بنفسج

غزة تحت القصف: هل باليد حيلة؟

الأربعاء 11 أكتوبر

لطالما كان أصعب شعور يعيشه العرب خارج فلسطين عندما تشتعل الحرب وهم خارجها. الأمر يشبه أن تكون مغتربًا ويمرض والدك فتتابع أخباره من بعيد، أنتم من نفس العائلة، ولكنّك تشعر أنك متخاذل، غير قادر على الوصول إليه.

نحن من العائلة نفسها، فلسطينيون بالمبدأ، وبدلًا من التحسر والقول: "لماذا لم نولد فلسطينيين في الداخل؟"، يجدر بنا أن نجعلَ لولادتنا خارجها معنى، فالقضية قضيتنا جميعًا، والمغترب يظل جزءًا من عائلته تعنيه قضاياها ويتوجع لأوجاعها.

لن أستخدم وصفَ التخاذل مع غير الفلسطينيين، فالجميع متعاطفون ويتمنون لو أنهم هناك الآن، يذوقون نفسَ الكأس كي يحقّ لهم أن يفرحوا بالنصر لأنهم تقاسموا معهم الدّم، لكنْ إذا استحال ذلك لأسباب أصبحت معروفة فليس مستحيلًا أن نكون معهم قلبًا وقالبًا.

كيف ننتصر لأهل غزة؟

طوفان الأقصى
حي الرمال بعد أن دكه الطيران "الإسرائيلي" في اليوم الثالث من أيام حرب طوفان الأقصى

هناك أساليب مباشرة وأخرى غير مباشرة لنصرة قضايانا، المُباشر منها والمتعلّق بالحدث الحالي واللحظة الراهنة يحتّم علينا أن:

- أن نتابع أخبارهم لحظة بلحظة: أن نكون على مستوى الحدث ونشغل أنفسنا بمتابعته ونقلق لأجلهم ونعرف حكاياتهم، حكاية كل بيت يهوي وشهيد يرتقي.

- الإفادة في مجالاتنا الخاصة: يمكننا بعد جمع الأخبار ومتابعتها وأن نقدِّم الفائدة، كلٌّ في مجاله، بالتوثيق والتصميم والكتابة وشد الأزر، بتعريف العالم بالقضية، حتى لو كان يعرفها، فعلينا أن نُصرّ على عدم نسيانها وإعادة الأمور إلى نصابها كلّما اختلت.

-توعية الصغار بالقضية كلًا حسب سنّه: يمكننا إخبار الأطفال الأصغر سنًّا عن أننا كبّدنا العدو خسائر شرّفتنا وبثت الرعب في صفوفه ليشعروا بقوتنا وإمكانية قهر عدوّنا كيلا يبدو أنه عصيّ على الهزيمة، ويمكننا إخبار الأطفال الأكبر سنًا عن شناعة جرائم العدو وأنه من الواجب علينا نصرة إخواننا بكلّ ما نستطيعه.

-تصحيح مفهومنا ومفهوم العالم عن الإنسانية: قد لا تكون متخاذلًا لمجرد أنك ولدت خارج فلسطين، لكنك تصبح كذلك عندما تفقد بوصلتك الصحيحة وتستخدم مسميات خاطئة مميّعة للحقيقة، فليس هناك ما يُسمى "طرفا النزاع" إلا عند الجهات والقنوات الإعلامية التي لا تنتمي إلينا بشكل من الأشكال.

وليس هناك ما يُسمى مدنيًا صهيونيًا، وكل إسرائيلي مجند. ومن المرفوض تمامًا التعاطف الأعمى مع المرأة لمجرّد كونها مرأة وغضّ النظر عن أنها جندية.

-الدعم المالي والنفسي: إذا كنت ممن يستطيعون التبرع المادي والمعنوي فهذا أوانك، وأنا على يقين أنّ هذا النوع من الخير لا ينقطع في أمتنا.

-الدعاء والتضرّع: وهل نملك في الحقيقة غير الدعاء والتضرّع إلى الله ليل نهار بأن يحميهم وينصرهم، ويمكّننا من نصرتهم ويغفر لنا تقصيرنا؟الدعاء الصادق المُرفَق بالعمل والسعي هو أعظم سلاح نمتلكه لأنّ أعدادًا كثيرة منا قد لا تعرف ماذا تقدّم، وقد تعجز عن تقديم شيء ولكن لا عجز في الدعاء، فلنرفع أكفّنا ونسأل الله النصر والمعيّة.

-الدعم غير المباشر لأهلنا في فلسطين: بما أن قضيتنا لا تتعلق بحدث واحد ولا بحرب واحدة وبما أنها قضية متعلقة بأجيال وجذور وتاريخ، فالنصرة الأعمّ والأشمل لا تكون الآن فقط، بل هي النصرة التي تستمر إلى ما بعد الحرب. أمتنا الإسلامية أمة واحدة، كل فرد فيها مَعنيّ بقضاياها، ومن الخطأ قصر القضايا على الحروب والانتفاضة في حينها ثم الانصراف كلٌّ إلى أخطائه وحياته العبثية من جديد. رسالتك الحياتية ككلّ، مواقفك الإنسانية كاملةً، مبادئك التي لا تتجزأ، قضاؤك على مشكلاتك النفسية، تنميتك لشخصيتك، إنجازاتك ونجاحك في صعيدك الخاص، بناؤك لأسرة مسلمة سوية، الحرص على اتزانك وأفكارك.

سياسية الأرض المحروقة: بنك أهداف الاحتلال 

صورة 3.jpg

إن الاحتلال يمارس التنكيل على أهلنا دون تمييز بين شيخ وطفل وامرأة أو حتى دمية! الدمية الدب تقع ضمن بنك أهداف جيش الاحتلال، وبعض المهزوزين ما يزالون يتساءلون عن صحة هذا الأمر أو ذاك، ويشغلون أنفسهم بمعايير الصواب والخطأ رغم أنه معروف جدًا. في النهاية، مَن الذي يتخلّق بأخلاق الإسلام في وقت الحرب، ومن الذي لا عهد له ولا ذمّة والمذكور حرفيًّا في القرآن الكريم، ومن يظن أن هناك حرب مثالية مُفصّلة على مزاجه ليس إلا حالمًا يجلس في برجه العاجي.

ومن أسوأ وأكثر المفارقات ألمًا مرور اليوم العالمي للصحة النفسية أثناء الحرب المحتدمة، في الوقت الذي يُنكَّل فيه بأهالينا ليس بأجسادهم فحسب بل بنفسياتهم، لا يمكننا التعويل على صمودهم ظانّين أن الكدر والخوف والقلق لا يقربهم، فلا يوجد بشريّ يتأقلم مع الحرب وويلاتها، نطلب من الله تعالى تثبيتهم وهو قادر، لكن إضافة إلى ذلك يجب على القادرين أن يقدّموا الدعم النفسي لمن عايشوا الأهوال، وهي أهوال مستمرة لم تبدأ الآن ولن تنتهي بمجرد انتهاء هذه الجولة من الحرب.

من الظلم لأهالينا أن نحملهم فوق طاقتهم بالقول: "ما بينخاف عليكن لأنكن أبطال". نعم هم أبطال لكننا نخاف عليهم ونسأل الله لهم الصمود والتخطي، وأن ينهضوا منها أقوى من قبل، ولن يكون ذلك إلا بالسعي لدعمهم في هذا السياق المهم، لأنني أرى كثيرين يغفلون عنه، خاصة ممن لم يجربوا الحروب في بلادهم، فهم يحسبون أن البطولة تُلغي المشاعر الإنسانية الفطرية وذلك غير صحيح، بل إن للحرب ضحايا تخفيهم وتظهرهم فيما بعد وهم المتضررون من أهوالها والذين بقوا على قيد الحياة وفقدوا أحبتهم أمام أعينهم.لا أحبّ التثبيط ولا أثبط، لكن هذا لا يعني مواربة الواقع، فمن واجبنا الاهتمام بهذا الجانب ودعم أهلنا فيه.

أعلم أننا لسنا الممسكين بزمام العالم الآن، وأن التخلف ينخر مجتمعاتنا، وأن الظلم والعبث وانعدام الجدوى سمة حياتنا الحالية، لكنّ هذا لن يستمر، نحن سنصير الطرف الذي يبني بعد أن هُدمت بلاده ودُمّرت، وقد رأينا أول بشائر ذلك في السابع من أكتوبر، مهما كان الطريق طويلًا فعلينا أن نسلكَه، بل إننا كي نصير الطرف الأقوى يجب أن نكفّ عن عبثيتنا، لن نكون عالةً ننتظر بطولات أهلنا في فلسطين، يجب أن نعدّ أنفسنا ليوم نصبح فيه المنتصرين، ما لم يكن نحن، فأبناؤنا، ولن يحدث ذلك بالتراخي والفوضى والاهتمام بالسفاسف بل بكثير من العمل و"هز الأكتاف" والتثقف والقراءة والتعلم من أجل فلسطين، من أجل هذه الأمة التي تحتاج عقولًا وأجسادًا بنّاءة، ولا تحتاج يائسين بلا أهداف ولا بوصلة.

وحتى ذلك اليوم نصرَ الله أهالينا وخفّف عنهم وجعل لهم اليد العليا في حربهم ضدّ الاحتلال والظلم والتخاذل.