بنفسج

كيف أربي طفلا أقصاويا... خطوات عملية

الإثنين 15 يونيو

تمنى صالح (13 عامًا) من مدينة طولكرم شمال فلسطين أن يزور المسجد الأقصى، فالاحتلال يمنعه وملايين الفلسطينيين من دخول القدس ومسجدها، لكنه أراد تحقيق أمنيته في أحد أيام شهر رمضان قبل أربعة أعوام، فارتدى ملابس صلاة نسائية وتقدم نحو حاجز قلنديا شمال القدس.

لم تنجح خطة صالح، فقد وشت به ملامحه الذكورية وأعادته عن الحاجز، لكن ذلك لم يثنه عن تجربة "طريقة أخرى" حققت مراده وجمعته بالمسجد الذي قطع 99 كيلو مترًا للقائه. طفل آخر من مدينة رام الله شمال القدس، يقارب عمره عمر صالح جاء للاعتكاف مع والده رمضان الفائت، لا يزور الأقصى إلا في شهر رمضان- بسبب إجراءات الاحتلال - لكنه يحفظه عن ظهر قلب، يتجول فيه وحده وسط مئات آلاف المصلين، غير آبه بأن يفقد أثر والده أو يضيع بينهم!

توق وشوق

لتعلق طفلك في أي مكان يجب أن تربطه بذكريات جميلة وممارسات جاذبة. عندما كنتُ في السابعة من عمري حرصت أمي على تسجيلي بدورة لتحفيظ القرآن في الأقصى، كانت ترافقني بشكل مستمر إليها، وبعدها أوكلت إليّ مهمة الذهاب لوحدي-لقرب بيتنا- كانت دورة تحفيظ القرآن ممتعة.
 
 فارتبطت الأماكن لديّ بذكريات جميلة وأشخاص محبين، أحببت باب الرحمة والمصلى المرواني والأقصى القديم كثيرًا، أحببت الطريق إلى الأقصى وحفظته.

أما عبد الله (3 أعوام) من القدس، فقد عاش سنواته  تلك في المسجد الأقصى، أمه أمل  داومت على زيارته أثناء حملها به، وبعد ولادتها أيضًا، لم تبرح المسجد أبدًا، تأتي يوميًا منذ الصباح حتى المساء، حتى زُرع في قلب عبد الله أن المسجد بيته الثاني فعلًا لا قولًا، ومشى بخطوات واثقة في ساحاته، آلفا أهله وحراسه، حتى إنه حفظ معالمه وأبوابه التي رددتها أمه على مسمعه في كل زيارة.

 تتوق قلوب المسلمين في هذا العالم لزيارة المسجد الأقصى وتربية أطفالهم، كصلاح الدين ومريم، لكن بُعد المكان ومتغيّرات الزمان حالت دون ذلك، وفي هذا المقال سأشارك فيه محبي الأقصى مفاتيح تربط أطفالهم به وتقربهم إليه في أي مكان كانوا.

لتعلق طفلك في أي مكان يجب أن تربطه بذكريات جميلة وممارسات جاذبة. عندما كنتُ في السابعة من عمري حرصت أمي على تسجيلي بدورة لتحفيظ القرآن في الأقصى، كانت ترافقني بشكل مستمر إليها، وبعدها أوكلت إليّ مهمة الذهاب لوحدي-لقرب بيتنا- كانت دورة تحفيظ القرآن ممتعة؛ معلمات لطيفات وصديقات ألعب معهن بعد القراءة، وجوائز ورحلات ونشاطات عديدة، تلتها مخيمات صيفية داخل المسجد على مر سنوات عديدة، فارتبطت الأماكن لديّ بذكريات جميلة وأشخاص محبين، أحببت باب الرحمة والمصلى المرواني والأقصى القديم كثيرًا، أحببت الطريق إلى الأقصى وحفظته.

طقوس وحكايات

أقصاويا 5 (6).jpg
عائلة فلسطينية في باحة الأقصى

لحسن حظي، واكبت فعاليات مهرجان طفل الأقصى وحصالة الأقصى، حيث كانوا يوزعون علينا في المدارس حصالات نضع فيها المال على مدار السنة ونهديها إلى الأقصى في مهرجان ضخم مُفرح  يعقد داخله، لكن ذلك انتهى بعد حظر الاحتلال للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني.

كان العيد أكثر الذكريات التي ربطتني وغيري من الأطفال بالمسجد، فكان الذهاب لصلاة العيد فيه واجبًا وطقسًا لا نبرحه في عائلتنا، تسرّح أمي شعري وتلبسني أجمل الثياب، أمسك بيد والدي وأذهب مشيًا في جو من التكبيرات المهيبة، أصل إلى أبواب المسجد، فتستقبلني الهدايا التي توزع بسخاء على الأطفال، وداخل المسجد تنتظرني فعاليات أكثر تشويقًا وجمالًا؛ رسم على الوجوه، عروض مسرحية، رقصات وأناشيد، ومسابقات ممتعة.

حكايات كثيرة ومواقف عديدة صنعت مني محبّة للأقصى، تسعى لتوريث ذلك لأبنائها، فحرصت على وصاله أثناء حملي بطفلتي يافا وحرصت أيضًا على أخذها إليه بشكل دوري، وتحديدًا إلى مكتبة الأطفال فيه، حيث النشاطات والفعاليات، والقصص والألعاب المفيدة.

كما علّقت لوحة كبيرة للمسجد داخل بيتي، كنت أردد على مسامع ابنتي مشيرة إليه "أقصى حبيبنا" فتردد من ورائي، وكما لاحت صورة المسجد، أنفعل متعمدة وأنبهها بسعادة "يافا، أقصى حبيبنا". كبرت يافا وأصبحت تذكرني بأن أصطحبها إلى الأقصى لتصلي فيه وتستعير القصص، وتلعب مع أطفاله.

|  القدوة عنصر مهم

أقصاويا 1 (1) (1).jpg
جمان مع أطفالها

يافا اليوم في عامها الرابع، تعرف أن اليهود احتلوا الأقصى، تراهم على أبوابه لكنها لا تخاف منهم، كانت تمشي إلى جانبي كلما دخلنا، لاحظت خوفها في البداية؛ فالجنود مدججين بالسلاح وقاماتهم أطول منها بالتأكيد، كنت أضمها كلما مررنا، وأقول لها "دده يهود، إحنا ما بنخاف منهم، شوفي كيف دخلنا على المسجد هادا إلنا مش إلهم". ومع التكرار اعتادت يافا على الحال وأصبحت تمشي إلى جانبي بثقة، وتسألني عندما ندخل"ايمتى بدهم يروحوا اليهود من الأقصى"؟!

القدوة  عنصر مهم  في مهمتنا هذه، فلا يستوي أن يكون الوالدان مجافيان للأقصى، لا يزورانه ولا يأتيان على ذكره ويريدان أن يتعلق طفلهما به، كُن صلاحًا للدين أولًا، فالطفل نموذج مصغر لوالديه، قِس حبك للأقصى من خلاله. إن حُبيتم بفضل الدخول إلى الأقصى، فعوّدوا أطفالكم على مرافقتكم بشكل أساسي إلى صلاة الجمعة وصلوات الأعياد وليالي التراويح في رمضان، بالإضافة إلى الصلوات العادية، لا تزوروه لوحدكم، اجعلوا ذريتكم تغدو وتروح إليه معكم.

مكتبة الأطفال في المسجد، تقوم على فعاليات دورية مجانية بإشراف تربوي احترافي، وإعداد على أعلى المستويات، فلا تحرموا أطفالكم منها، واحرصوا على اختيار صحبة تشاركهم هذه الفعاليات، فالطفل يتشجع بوجود أقران له، ويحفزه بشكل أكبر.

تحفيز للأطفال

اجعلوا لزيارة الأقصى طقوسًا خاصة محببة لطفلكم، خصصوا حقيبة جميلة فيها وجبات خفيفة يحبها الطفل، ألبسوه أجمل الثياب، وإن كانت زيًّا خاصًا كملابس صلاة أو دشداشة وطاقية بتصاميم مميزة يختارها بنفسه.
 
علقوا الرسومات التي رسمها أطفالكم أو لونوها داخل غرفهم في لوح خاص بالمسجد، يحتوي إنجازاتهم وصورهم داخله، أو جدولًا ملونًا جميلًا ذي خانات عديدة (زيارة الأقصى، حفظ معالم، إلخ) وتضعون وجهًا سعيدًا في كل إنجاز.

اجعلوا لزيارة الأقصى طقوسًا خاصة محببة لطفلكم، خصصوا حقيبة جميلة فيها وجبات خفيفة يحبها الطفل، ألبسوه أجمل الثياب، وإن كانت زيًّا خاصًا كملابس صلاة أو دشداشة وطاقية بتصاميم مميزة يختارها بنفسه. ولا بأس أن  تشتروا من حين لآخر هدية لطفلكم وترفقونها برسالة صغيرة من الأقصى إليه، وتحدثونه أن هذه الهدية من الأقصى إليك أنت بالذات، لأنه يحبك، وأنت تحبه، هذه هدية من الأقصى لأنك زرته أمس، أو لأنك أنشدت له أو لوّنت رسمته.

وبالحديث عن الأناشيد والرسومات، دعوا طفلكم يشاهد أناشيد مع مقاطع مرئية مميزة تتحدث عن الأقصى ذات نغمة محببة، ووفقًا لعمره ووجهوه لرسم المسجد (قبة الصخرة أو معالم أخرى)، أو طباعة نماذج فارغة ليلونها، كما أن بعض المكتبات توفر ألعاب خاصة تتيح للطفل تشكيل مجسّم لقبة الصخرة أو تركيب (بازل).

وعلقوا الرسومات التي رسمها أطفالكم أو لونوها داخل غرفهم في لوح خاص بالمسجد، يحتوي إنجازاتهم وصورهم داخله، أو جدولًا ملونًا جميلًا ذي خانات عديدة (زيارة الأقصى، حفظ معالم، إلخ) وتضعون وجهًا سعيدًا في كل إنجاز، وكل مجموعة وجوه سعيدة تقابل بمكافئة يحبها الطفل(نزهة، أكلة، هدية).

قصص مبسطة

أقصاويا 4 (1).jpg
أطفال داخل الأقصى

يمكنكم أيضًا اقتناء أو استعارة قصص تتحدث عن المسجد الأقصى، أو رواية قصة من بنات أفكاركم، أو إنشاء قصة طفلكم الخاصة، كأن تطبعوا صور الطفل والمسجد وتشاركوه في كتابة قصة خاصة به بعناوين خاصة؛ "سارة تزور الأقصى"، "أحمد يحب الأقصى".

لا تنسوا أن ترووا لطفلكم حادثة الإسراء والمعراج بطريقة مبسطة تناسب عمره، وأن تركزوا على صلاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم داخله مع الأنبياء، وعلى دابة البراق مستثيرين خيال الطفل ومبينين عظم المكان وقدره، وحفظ أول آية من سورة الإسراء لن يكون صعبًا على طفلكم الذكي أبدًا!

وفي ذات السياق عرفوا طفلكم على معالم المسجد الرئيسة، بشكل مبسط، كأسماء الأبواب أو المصليات، مرفقين ذلك بشرح ميداني-أن أتيح لكم- أو صورًا واضحة ملونة ومقاطع مرئية، وكافئوا الطفل في كل مرة يحرز فيها تقدمًا أو يحفظ معالم أكثر ويبدي اهتمامًا.

أمان وسكينة

من المهم أن لا يخوّف الطفل من جنود الاحتلال، وأن لا تروى له حكاية مخيفة عن الأقصى، أو يُرى مقاطع مرئية للاعتداء على المصلين، فهذا الأمر في عمر صغير يرعب الطفل وينفره.
 
 نحن نشرح له وضع المسجد وسرقته، لكن نتجنب أن نخبره بتفاصيل مقلقة. فيرتبط المكان لديه بالألم وعدم الأمان، ونشرح له لاحقًا حين يكبر أو يعاين لوحده، لكن الأهم أن يرمز الأقصى لديه إلى الأمان والفرح والسكينة.

من المهم أن لا يخوّف الطفل من جنود الاحتلال، وأن لا تروى له حكاية مخيفة عن الأقصى، أو يُرى مقاطع مرئية للاعتداء على المصلين، فهذا الأمر في عمر صغير يرعب الطفل وينفره، نحن نشرح له وضع المسجد وسرقته، لكن نتجنب أن نخبره بتفاصيل مقلقة، فيرتبط المكان لديه بالألم وعدم الأمان، ونشرح له لاحقًا حين يكبر أو يعاين لوحده، لكن الأهم أن يرمز الأقصى لديه إلى الأمان والفرح والسكينة.

الأقصى أمانة في أعناقنا كما أطفالنا أيضًا، فلنحرص على استغلال المرحلة الذهبية من طفولتهم، فهم يستقون منا المواقف والأفكار، لا يمكن أن نهمل تربية أطفالنا وحين يبلغون رشدهم نشكو من رفضهم زيارة المسجد أو تكاسلهم وبرودهم تجاهه، نحن من نقرر هذا وننميه من اليوم الأول مع طلب العون من الله.

لا يغيب عن دعائي: "ربي لا تحرمني بيتك المقدس، ارزقني ذرية تغدو إلى المسجد الأقصى وتروح...."، تمنوا من الله واعملوا ليثمر زرعكم الأقصاوي!