بنفسج

طلبة "التوجيهي" تحت الرصاص

الثلاثاء 20 يونيو

لطالما كان امتحان الثانوية العام مدعاة للتوتر والقلق في الأوضاع الطبيعية، فلكم أن تتخيلوا كيف كان اليوم، فمهما وصفت حاله صعب أن أنقل كيف كان وكيف جرى وكيف انتهى.  خرجنا طلابًا ومعلمين من القاعات بعد نهاية الامتحان، لم يمسك الطلبة كتبهم ليراجعوا الامتحان كالعادة، الكل هرع يمسك هاتفه يتفقد الأخبار، و لسانهم حالهم "يا رب سلّم أهلنا وأحبابنا". في النهاية نتذكر أن الحال مهما ساء بسبب هذا الاحتلال، فإن كل أيامنا ومهامنا ودقائقنا فداء لكل مقاوم شريف.

يقتحم الاحتلال نابلس وطولكرم بشكل شبه يومي، واليوم جنين، غير أنه لا يترك لنفسه أي فرصة ليحدث الدمار والفوضى في حياة الفلسطينين ناشرًا بينهم القلق والخوف، مزعزعًا كل دروب الحياة، مطلقًا رصاصه بعبثية دون أن يفرق بين صغير أو كبير أو معلم أو طالب. لقد كان اقتحام جنين اليوم صعبًا على كل فلسطين سقط فيها الشهداء والجرحى، وتزعز نظام المدينة بشكل كامل، خصوصًا أننا في فترة امتحانات الثانوية العامة.

أتوجه يوميًا إلى مدرسة في إحدى قرى جنين القرية منها، حيث أعمل مراقبة في قاعة لطلبة الثانية العامة الذين يؤدون امتحاناتهم النهائية هذه الأيام. ولكن لم يكن اليوم كسابقه، لقد شهدت أحداث كثيرة في قريتي يعبد، وفي مدينة جنين كوني أعمل فيها خلا الأيام الدراسية معلمة، ولكن اليوم خرجت وقد وضعت روحي على راحتي في سبيل أداء مهنتي، ركبت السيارة إلى جانب زملائي وزميلاتي محاولين بكل ما نستطيع أن نأخذ طرقًا نتفادى من خلالها الاشتباكات والرصاص، ونتجاوز الجيبات العسكرية التي تغلق الطريق حتى وصلنا المدرسة بشق الأنفس، وأقولها الان بحرفيتها وكل ما تحمل من معنى وليس مجازًا.

في باحة المدرسة كان الطلاب كالعادة يتجمعون ذلك يحمل كتابة، ويراجع مادة الامتحان والآخرون مع أصدقائهم وآخرون رفعوا أكفهم راجين التوفيق في الامتحان، ولكن اليوم كل الرؤوس كانت متوجهه للسماء مراقبين الطيارات التي لم أشهدها بهذا القرب من قبل، ناهيك عن الدخان المتصاعد في الأفق من جنين، بعد قصفها بطائرات الاباتشي التي لم نشهدها في سماء الضفة منذ 21 عامًا. 

حاولنا أن نخفف وطأة الأحداث عن الطلاب، ونقنن نقل الأخبار لهم حتى لا نزيد من حدة القلق والتوتر بين أوساطهم، وفي ذات الوقت لم نكن ندري هل هناك امتحان أم لا، فمدير القاعات الذي يحمل الأسئلة لم يصل، وكذلك بقية الزملاء من المعلمين والمعلمات الذين من مدينة جنين. ولكن بعد انتظار طويل وثقيل جاء المدير يحمل الأسئلة مواجهًا ظروفًا أصعب من التي واجهناها في الطريق فكان أعزل إلا من أوراق الامتحانات والرصاص حوله من كل حدب وصوب. 

لم أشهد امتحان بهذه الصعوبة، لطالما كان صوت عقارب الساعة وأزيز الاقلام هو الصوت الأوضح بالنسبة للطلاب، ولكن هذه المرة صوت الانفجارات والرصاص كان الطاغي. كان الطلبة في حالة يرثى لها، ذلك يضع رأسه على الطاولة، وآخر يغلق أذنيه بيديه عله يستطيع ترتيب المعلومات في رأسه وسط هذه الفوضى، وأخرى تكتب بيدين مرتجفتين، وأنا لم أمتلك لهم سوى الدعاء ومحاولة تهدئة نفوسهم قدر المستطاع.

لطالما كان امتحان الثانوية العام مدعاة للتوتر والقلق في الأوضاع الطبيعية، فلكم أن تتخيلوا كيف كان اليوم، فمهما وصفت حاله صعب أن أنقل كيف كان وكيف جرى وكيف انتهى.  خرجنا طلابًا ومعلمين من القاعات بعد نهاية الامتحان، لم يمسك الطلبة كتبهم ليراجعوا الامتحان كالعادة، الكل هرع يمسك هاتفه يتفقد الأخبار، و لسانهم حالهم "يا رب سلّم أهلنا وأحبابنا". في النهاية نتذكر أن الحال مهما ساء بسبب هذا الاحتلال، فإن كل أيامنا ومهامنا ودقائقنا فداء لكل مقاوم شريف.