؛ تخرجت من كلية الطب البشري في جامعة القدس. وباحثة؛ حصلت على درجة الدكتوراه في علوم الدماغ والأعصاب من جامعة رتجرز في الولايات المتحدة الأمريكية. وتعمل حاليًا كزميل باحث في الأمراض النفسية والعصبية عند الأطفال في أمريكا، وكعضو هيئة بحثية في المبادرة الفلسطينية لعلوم الأعصاب.

كانت النتشة من المساهمين الأساسيين الذين أنشأووا المبادرة الفلسطينية لعلوم الأعصاب عام ٢٠٠٩ في جامعة القدس - أبو ديس بهدف بناء نواة بحثية لعلوم الأعصاب في فلسطين. تسعى المبادرة إلى تدريب نخبة من الشباب الفلسطينيّ لريادة جيل جديد من أطباء الأعصاب، والأطباء النفسيين، والباحثين في المجالين العصبي والنفسي على مستوى منافس عالميًا.

 
جمان يوسف النتشة، فلسطينية الأصل والمنشأ. طبيبة؛ تخرجت من كلية الطب البشري في جامعة القدس. وباحثة؛ حصلت على درجة الدكتوراه في علوم الدماغ والأعصاب من جامعة رتجرز في الولايات المتحدة الأمريكية.تعمل حاليًا كزميل باحث في الأمراض النفسية والعصبية عند الأطفال في أمريكا.
 
كانت النتشة من المساهمين الأساسيين الذين أنشأووا المبادرة الفلسطينية لعلوم الأعصاب عام ٢٠٠٩ في جامعة القدس - أبو ديس بهدف بناء نواة بحثية لعلوم الأعصاب في فلسطين.

درّبت المبادرة حتى الآن أكثر من ١٠٠ باحثٍ وباحثة، ونشرت ١٢ بحثًا علميًا في مجلات عالمية، وبنت تعاونات بحثية مع جامعات عريقة في أمريكا وأوروبا كجامعة هارفارد، وتي يو برلين في ألمانيا، وسيسا في إيطاليا، وغيرها. رسالة المبادرة لا تنحصر بالارتقاء بالمستوى البحثي في فلسطين، بل تمتدّ كذلك إلى رسالة مجتمعية تسعى إلى رفع مستوى الثقافة المجتمعية بالأمراض النفسية والعصبية وإلى إثراء المحتوى العلمي باللغة العربية الذي نفتقر إليه.

تتوزع المبادرة في ست وحدات تدرس الأمراض العصبية والنفسية كما يلي: وحدة دراسة الوظائف الإدراكية، وحدة الدراسات  الوراثية والجينات، وحدة دراسات جهاز المناعة والدم، وحدة دراسة تطور الدماغ والسلوك عند الأطفال، وحدة دراسات الصحة النفسية للمرأة، وحدة دراسات النماذج الدماغية المحوسبة.

 | جمان نموذج المرأة القوية، والواعية المبادرة

PNI.Team.jpg
جمان برفقة فريق المبادرة الفلسطينية لعلوم الأعصاب

كانت بداية أبحاث جمان متركزة على موضوع الاكتئاب السريريّ، ثم انتقلت إلى دراسة أمراض تطور الدماغ والسلوك عند الأطفال وكذلك الأمراض النفسية لدى المرأة. وتشير جمان إلى أن نتائج أبحاث المبادرة الخاصة بالاكتئاب تشير إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الأشخاص المصابين بالاكتئاب السريري -وليس العرضي- في الضفة الغربية، مما يتوافق بشكل واضح مع معدلات انتشار الاكتئاب المسجلة في الوطن العربي عامة.

أما بالنسبة للمرض ذاته، فتركز في أبحاثها على دراسة الوظائف الإدراكية لدى مرضى الاكتئاب وعلى التأثير السلبي لأدوية مضادات الاكتئاب على هذه الوظائف. حاليًا تتركز أبحاثها في المبادرة وفي عملها في أمريكا على دراسة مشكلة زيادة الحركة ونقص التركيز عن الأطفال، وعلى كيفية اختيارهم لسلوك معين بناءً على تجارب سابقة تعرضوا لها. وبالطبع، فإن الطبيبة تحاول من خلال هذه الدراسات فهم آلية حدوث المرض وتطوير وسائل دوائية وسلوكية لعلاجه.

 | خلق جيل من الطبيبات الباحثات

تعيش جمان في الولايات المتحدة الأمريكية وتدرس في جامعاتها، وهي بذلك تختبر تجربة مختلفة لمرأة فلسطينية مسلمة ومحجبة في الغربة، فكان لها أن تُكسب الأخريات وعيًا بذاتها ولمن حولها، وعليها أن تكون حاضرة كذلك في كل مناحي الحياة التي تعيش فيها.

إذ ترى أن مشكلة وعي المرأة بحقوقها وإدراك المجتمع لدورها مشكلة متأصلة ولها جذور على أصعدة مختلفة. صورة المرأة المسلمة والمرأة العربية لدى الناس في الغرب هي صورة -في أغلب الأحيان- لامرأة مقهورة، ضعيفة، مهزومة، لا صوت لها، ولا حق لها. لهذا فهي تجتهد في عرض صورة مغايرة للمرأة العربية المسلمة في الوسط العلمي وعلى منصات ثقافية في أمريكا وأوروبا. لكنها تبقى محاولات بسيطة؛ إذ إنّ التغيير برأيها يبدأ من المرأة أولًا ومن احتضان مجتمعها لها ثانيًا.

جمان الطبيبة؛ تحمل في قلبها رسالة إنسانية تتعدى كونها طبيبة فقط، فهي تسعى في غربتها وتفوقها في علوم الطب والأعصاب إلى تغيير صورة نمطية عن المرأة العربية في الغرب، فهي كما هي جمان ليست ضعيفة مقهورة دائما، بل  ناجحة بقرارها هي أولا وباحتضان المجتمع لها ثانيا. 

لذلك، ساهمت جمان ومجموعة من زملائها بإنشاء في المبادرة الفلسطينية لعلوم الأعصاب وتخصيص وحدة للمرأة، محورها الأول يهدف لتوفير فرص خاصة بشابات المبادرة تتناسب مع ظروف كل منهنّ. تسعى هذه الوحدة لدعم جيل جديد من الباحثات والطبيبات للمضي قدمًا في أحلامهنّ دون الحاجة للتضحية من أجل الوصول إلى القمة مهنيًا أو أسريًا.

أما المحور الثاني، فتسعى من خلاله إلى خلق وعي جديد بالأمراض النفسية والذهنية التي تصيب النساء والفتيات، وإلى تخفيف الهالة السلبية التي تحيط بالمرضى كأنها وصمة عارٍ على جبينهم. تحاول أن تعرف المرأة بأعراض الأمراض النفسية التي قد تصبيها كالقلق والاضطراب واكتئاب ما بعد الولادة، وأن تشجعها لاستشارة طبيب أو اختصاصي نفسيّ للعلاج، تمامًا كما تتعامل مع أي مرض آخر.

BNS.Program.Graduates.JPG
جمان برفقة دفعتها من خريجي برنامج الدكتوراه في علوم الأعصاب

فالمرأة في العالم بأسره تتعرض لضغوطات شديدة إن اتخذت سبيلا لها، وتحاول جاهدة الموازنة بين أسرتها ومهنتها، وكثيرًا ما تفتقد الدعم فتفشلفي فلسطين تحديدًا، تزداد الصعوبة في مجالنا مرات ومرات. الثقافة المجتمعية ترسم للحياة -عادة- طريقًا زمنيًا يجب اتباعه.

في حال المرأة؛ هذا الطريق يبدأ بالتخرج من الثانوية أو الجامعة، ثم إيجاد الزوج، وإنجاب الأطفال والقيام على رعاية الأسرة، وليس في هذا شيء، لكن المصيبة أن المرأة -غالبًا- يجب أن تلعب دور الزوجة والأم والمربية جميعًا وحدها، ويجب أن تلعب الأدوار نفسها سواء كانت ربة بيت أو كان لها عمل تستيقظ إليه كل صباح وتنشغل به ساعات النهار وتعود متعبة منه تنتظرها الوظيفة الأخرى بكل أبعادها. الفرق فقط أنّها في هذه الحالة يجب أن تنجز ما عليها في وقت قياسي.

أما تحديدًا في مجال العلم، ففرص الأبحاث العلمية والوظائف الطبية في مجتمعنا شحيحة جدًا، ولتأمين فرصة جيدة تحتاج غالبا أن تسافر إلى الخارج أو أن تتنقل بين المدن داخل البلاد، وعلى جميع الأحوال التنقل صعب جدًا على المرأة، فهو إما مذموم أن تتنقل وحدها، وهو إما غير آمن تترصدها فيه حواجز قد يصل وقت الانتظار أمامها ساعات طوال تخلط الليل بالنهار.

 

 |  لسان حال الغربة في جمان

غربة.jpg
صورة من نقاش أطروحة الدكتوراه للطبيبة جمان النتشة

الحديث عن الغربة حديث له شجون؛ خوف وشوق وتأهب! لكنها تجربة أتخذت منها طبيبتنا مدرسة تختبر فيها صبرها وقوتها على مجابهة الرفض والعنصرية، وكذلك التعلم أينما حلّت وارتحلت. إن الغربة في عين جمان تعلم بعين الإنسانية، والإدراك برؤية متسعة، والإيمان المتجرد. في الغربة تحاول أولًا أن تتشبث بكلّ شيء، بكل ذكرى، وكلّ لحظة جميلة، وكل فكرة مغروسة في الصميم. وإن أنجح تجارب الغربة تلك التي يتجرد فيها الإنسان أمام نفسه، فيرى أفكاره بعيدًا عن الذي يألفْ، ويغربل مبادئه بمعزل عن بعض المسميات والثقافات المجتمعية التي التصقت به وربما يفكر لم فيها يومًا، ويفهم بعمق هويته التي هي في أيّ بلاد الله كان.

بالطبع هي ليست تجربة وردية، وفيها ما فيها من الصعوبات التي قد نمضي معها ليال طوال حتى نتجاوزها. تعرضت جمان في الغربة لعدد لا بأس به من المواقف الظالمة لأنها امرأة محجبة، تقول: "صرخ في وجهي رجل يلعنني فقط لأني أقود سيارتي في الشارع، وأعرضت امرأة بوجهها عني مرّة لما سألتها عن اتجاه الطريق الصحيح، وتلقيت كثيرًا نظراتِ اشمئزاز وتعجّب من قطعة القماش التي ألف بها رأسي. وفوق هذا، يتم إفرادي بتفتيش خاص في كل رحلة تقريبًا أسافر بها في الطائرة".

لكنّ المواقف هذه كلها عابرة؛ لا يتم مواجهتها في بيئة العمل. على العكس تمامًا، مرتادو المؤسسات الأكاديمية والطبية أشخاص -في الغالب- منصفون، وتعامُلهم مبنيّ في معظم الأحيان على الاحترام الشديد بين الزملاء، وتقدير الآخر وتقبّله. تقول جمان: "لي الكثير من الأصدقاء في عملي؛ نتناول طعام الغداء معًا في تمام الواحدة في مطبخ المختبر، ونطلب أحيانًا وجبات السوشي، أو نخرج معًا لتناول الطعام الكوريّ اللذيذ!".

 | المنزل: مساحة استكمال العمل واسترجاع النفس

غ25.png

تتشارك جمان وزوجها في مجال أبحاث علوم الأعصاب، وحياتهما الاجتماعية محددة نوعًا ما بطبيعة عملهما بالرغمأنها شخص يحب رفقة الأصدقاء ومجابلة الأصحاب، لكنها كذلك تحب العزلة، ويومها يتخلل ساعات تقضيها مع كتبها وأوراقها. أما حياتها وزوجها فترتكز على التشارك والتكامل، ويحاول كل منهما أن يكون له مساحته الخاصة. "حياة البيت بالنسبة لنا ليست من المهام؛ بل هي مساحة نكمل فيها عملنا، ونسترجع أنفسنا التي كثيرًا ما تضيع في زحام الحياة".

تقدم النتشة بصحبة زوجها د.محمد حرز الله مساق علوم الأعصاب في حياتنا اليومية على منصة إدراك للتعليم الإلكتروني، والذي يسعى إلى عرض علوم الأعصاب في حلة جديدة نركز فيها على مواقف يومية وأمراض شائعة نسمع عنها باستمرار.

لم يكن لجمان حضورًا على مستوى الطبيبة والباحثة وحسب، وإنما استنهضت وعي المرأة الفلسطينية بذاتها، ودعتها لمواجهة كل التحديات والصعاب. كما اتخذت جمان دورًا قياديًا وطليعيًا فأمسكت زمام المبادرة ودعت النساء لتحقيق طموحهن كعاملات في المجال البحثي والعلمي والمجتمعي بشكل عام، وهي مستمرة بهذا الدور حتى الآن، وسيكون لبنفسج وقفات أخرى مع جمان إن شاءالله.