بنفسج

أصل واحد يفصل فيه الحق والباطل

الأحد 10 سبتمبر

إنها لفكرة طفولية أن أشعر أني من الناحية الإنسانية أختلف عن غيري في الدرجة صعودًا أو نزولًا كوني أختلف معه في العرق أو اللون أو القومية أو اللباس والمظهر الخارجي الذي يتنوع بتنوع الثقافات، وما نحن إلا طين هذه الأرض أصلنا واحد وإن اختلفنا، هذه الفكرة غير الناضجة هي الأساس الذي ينطلق منه المرء في النفور من غيره وينعكس ذلك على سلوكه ويتضخم في أحيان كثيرة في اتجاهين فإما العنصرية، أو الذوبان والضعف ونكران الذات.

تتشابك الأمور وتتعقد في العلاقات الإنسانية، وكلما وسع المرء نظرته وفتح أفقه على غيره وجد أن هناك نقاط اتفاق مشتركة حتى مع أكثر الشخصيات اختلافا عنه، فتتوسع علاقاته ويصبح من الصعب على غيره ممن حجب نفسه في لون معين أو ضيق شروطه استيعاب المنطلق المحدد لعلاقاته مع غيره وأسباب اجتماعهم وتآلفهم وانسجامهم.

متشابهون وإن اختلفنا

 

يعتقد البعض أن المرء منا لا يمكن أن يتآلف وينسجم إلا مع من هو مثله في الدين والخلق والمعتقد والعلم والثقافة، وأن هذا التآلف أو الانسجام دليل تماثل بين الأقران، تبدو الأمور للوهلة الأولى منطقية لكن ما إن أمعنا النظر حتى يتبدى لنا أن الواقع يثبت خلاف ذلك، هذا الاعتقاد نابع من جهل بالنفس الإنسانية، ومن الشهوة في إصدار الأحكام وتصنيف الناس، وتوزيع شهادات حسن سيرة، ومن السعي الحثيث وراء الكمال والمثالية.

 

يعتقد البعض أن المرء منا لا يمكن أن يتآلف وينسجم إلا مع من هو مثله في الدين والخلق والمعتقد والعلم والثقافة، وأن هذا التآلف أو الانسجام دليل تماثل بين الأقران، تبدو الأمور للوهلة الأولى منطقية لكن ما إن أمعنا النظر حتى يتبدى لنا أن الواقع يثبت خلاف ذلك، هذا الاعتقاد نابع من جهل بالنفس الإنسانية، ومن الشهوة في إصدار الأحكام وتصنيف الناس، وتوزيع شهادات حسن سيرة، ومن السعي الحثيث وراء الكمال والمثالية.

 إضافة لعلة التعميم والتي يطلق بسببها المرء تصوراته حول الصفات والمعتقدات جملة على عدد من الناس لأسباب تتعلق باجتماعهم أو تآلفهم أو وجود صفات مشتركة لديهم أو حتى لتوافقهم على فكرة محددة دون النظر لما دونها من اختلاف وتضاد، فضلًا عن مشكلة الأحكام المسبقة التي تأتي بناء على تصورات ومقدمات ذهنية خاطئة تستجلب معها نتيجة خاطئة.

ولو كانت المماثلة بالحب أو العلاقات شرطا لما أباح الله تعالى الزواج بالمحصنات من أهل الكتاب مع اختلاف الدين، ولما أحب محمد صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب بإقرار القرآن مع عدم إيمانه بالله تعالى، ولما أحب نبينا أيضا المطعم بن عدي وتذكر له صنيعه وجميله بعد وفاته على كفره.


اقرأ أيضًا: نساء من الأندلس: إسلام وحضارة تحتضن المرأة


نقل ابن حزم في كتابة "نقط العروس" نماذج عن تآلف الأغيار من الناس وتصاحبهم وتصافيهم على ما لديهم من اختلاف فاقع، كمحارب بن دثار أحد أئمة أهل السنة وعمران بن حطان الذي يرى رأي الخوارج فكانا صديقين مخلصين، وسليمان التيمى إمام أهل السنة والفضل الرقاشى إمام المعتزلة كانا أيضا صديقين متصافين إلى أن ماتا، ويفيض الواقع من حولنا بمثل هذه النماذج، فللروح شروط وأحكام تختلف عن التي يقرها العقل، والميل أمر خارج عن نطاق القرار المجرد وحتى التكليف.

هذا لا يعني أنه غير مطلوب من المرء أن يختار لنفسه أحسن الأخلاء وأصلحهم لما لذلك من أثر عليه وعلى أخلاقه ودينه، لكنه يعني أن الإنسان قد ينسجم مع من يختلف عنه إذا مال قلبه إليه أو وجد فيه أمورا تتشوف نفسه إليها، ليس شرطا أن نكون نسخا عن أصدقائنا ورفاقنا، يصلح الأمر رغم الاختلاف، ولا يعني تآلف فلان مع غيره من الناس تماثله معه، وللانسجام أسباب شتى قد يكون بعضها مصلحيا نفعيا وقد يكون الأمر ميلا نفسيا، أو لأسباب تتعلق بطبيعة الشخصيات وتجاذبها أو تركيزها على نقطة معينة مشتركة، وغير ذلك من أسباب.

أحكام العقل تختلف عن أحكام الروح

 

كيف للإنسان أن يتغير ويغير يتأثر ويؤثر لو أنه قطع جسور الصلة مع من يختلف معه لأسباب بسيطة وقد فضل الله بعضنا على بعض كل بما وهبه من ميزات خصه به، وكيف يكون داعيًا إلى الله بالحسنى لو أنه أعلن الحرب والقطيعة مع كل زلة وهنة، وصلى الله على سيدنا المبعوث رحمة للعالمين القائل "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" صحيح البخاري.

التدافع بين الحق والباطل والخطأ والصواب هو الأصل بين الناس، أما الحرب فهي الاستثناء، وهي أمر لا بد منه حال الظلم والاعتداء وإعلان الحرب على الله ورسوله، وقد خلقنا الله تعالى لنتعارف ونتواصل.

 

"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة 8) وهنا يجب علينا أن نميز بين حب الشخص والانسجام معه في ناحية أو نواح عدة وبين الرضا عن معتقده أو سلوكه وأخطائه، لا يميز كثير من الناس أيضا بين أن أكره خطأ فلان وبين أن أكرهه من كل وجه، يريحهم إعلان التبرؤ بالكلية، ولا ترضيهم إلا حالة المفاصلة الكاملة ويحولون كل خطيئة إلى حالة حرب لا بد فيها من إعلان البراءة والقطيعة حتى يكون المرء مواليًا للحق وأهله مرضيًا عنه، وننسى أنفسنا كأن الواحد منا بلا خطايا مستورة وعيوب وخفايا منثورة أوسوءات مكشوفة.

"فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" (النجم 32) آية لا تشمل الحاضر فقط بل المستقبل وما يخبأ لنا فيه، وما خالط النيات من أعمالنا في الماضي، وما فعلناه ونفعله تهاونا مع عظيم إثمه، وما اقترفناه ونسيناه وما غفلنا عنه وتجاهلناه، وما في قلوبنا من أمراض مستورة ومعاص مخفية لا يطلع عليها إلا الله تعالى عالم السر وأخفى.


اقرأ أيضًا: معايير الجمال العربية: الكلُّ جميلٌ في عينِ محبوبه


وكيف للإنسان أن يتغير ويغير يتأثر ويؤثر لو أنه قطع جسور الصلة مع من يختلف معه لأسباب بسيطة وقد فضل الله بعضنا على بعض كل بما وهبه من ميزات خصه به، وكيف يكون داعيًا إلى الله بالحسنى لو أنه أعلن الحرب والقطيعة مع كل زلة وهنة، وصلى الله على سيدنا المبعوث رحمة للعالمين القائل "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" صحيح البخاري.

التدافع بين الحق والباطل والخطأ والصواب هو الأصل بين الناس، أما الحرب فهي الاستثناء، وهي أمر لا بد منه حال الظلم والاعتداء وإعلان الحرب على الله ورسوله، وقد خلقنا الله تعالى لنتعارف ونتواصل وندفع بالحق ليعلو وبالباطل ليزهق، "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات 13).