بنفسج

سليمان أبو طعيمة: التطريز ليس حكرا على النساء

السبت 13 يونيو

بينما كانت سعاد أبو طعيمة (56 عامًا) تمسك بالإبرة والخيوط الحريرية، وتشرع بالتطريز ببراعة على قطعة قماشية بيضاء تحت أشعة الشمس، في فناء منزلها الريفي، كان طفلها سليمان يراقب حركات أنامل أصابعها السريعة، ويمعن النظر في الأشكال الفنية التي سرعان ما تطرزها والدته بخيوطها الملونة.

على مدار الأيام جذبت "مشغولات" سعاد المتقنة والجميلة سليمان؛ ما دفعه للطلب منها أن تمنحه فرصة لمحاولة صنع قطعة بسيطة من المطرزات، إلا أن الأم ردت على طلب صغيرها بضحكة ساخرة، أردفتها بالقول: "ملكاش حيلة على هالشغلة يا ابني، هذا الشغل للنسوان والبنات".

إصرار

سليمان أبو طعيمة (23عامًا) ولد وترعرع في بلدة الفخاري الحدودية ذات الطابع الفلاحي شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة.
 
تعلم مهنتي السباكة والبناء إلا أنه توقف عن العمل جراء الأوضاع الاقتصادية المنهارة، فاتجه لتعزيز هوايته في التطريز والتي أصبحت فيما بعد مهنته الجديدة.

وأمام إصرار سليمان الشديد على تعلم هذا الفن الذي لامس شغاف قلبه، لبّت الأم على مضض طلب صغيرها ومنحته قطعة صغير من القماش وإبرة وبضعة خيوط ملونة، وهنا كانت المفاجأة، عندما أمسك سليمان بالإبرة والخيط، أمسكها بإتقان وبدأ التطريز ببراعة.

سليمان أبو طعيمة (23عامًا) ولد وترعرع في بلدة الفخاري الحدودية ذات الطابع الفلاحي شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، وتعلم مهنتي السباكة والبناء إلا أنه توقف عن العمل جراء الأوضاع الاقتصادية المنهارة، فاتجه لتعزيز هوايته في التطريز والتي أصبحت فيما بعد مهنته الجديدة.

من أين اكتسب سليمان هذه الهواية التي تنحصر في النساء بفلسطين؟ وكيف تمكّن من منافسة صاحباتها؟ ومن التي منحته القوة ليواجه "كلام الناس" ويواصل هوايته التي يحب؟ دعونا نعرف القصة معًا:

|  مهنة ليست حكرًا على النساء

49899834_1259622464194184_2441793795172335616_n.jpg
سليمان يمارس عمله في التطريز

في الثانية عشرة من عمره، بدأ سليمان يحب فن التطريز، بعدما كان يمعن في مراقبة أمه التي تتسلى في هذه المهنة لعدة ساعات، ثمة شعور بالراحة والسعادة كان يغمر قلبه ويحثّه على مواصلة الطلب من والدته تعليمه على إتقان هذا الفن.

يقول سليمان بعدما ارتسمت على وجهه ابتسامة جميلة: "كان الأمر ممتعًا بالنسبة لي، لم أواجه أي صعوبات، ولم أكن أشعر بالساعات الطويلة التي كنت أقضيها وأنا أصنع لوحات مختلفة من المطرزات بالألوان الزاهية والتي تجسد في غالبيتها الرموز الفلسطينية، كالكوفية وعلم فلسطين ومفتاح العودة وحنظلة".

شيئًا فشيئًا، بدأ سليمان يتقن أنواع التطريز، وكافة الخاصة بالتراث الفلسطيني الفلاحي والمدني بأنواعها، وكانت مطرزاته تلقى إعجابًا كبيرًا من قبل كل من يشاهدها، ما دفع العديد من النسوة للطلب منه إعداد بعض المطرزات الخاصة.

وعلى الرغم من شغف سليمان بهذه الهواية إلا أنه اضطر للعزوف عنها لبعض الوقت، تحت سيل من الانتقادات والدعوات التي كان توجه له من بعض الرجال والنساء، بدعوى أنها مهنة خاصة بالنساء والفتيات ولا يليق أن يمارسها شاب.
 
حالة العزوف لم تدم طويلًا إذ إن خطيبة سليمان فريال فسيفس بددتها ومنحته القوة والشجاعية للعودة إلى ممارسته هوايته

"بدأت أطور مشغولاتي، وأصبحت أطرز محافظ النقود والصواني والمفروشات والأساور والمسابح والأحذية، خاصة بعد التحاقي بعدة دورات مختصة، وبدأت بعرضها للبيع عبر صفحة أنشأتها عبر الفيس بوك، حتى أتمكن من توفير مصاريف عائلتي"، يقول سليمان.

سليمان لم يكتف بتعلم هواية التطريز والتي تعد حصرًا على النساء في فلسطين، بل بات مدرّبًا في أحد المراكز لتعليم الفتيات هذا الفن التراثي، وفي الوقت ذاته، لا يخفي سليمان حزنه جراء عدم منحه الفرصة للحاق بإحدى الكليات لدراسة فن تصميم الأزياء أو المشاركة في أي من المعارض التي تقيمها بعض المؤسسات في مدينة غزة لعرض مشغولاته، بدعوى أنها برامج ومعارض خاصة بالنساء.

 |  تطريز في الحب والحرب

"كان الأمر ممتعًا بالنسبة لي، لم أواجه أي صعوبات، ولم أكن أشعر بالساعات الطويلة التي كنت أقضيها وأنا أصنع لوحات مختلفة من المطرزات بالألوان الزاهية والتي تجسد في غالبيتها الرموز الفلسطينية، كالكوفية وعلم فلسطين ومفتاح العودة وحنظلة"
 
" أطرز محافظ النقود والصواني والمفروشات والأساور والمسابح والأحذية، وبدأت بعرضها للبيع عبر صفحة أنشأتها عبر الفيس بوك، حتى أتمكن من توفير مصاريف عائلتي"

وفي العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة عام 2014م، اضطر سليمان وأهله للهروب من منزلهم تحت وقع القذائف "الإسرائيلية"، ولجأوا إلى مدارس الأونروا غرب مدينة خانيونس، وهناك لم تمنع ظروف النزوح والحرب سليمان من مواصلة هوايته، والتفت من حوله الفتيات يتعلمن منه فن التطريز.

وعلى الرغم من شغف سليمان بهذه الهواية إلا أنه اضطر للعزوف عنها لبعض الوقت، تحت سيل من الانتقادات والدعوات التي كان توجه له من بعض الرجال والنساء، بدعوى أنها مهنة خاصة بالنساء والفتيات ولا يليق أن يمارسها شاب.

حالة العزوف لم تدم طويلًا إذ إن خطيبة سليمان فريال فسيفس بددتها ومنحته القوة والشجاعية للعودة إلى ممارسته هوايته، وكانت أول هدية قدمها سليمان لفريال، هي أسورة يد وعقد من الخرز مزينان بألوان علم فلسطين، وقد منحها وعدها بتجهيز العديد من المقتنيات التي تحبها لتزيين منزلهم الجديد.

يشكو سليمان من ضعف الإقبال على شراء منتجاته بسبب ارتفاع تكلفة إعدادها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدًا، والتي يعاني منها سكان قطاع غزة بفعل الانقسام السياسي والحصار "الإسرائيلي" المستمر.

ويأمل سليمان أن تساهم إحدى المؤسسات في تبني موهبته، ودعمه لافتتاح متجر خاص به لعرض مطرزاته، حتى يتمكن من توفير تكاليف زواجه وتجهيز بيته الجديد، والذي سيكون التراث الفلسطيني حاضرًا في كل زاوية من زواياه.