بنفسج

مسابقات ملكة الجمال: عن ثمن الحداثة الذي تدفعه المرأة!

السبت 20 يونيو

توالت منذ فترة ليست بالقليلة، إعلانات مسابقات ملكات جمال العرب في لبنان، ومصر، وغيرها. ما يدعو للتأمل في التحرر الذي تدّعي الحداثة أنها أعطته للمرأة. بدأت مسابقات ملكات الجمال في الخمسينيات من القرن الماضي، وتركّز بشكل أساسي على معايير جسدية معينة للمرأة، مع بعض المعايير الأخرى. وتعقد مسابقات أخرى للأطفال والرجال، ولكن الأشهر هي مسابقات ملكات الجمال.

لقد وعدت الحداثة المرأة باحترام إنسانيتها، ومنحها مكانتها التي حُرِمت منها قبل الحداثة، ومن ذلك فتح مجالات العلم والعمل، لتخوض فيها بمساواة كاملة مع الرجل. ومن ذلك، أخذت بعين الاعتبار ضرورة إدخالها إلى عالم السياسة والاقتصاد، وقد كانت عوالم للرجال فقط، ووعدتها بأن يكون لها وحدها سلطة على جسدها وحياتها، فتلبس ما كان ممنوعًا، وتكشف ما كان مستوراً، دون أن يتعرض لها أي رجل، باعتبار أن المهم هو النظر إلى عقلها وإنسانيتها.

 | وعود الحداثة 

بدأت مسابقات ملكات الجمال في الخمسينيات من القرن الماضي، وتركّز بشكل أساسي على معايير جسدية معينة للمرأة، مع بعض المعايير الأخرى. 
 
ما أنتجته وعود الحداثة، هو استغلال جسد المرأة أبشع استغلال، حيث اختزلت المرأة في الجسد فقط، وهذا ما يطلق عليه بالتشيّؤ"، أو "تشيئ الإنسان"، أي التركيز على القيمة المادية فقط أو الجسد، دون اعتبار لإنسانيته التي هي جوهر ما يجعله مختلفاً عن باقي الكائنات.
 

وللحق، فإن الحداثة أعطت المرأة حرية اللباس، لكنها لم تحمها من التحرش ولا الأذى، ولا حتى التعرض للاغتصاب. وأخبرتها أن إنسانيتها هي الأهم، وأن ما تنتجه في مجال العلم أو العمل هو الأولى. لكنها جعلتها عارضة الأزياء ولوحة الإعلانات. وخلقت لها المثيرات من كل نوع من اللباس، تركيزاً على جسدها دون إنسانيتها!

والجدير بالذكر، أن الحداثة التي تدعي أنها منحت المرأة السلطة المطلقة على جسدها للخلع، لم تعطها ذات السلطة، إذا قررت المرأة أن تكون أكثر احتشاماً، لأسباب شخصية أو دينية أو غيرها، فأصبحت الحرية المفترضة للمرأة على جسدها، هي حرية أن تخلع اللباس فقط، ولكن لحساب من؟

في الحقيقة، ما أنتجته وعود الحداثة، هو استغلال جسد المرأة أبشع استغلال، حيث اختزلت المرأة في الجسد فقط، وهذا ما يطلق عليه بالتشيّؤ"، أو "تشيئ الإنسان"، أي التركيز على القيمة المادية فقط أو الجسد، دون اعتبار لإنسانيته التي هي جوهر ما يجعله مختلفاً عن باقي الكائنات.

ومن مساوئ دعاوي التحرر الجسدي للمرأة، ما خلقته من نظرة عدائية من المرأة لذاتها، فأصبحت تسعى بكل جهدها لتكون بنفس مواصفات الموديل العالمية.

عندما تفتش عن أكثر الإعلانات إثارة، تلاحظ أن المرأة بجسدها عنصر مهم فيها، وذلك لتلمس الحاجة الجنسانية في الرجل، فتدفعه إلى الشراء، أو خلق الرغبة في المرأة، في أن تتماثل مع هذه المرأة المُصوّرة التي يرغبها الرجال. وعليه كما نرى؛ فإن الحداثة لم تحرر المرأة، بل جعلت نظرة الرجل إلى جسدها أكثر محورية مما كانت سابقاً. وتظهر هذه الأزمة أكثر دقة في المرأة التي تمتنع عن إظهار جسدها بشكل سافر، فتحتجب جزئياً بلباس محتشم، أو تحتجب كما أمرها دينها بلباس ساتر.

ومن مساوئ دعاوي التحرر الجسدي للمرأة، ما خلقته من نظرة عدائية من المرأة لذاتها، فأصبحت تسعى بكل جهدها لتكون بنفس مواصفات الموديل العالمية؛ فتشتري المساحيق واللباس الذي يبرز منها ما تريد، أو تقوم بالحميات القاسية، أو عمليات التجميل المختلفة لتغير شكلها. وإن كانت فقيرة أو لا تملك أن تغير شكلها، يعود ذلك بنظرة مضادة، وهنا، تحتقر المرأة نفسها، لأنها لم توافق هذه المعايير.

إن حالة العداء التي خلقتها الحداثة ضد جسد المرأة، لجديرة بالنظر. وذلك لنفي ادعاءات الحداثة عن إعطائها المرأة حق التصرف في جسدها، دون تدخل الرجل، أو الالتفات لرأيه. وهذا عكس الحقيقة، في الواقع على المرأة أن تكون أكثر وعياً بذاتها، فلا تقبل أن تُستخدم لأغراض إثارة الشهوة بالإعلانات، أو عروض الأزياء، أو مسابقات ملكات الجمال، فإذا كانت المرأة تسعى للرفعة حقاً، فالأولى أن ترفع إنسانيتها التي هي جوهر التكريم؛ فهي تحمل المسؤولية التي ألقاها الله على عاتق الناس، تتساوى في هذا مع الرجل. وستسأل عن هذه الأمانة، التي هي جديرة بحملها.