بنفسج

هل يمكن أن يصبح القمح قاتلًا؟

السبت 13 يونيو

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
حين ولد أحمد ظهرت لديه مشاكل صحية متكررة، كان أبرزها وأكثرها إزعاجًا بالنسبة لي هو الأكزيما، والأكزيما الدهنية التي تتسبب بظهور قشرة الرأس ذات الرائحة الكريهة. كان وجهه دائمًا يبدو متقرحًا، إضافة إلى أجزاء من جسده. وشعره بدا كما لو أنه لم يستحم منذ يوم ولادته، بالرغم من أنه يستحم يوميًا، إضافة إلى التهابات وتسلخات مخيفة في منطقة الرقبة والحفاض. هنا سأحدثكم على ماهية حساسية الطعام، وما هية حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال.
نحن جربنا كل أنواع الكريمات والوصفات الطبية والشعبية والملابس القطنية، لم ينجح شيء في تقليل التقرحات والدم الذي يملأ مخدته وسريره، أصبت باكتئاب مخيف، وصارت الأكزيما وحك الوجه الذي لا يتوقف رعب حياتي الأكبر، وكنت أصرّ في كل مرة نذهب فيها إلى الطبيب أن شيئًا ما غير طبيعي، لكن أحدًا لم يسمعني. في النهاية، تم تشخيص أحمد بأن لديه حساسية قمح وحليب، لم أدرِ يومها ما الذي سيحصل في الغد، كل ما كنت أرغب فيه هو أن أرى وجه أحمد طبيعيًا، أن تخف التقرحات في جسده، وأن تغادره قشرة الرأس المزعجة.
لكن هذا لم يحدث! خفّت حدة الأعراض قليلًا، وكانت تتحسن ببطء شديد، إلى أن اكتشفنا أن حساسية أحمد ليست تجاه الحليب والقمح فقط، كانت حساسيته تمتد للبيض وفول الصويا والمكسرات واللحوم الحمراء والبقوليات والفول السوداني، هذا يعني أن مجموعات الطعام الرئيسة التي يقوم عليها إعداد وجبات الطعام اليومية أصبحت كلها ممنوعة، وهذا يحتم علينا تغيير نظام حياتنا بشكل كامل! في هذا المقال نحاول الإجابة على مجموعة من الأسئلة؛ أولها ما هي حساسية الطعام؟ ما هي أعراض حاسية الطعام؟ وما هو علاج حساسية الطعام؟

ما هي حساسية الطعام؟

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
الجهاز المناعي لدى المصاب بحساسية الطعام يتعامل مع الأطعمة الممنوعة (القمح والحليب والبيض والصويا والمكسرات والبقوليات والفول السوداني ) كما يتعامل مع فيروس أو بكتيريا، بمعنى إنه ما إن يأكل الطفل هذا الطعام، حتى لو كمية قليلة، يبدأ الجهاز المناعي بالتأهب لمواجهة الجسم الغريب (الطعام).
 
ويقوم بإفراز أجسام مضادة لمحاربته، وجود الأجسام المضادة يتسبب في أعراض مرضية متعددة: هضمية أو تنفسية أو جلدية، وكلما أكل الطفل المزيد من هذا الطعام الممنوع، يزيد عدد الأجسام المضادة وتزداد الحالة سوءًا.
 
لست طبيبة، وليس لدي أي ميول لتثقيف نفسي في قضايا صحية، ولكن كل ما بإمكاني قوله، بناء على ما فهمته من قراءتي التثقيفية الاضطرارية لأجل أحمد، أن الجهاز المناعي لدى المصاب بحساسية الطعام.
يتعامل مع الأطعمة الممنوعة (القمح والحليب والبيض والصويا والمكسرات والبقوليات والفول السوداني في حالة أحمد) كما يتعامل مع فيروس أو بكتيريا، بمعنى إنه ما إن يأكل الطفل هذا الطعام، حتى لو كمية قليلة، يبدأ الجهاز المناعي بالتأهب لمواجهة الجسم الغريب (الطعام)، ويقوم بإفراز أجسام مضادة لمحاربته، وجود الأجسام المضادة يتسبب في أعراض مرضية متعددة: هضمية أو تنفسية أو جلدية، وكلما أكل الطفل المزيد من هذا الطعام الممنوع، يزيد عدد الأجسام المضادة وتزداد الحالة سوءًا.
تصيب الحساسية الصغار والكبار، وفي أي مرحلةٍ عمرية، بمعنى أنه يمكن أن تصاب بحساسية الحليب في عمر العشرين أو الثلاثين، رغم أنك كنت تشربه منذ الطفولة. وحساسية الطعام ليست واحدة في أعراضها، يتم تشخيصها وفقًا لطبيعتها. هناك نوع من الحساسية الفورية، فإذا أكل الطفل أيًا من أنواع الطعام الممنوع يصاب بصدمة تحسسية فورية خلال 5 دقائق إلى 4 ساعات من تناوله الطعام، هذه الصدمة تبدأ بصعوبة في التنفس، واحمرار وتنفخ الجلد، وإذا لم يتم إنقاذ الطفل عن طريق إبرة الإنقاذ "epi pen"، يمكن أن يؤدي إلى الاختناق المميت. 

اقرأ أيضًا: اضطراب نهم الطعام: مرض نفسي أم عادات غير صحية؟


هناك حالات أخرى، تكون فيها الأعراض متأخرة تظهر بشكل تراكمي، فقد يتناول الطفل قطعة من الشوكولاتة التي تحتوي الحليب أو أي نوع من المكسرات، وتبدأ الأعراض الهضمية، أو مشاكل التنفس بالظهور بعد يوم أو اثنين، وتستمر لمدة شهر وربما أكثر. النوع الأول الفوري يكون تشخصيه عن طريق التجربة، حين تناول أحمد القمح أول مرة في عمر 11 شهرًا، أصيب بصدمة تحسسية مباشرة خلال عشر دقائق، فقد وعيه، وبالكاد استطعنا الوصول إلى المستشفى وإنقاذه وقت ظهور أعراض حساسية الطعام؛ كان حظنا عظيمًا لأن المستشفى كان يبعد عن البيت سبع دقائق فقط!  بينما شخصت حساسياته الأخرى، مثل: الحليب والصويا عن طريق تحليل الدم أولًا، ثم الجلد.

يُظهر تحليل الدم عدد الأجسام المضادة التي يفرزها الجهاز المناعي كرد فعل على الطعام الذي يجرى الاختبار من أجله، يرى بعض الأطباء أن اختبار الدم ليس دقيقًا تمامًا في حالة الحساسيات المتعددة، لذا، أجرينا اختبار "وخز الجلد"، حيث يحقن الجلد بأنواع الأطعمة وتظهر النتيجة من خلال رد فعل الجلد على هذا الحقن.

 ما هي أعراض حساسية الطعام: مشكلة "لا دين لها"!

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
اختبار "وخز الجلد"
إذا كان يمكن وصف هذه المشكلة وصفًا دقيقًا، فهي مشكلة "لا دين لها"، فحتى الآن هي حالة مرضية غير مفهومة تمامًا؛ فالأسباب التي تؤدي إلى وجود خلل في جهاز المناعة منذ الولادة غير معروفة. البعض يقولون إنها وراثية، لكن في حالتي وحالة 99% من الأمهات اللواتي رأيتهن، لم يكن لحساسية الطعام أي حضور في التاريخ المرضي لعائلة أيٍّ من الأب أو الأم، وكان هذا الطفل هو أول من يصاب بهذا المرض.
البعض يقول إنها بسبب نقص البكتيريا النافعة في جسم الأم، وأنه حين المخاض وعند خروج الرأس من الرحم يبتلع الطفل بعض البكتيريا النافعة التي يفرزها جسد الأم، وفي حال نقص هذه البكتيريا لا يتلقى الطفل أولى صدماته التي تجعل كفاءة جهازه المناعي كما ينبغي، ومن ثم يصاب بالحساسيات. وهناك من يقولون إنها بسبب الحالة العامة للأغذية المصنعة والمعدَّلة وراثيًا التي تزايد إنتاجها في الفترة الأخيرة، وهي التي ضاعفت عدد المصابين بحساسيات الطعام في العالم في العقود الأخيرة.
وقد أشار لي أحد الصيادلة أن تزايد نسبة حساسية الطعام في الخليج عمومًا، يعود للمخلفات النفطية، فقد لاحظوا أن الأطفال في المناطق القريبة من استخراج النفط أكثر عرضة للإصابة بحساسيات الطعام، من تلك التي تبعد عنها، وذلك مع عدم وجود إحصائيات.

 

الحساسية لا دين لها، ليس فقط لأن أسبابها غير معروفة، بل لأن أعراضها غير قطعية إلا في حالة الصدمة المباشرة، مثلا: تتقاطع الأعراض الهضمية (الإسهال والمخاط والقيء) مع النزلات المعوية المتكررة، وتتقاطع الأعراض التنفسية (الصفير وضيق التنفس) مع حساسية الصدر أو الأنف، كما يمكن أن يكون تسلخ الجلد مجرد أكزيما يصاب بها الأطفال في مناطق الرطوبة العالية، لذا، فإن اكتشافها والتعامل معها يتطلب وقتًا.

لكن، ماذا عن الفحوص المخبرية؟ حتى الآن، لا يستطيع أحد أن يجزم بدقة الاختبارات، خاصة اختبارات الدم. نقل لي أحد الأطباء الذين استشرتهم في مسألة أحمد نتائج إحدى التجارب التي أجريت في أمريكا على عينة عشوائية من الأطفال، حيث تم إجراء فحص الدم لحساسية الحليب، أظهرت النتائج أن 60% من هؤلاء الأطفال يعانون من حساسية، بالرغم من أنهم ليسوا كذلك.
والحساسية لا دين لها لأنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على طريقة علاجها، بعض الأطباء يرى أن منع الطعام منعا صارمًا لمدة طويلة يعيد "برمجة" الجهاز المناعي من جديد، خاصة للأطفال صغار السن، فتنتهي مشكلته مع الطعام الممنوع. البعض الآخر يرى إنه، وعلى العكس، يجب تعويد الجهاز المناعي على الطعام وإدخاله بين فترة وأخرى، لأن المنع الصارم لفترات طويلة يسبب تكريسًا للمشكلة. 
وهذا لا يعني أن الحساسية نفسها عبارة عن وَهْم، بل يعني أن اختباراتها غير دقيقة تمامًا، وأن تشخيصها والاقتناع بأنها حساسية بالفعل يتطلب وقتا وجهدًا في ملاحظة الأعراض وتوقيتها، وهل يمكن أن تظهر بعد تناول طعام معين جديد؟ وهل تكررت الأعراض ذاتها مع إدخال الطعام نفسه؟ الإجابة هي، إن اكتشاف الأمر لا يتم إثر تناول طعام لمرة أولى، أو ظهور أعراض بشكل عرضي، لا بد للأمر أن يتكرر حتى يستدعي فحص الحساسية واستدراك الأمر. وستدرك الأم بعد ملاحظة حثيثة ومراقبة لطفلها والتغيرات التي تحصل عليه إثر تناول طعام معين.
والحساسية لا دين لها لأنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على طريقة علاجها، بعض الأطباء يرى أن منع الطعام منعا صارمًا لمدة طويلة يعيد "برمجة" الجهاز المناعي من جديد، خاصة للأطفال صغار السن، فتنتهي مشكلته مع الطعام الممنوع. البعض الآخر يرى إنه، وعلى العكس، يجب تعويد الجهاز المناعي على الطعام وإدخاله بين فترة وأخرى، لأن المنع الصارم لفترات طويلة يسبب تكريسًا للمشكلة. أما التجربة، فهي لا تثبت شيئًا، بعض الأمهات أفادهن المنع الصارم لمدة عام في تحسين الوضع، الأخريات زادت الحساسية لدى أطفالهن، ويبقى سؤالهن: "نمنع ولا نتساهل؟" سؤال عالق بلا إجابة قاطعة، أما إجابات الأطباء القاطعة (وهي إجابات متناقضة أساسًا) تقوم على الاحتمالات فقط!

اقرأ أيضًا: السمنة عند الأطفال: طرق التعامل الأمثل


والحساسية لا دين لها لأن آلية عملها وتأثيرها على الجسم غير مفهومة، بعض الأطفال يتحسنون بعد عام، البعض الآخر بعد عامين، والبعض تبقى معه حساسيته للأطعمة طوال العمر. ولأنها انتقائية تمامًا، مثلًا تقول أم إن ابنتها تحسست من العدس الأصفر ولم تتحسس من العدس البني، والأسوأ أن أحمد قبل شهرين تعرض لصدمة تحسسية خطرة احتاج بسببها إلى نقل عاجل على المستشفى بلا أية أسباب واضحة، يعني لم يتناول أي شيء ممنوع، وأنا متأكدة من ذلك.

 أنتِ وحدكِ في معركة غامضة

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
إنني لا أجد شيئًا يمكنه وصف الصراع اليومي مع إعداد الطعام والخوف منه سوى هذه: "أنتِ في معركة لا يعلم عنها أحد شيئًا". في الحقيقة، فإننا في زمن يقل فيه التضامن والتعاطف.
 
 وكلٌ يعيش منكفئًا على همومه بلا مشاركة، خصوصًا مع مرض غامض، مجهول الأسباب، وحقيقة الأعراض، وطرق العلاج! لذا، فإن أحد أكبر المشاكل هو عدم وجود وعي حولها.

بقدر ما ابتذلت هذه العبارة في الفترة الأخيرة، فإنني لا أجد شيئًا يمكنه وصف الصراع اليومي مع إعداد الطعام والخوف منه سوى هذه: "أنتِ في معركة لا يعلم عنها أحد شيئًا". في الحقيقة، فإننا في زمن يقل فيه التضامن والتعاطف، وكلٌ يعيش منكفئًا على همومه بلا مشاركة، خصوصًا مع مرض غامض، مجهول الأسباب، وحقيقة الأعراض، وطرق العلاج! لذا، فإن أحد أكبر المشاكل هو عدم وجود وعي حولها.

أتذكر في بداية اكتشافنا لموضوع الحساسية، كان الموضوع موضع تندر لبعض الأقرباء، قال لي زوجي إن أحدهم سماه "أبو كرتونة" إشارة لكرتونة الحليب الخاصة به، أنا واثقة أن هذا الشخص لم يقصد التقليل من المشكلة أو الضحك عليها، لكنه لم يفهم ماذا تعني "حساسية الطعام"!يزيد هذا التجاهل لحجم المشكلة الضغط النفسي على الأم، مثلًا، لو حاولتُ مشاركة همي اليومي في إعداد وجبة طعام صحية لأحمد مع أحد، لو حاولت شرح مخاوفي بشأن نقصان العناصر الغذائية التي يفترض أن توفرها الأطعمة الممنوعة، سيتم التعامل معي كما لو أنني أبالغ، وغالبًا سيكون الحوار كالتالي:

- أنا: خايفة عشان الكالسيوم، أحمد ما بيشرب حليب، ونقص القمح طبيعي بيتسبب بهشاشة العظام، وغالبًا نقص القمح بيرافقو بعد فترة مرض السكري. - ترد أخرى: حتى ابني ما بيشرب حليب، وما بياكل والله، بحطله الساندويش بيرجع معه، ما تخافي.

وفي ظل عدم الوعي هذا، تزداد خطورة الأمر، مثلًا بالنسبة لأحمد قضمة قمح واحدة قد تتسبب في اختناقه، وفي عالم مليء بالقمح تشبه الحياة اليومية بالنسبة لي السير في حقل ألغام، وفي أي لحظة سينفجر في وجهي لغم ما لم أنتبه لوجوده.
يعتقد الآخرون أن الحليب هو كأس الحليب، وأن القمح هو رغيف الخبز، في الحقيقة، إن الحليب هو كأس الحليب والسمنة والزبدة والجبنة واللبنة وداخل الكيك والخبز والشوكولاتة والشيبس والعصير والزبادي. وأما القمح، فهو رغيف الخبز والمعكرونة والحلويات والبسكويت والحلاوة الطحينية والشيبس والفرنش فرايز حتى! كيف؟ الغلوتين في كل مكان، فول الصويا الذي لم أسمع باسمه حتى قبل مشكلة أحمد، موجود داخل كل قطعة شوكولاتة على الأغلب، وداخل كل أنواع البسكويت التي نتخيلها ولا نتخيلها.
وفي ظل عدم الوعي هذا، تزداد خطورة الأمر، مثلًا بالنسبة لأحمد قضمة قمح واحدة قد تتسبب في اختناقه، وفي عالم مليء بالقمح تشبه الحياة اليومية بالنسبة لي السير في حقل ألغام، وفي أي لحظة سينفجر في وجهي لغم ما لم أنتبه لوجوده، يعني مثلًا، لو أخذ أحمد قطعة من الخبز التي سقطت أرضًا، لو قبل حبة شوكولاتة من عرضٍ طيب لأحدهم أو إحداهن، سينفجر في وجهي اللغم!

خطورة حساسية القمح

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
إنني أتخيل القمح والفستق والبندق (أسوأ حساسيات أحمد) كعقارب تختبئ في جحر ما، وبينما هو يلعب وأنا مشغولة ستأتي لتختطفه مني. هذا هو وضعي حرفيًا بلا أية مبالغات.
 
لو سقطت قطعة فستق واحدة خطأ على فمه من أي مكان لكانت كفيلة بتعرضه لأقصى مراحل الخطر، وكذلك تفعل قضمة بسكويت واحدة.
يمكن للوالدين بعد فترة من معايشة المشكلة التغلب عليها "كمشكلة طعام" بمعنى أنه يمكن البحث عن البدائل وإعداد قوائم بالبدائل التي تعوض العناصر التي يفقدها الطفل، وإعداد خطة يومية من أجل الخروج بأقل الأضرار، لكن هذا الأمر يحتاج إلى التالي:
| جهد مكلف: جهد ذاتي في البحث في علم التغذية، وهو جهد مكلف، يحتاج لوقت طويل وتركيز، خاصةً إذا لم نستطع التواصل مع أخصائي تغذية جيد، ويؤسفني أن أقول إنني قابلت أطباء مختصين لم يكونوا قادرين على إعطائي معلومات صحيحة!
| تخصيص ميزانية: ميزانية مخصصة لطعام الطفل، لأنها أطعمة غالية الثمن، ثمن قطعة الخبز لطفل حساسية القمح يساوي خمسة إلى عشرة أضعاف ثمن الخبز العادي. عشرة أضعاف بالمعنى الحقيقي لا المجازي.
| منتجات الحساسية: أن تقيم في دولة تتوافر فيها المنتجات الخاصة بأطعمة الحساسيات، وإلا فإن الأمر يمكن أن يزداد سوءاً، فحتى لو توافر المال اللازم للشراء، قد لا تجد المنتجات نفسها، وتضطر لشرائها عبر مواقع معينة، وهذا يزيد التكلفة.

اقرأ أيضًا: السكري عند الأطفال: معضلة تحل بهذه الطرق


هذه الشروط الثلاثة ضرورية للحفاظ على حالة مقبولة من الاستقرار الصحي للطفل. ويمكن اعتبار المشكلة منتهية، لولا الخطر المتمثل في البعد الاجتماعي لفعل تناول الطعام، بمعنى أن الطعام ليس مهمة غريزية يقوم بها الجسم لأنه يحتاجها فقط، إنه نشاط اجتماعي تشاركي، ومن هنا تتجدد الأزمة. ففي كل مكان خارج حدود المنزل المحصن ضد القمح، يمكن أن يوجد قمح، في الشارع، في السيارة، في المحال التجارية، في الحدائق، في الحضانة، في المدرسة، في المستشفى. إنني أتخيل القمح والفستق والبندق (أسوأ حساسيات أحمد) كعقارب تختبئ في جحر ما، وبينما هو يلعب وأنا مشغولة ستأتي لتختطفه مني. هذا هو وضعي حرفيًا بلا أية مبالغات. لو سقطت قطعة فستق واحدة خطأ على فمه من أي مكان لكانت كفيلة بتعرضه لأقصى مراحل الخطر، وكذلك تفعل قضمة بسكويت واحدة.

ما هو علاج حساسية الطعام؟

حساسية القمح الغلوتين عند الأطفال
علاج حساسية الطعام: ما الحل؟ في الحقيقة، في علاج حساسية الطعام نحن بين خيارين أحلاهما مر: الأول أن نحصّن الطفل في المنزل، هذا سيكون خيارًا آمنًا وكفيلًا بأن لا يتعرض لأي من الصدمات التحسّسيّة القاسية، ولكن في هذه الحال قد يشفى مستقبلًا من الحساسية، لكنه -ربما- لن يشفى من آثار العزل الاجتماعي. الخيار الثاني، هو المغامرة. يعني العمل على إدماجه خارج المنزل في الحضانة والمدرسة مع بذل أقصى جهد ممكن للتوعية بحالته، وضمان وجود فرد، واحد على الأقل، يستطيع التعامل مع الصدمة التحسّسيّة في حال حدوثها.
لحسن الحظ، وبسبب شيوع المشكلة جزئيًا في قطر، تعي الحضانات ومؤسسات الأطفال المشكلة وتستطيع التعامل معها، وهو ما ساعدني على اختيار الخيار الثاني. لكن في مصر مثلًا، فإن المستشفيات -أحيانًا- لا تفهم معنى الصدمة التحسّسيّة ولا كيفية التعامل معها، فكيف يكون قرار إرسال الطفل إلى الحضانة؟ لا بد أنه يعتبر مغامرةً كبرى.
حقيقة، يحتاج والدا الأطفال المصابين بحساسية الطعام الوعي بمعنى المشكلة، وربما أن تصنف الأنظمة الصحية في بلداننا العربية المشكلة كمشكلة تحتاج إلى الدعم الصحي (هذا موجود في النظام الصحي في قطر لكنه ليس كذلك في عدة دول أخرى)، لأن الكثير من الأمهات (في دول أخرى) يشتكين من عدم توافر البدائل، أو ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، يجعل الآباء غير قادرين على توفير "أساسيات" الطعام لأبنائهم.
يجب على الوالدين أن يكونا متيقظين لطفلهما دائمًا ومعرفة ما هي أعراض حساسية الطعام، والانتباه عند ظهور أي من أعراض حساسية الطعام، وألا يعرض أحدهم قطعة بسكويت على الطفل دون استئذانهما، وأن يفهم الجميع من حولهم أن هذا المنع هو جزء من حياة صحية سليمة، وأن أي استخفاف تجاه هذا الأمر قد يؤدي إلى نتائج كارثية، يكلّف الوالدين والطفل شهرًا أو أكثر من المعاناة والألم.