بنفسج

أسماء مطير: عين على الحلم وقلب في الوطن

الثلاثاء 23 يونيو

آمنّ بمقولة محمود درويش "ونحن لا نتوب عن أحلامنا مهما تكرر انكسارها"، ناضلن وحاربن من أجل تحقيق الحلم، ولأجل تحقيق ذواتهن في بقعة جغرافية أخرى على هذه الأرض. قصصهن لا تزال قيد التنفيذ، يكتبن كل حرف فيها بحروف من نور وأمل، انكسرن في أوقات، لكنهن لم ييأسن، وما زلن يسعين نحو رحلة تحقيق الذات والطموح.هن المغتربات الفلسطينيات اللواتي سافرن بعيدًا عن مظلة الوطن الأم والعائلة، بغية إكمال دراستهن وصقل شخصيتهن.

 | إصرار

"أذكر جيدًا ذلك اليوم كان الخوف والقلق قد تملكا مني، ولكني تجاوزتهما، يومها ذهبت مبكرًا جدًا لمكان المقابلة، وانتظرت ما يقارب ثلاث ساعات ثم جاء دوري، فقابلت اللجنة بابتسامة، ثم بدأ سيل الأسئلة".

أسماء مطير، خرجت لإكمال دراستها العليا، وهي حاصلة على ماجستير في الفقه المقارن من الجامعة الإسلامية بغزة، وتدرس حاليًا الدكتوراة في تركيا.لم تكن رحلتها يسيرة، فقد واجهت التحديات أثناء سيرها نحو الهدف، وشاء الله ماشاء أن يكون. سجلت أسماء للمنحة التركية السنوية لعل وعسى أن تصل، ولكنها تعثرت في المرة الأولى، حيث رفض طلب المنجة التي تقدمت له، لم تهتم كثيرًا، وأكملت حياتها بشكل طبيعي.

في العام التالي، سجلت للمرة الثانية في المنحة، واهتمت بأدق التفاصيل، فقدمت أوراقها بشكل احترافي مفصل، فجاءها بعد أشهر القبول المبدئي للمقابلة الشخصية، فلم تصدق نفسها! ها هي على مقربة من تحقيق الهدف، جاء اليوم الموعود الذي ستمثل فيه أمام لجنة كاملة لتقيمها.

تضيف وعيناها تبتسم: "أذكر جيدًا ذلك اليوم كان الخوف والقلق قد تملكا مني، ولكني تجاوزتهما، يومها ذهبت مبكرًا جدًا لمكان المقابلة، وانتظرت ما يقارب ثلاث ساعات ثم جاء دوري، فقابلت اللجنة بابتسامة، ثم بدأ سيل الأسئلة".

received_197436041155702 (2).jpeg
مطير تهوى التصوير الفوتوغرافي، عين قلبها تنظر لتلتقط الصورة بشغف

أسماء تجهزت جيدًا للمقابلة، وأجرت العديد من "البروفات" مع صديقتها قبل مقابلتها بأيام، فكانت نتيجة التدريب جيدة جدًا، مثلت أمام اللجنة بثقة. أجابت على كل التساؤلات، وأهم ما ركزت عليه لغة الجسد والجلسة الصحيحة. بعد خمسة أشهر من الانتظار، جاءت اللحظة المرتقبة، وصل إيميل لأسماء يفيد بقبولها النهائي في المنحة التركية، لإكمال دراسة الدكتوراة في الشريعة، حينها كانت دقات قلبها تُسمع، ولمعان عيناها بالدموع مرئي للناظرين.

منذ تخرجها من البكالوريس لم تتوقف عن تطوير نفسها، سواء بالقراءة، أو بنيل العديد من الدورات التدريبية في كافة المجالات، من؛ رسم، وتصوير، وتنمية بشرية. سجِّل خبراتها مزدحم بالإنجازات حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

ماذا كان رد عائلتك حين حصلت على القبول النهائي؟ ترد أسماء على تساؤل بنفسج: "والدتي كانت من أشد المعارضين لسفري بمفردي، وصُدمت جدًا حين رأت أن الأمر بدأ يأخذ منحنى الجدية، ولكن تنازلت، ووافقت في النهاية، لأجلي ولأجل سعادتي".

 | لحظات الوداع

received_262058977833308.jpeg
سماء انطاليا بعدسة أسماء

وتستذكر أسماء لحظة حزمها لحقائبها تأهبًا للمغادرة: "حزمت حقائبي والغصة بداخلي، يعز علي فراق وطني وعائلتي، ولكن أحلامنا تستحق أن نجازف لأجلها، ألقيت نظرة الوداع الأخيرة على بيتي، وأمي، وسماء غزة، وأنا غير مصدقة أنني لن أراهم لسنوات".

"حين حلقت بالسماء، لم أستطع إخفاء دهشتي، للمرة الأولى أركب طائرة، يا له من شيء رائع، رحلة الطيران ممتعة حقًا"، تقول أسماء.وصلت طالبة الدكتوارة بسلام. وبدأ الشق الآخر للحكاية، تضيف: " في اليوم الأول، سجلت في معهد اللغة، وتعرفت على زميلاتي في سكن الطالبات، ولكن في الأسبوع الأول شعرت بغربة شديدة، ولكني تجاوزتها بفضل صديقات الغربة".

ما العقبات التي واجهتك في البداية؟ تجيب: "واجهت صعوبة في البداية في تعلم اللغة التركية، ولكن مع مرور الوقت وبمساعدة معلمين اللغة، أتقنتها بشكل جيد".التجارب الجديدة تضيف لشخصية الإنسان، وتصقله من جديد، تؤكد أسماء على أن السفر جعلها أكثر وعيًا، وتحملًا للمسؤولية، إضافة للحذر من التعامل مع الغرباء، فليس كل الناس بقلب نقي كما نظن".

 | حنين

شغف وطموح أسماء لا ينتهيان، فما تزال تسعى لتطوير نفسها أكثر فأكثر، تنتظر أن تمر السنوات وتحصل على لقب الدكتوراة في الشريعة، وتطمح إلى أن تخدم وطنها ودينها بقدر استطاعتها. وتقدم أسماء نصائح للراغبات في السفر للدراسة، بأن يجتهدن على أنفسهن جيدًا، ومهما رأين من مغريات في العالم الآخر، عليهن ألا ينجرفن وراءها، وأن يتمسكن بما تربين عليه، ويصبرن حتى يصلن لمبتغاهن.

تفتقد أسماء في غربتها رائحة المقلوبة من تحت يد والدتها، للزعتر والمفتول، إلى أول يوم رمضان، والعيد، ولعبق الشتاء في زقاق شوارع غزة.وتذكر أن العائلات الفلسطينية في تركيا في  شهر رمضان، تدعو الطلاب ما بين الفينة والأخرى لتناول طعام الإفطار، ويطهون لهم أكلات من المطبخ الفلسطيني، ملفتة إلى أن الطعام التركي يختلف كليًا من ناحية النكهة عن طعامنا، حيث يفتقر للبهارات الفلسطينية.

وتعود أسماء بذاكراتها لأول رحلة خرجتها للتعرف على معالم تركيا، تقول لـ "بنفسج" بابتسامة حالمة: "الجمال هنا مذهل جدًا، ذهبت إلى جبل "الأولوداغ" في مدينة بورصا، وحينها عدت طفلة من جديد، لعبت بكرات الثلج، التقطت الصور لأشجار السرو المغطاة بالثلج".

طالبة الدكتوراة المغتربة، موهوبة في التصوير، كل صورة تلتقطها بشغف وحب، عين قلبها تنظر، وتحدد، وتلتقط أجمل اللحظات، في كل رحلة توثق الكثير من الصور المغلفة بالجمال والحب.ماذا تفرق الثقافة التركية عن الفلسطينية؟ تجيب: " بشكل عام المجتمع التركي يغلب عليه الطابع الإسلامي، وثقافتهم قريبة جدًا من العربية، بالرغم من الانفتاح الموجود".

أريد أن أعود إلى وطني؟ هل حدث معك ورددت بداخلك هذا الحديث؟ ترد أسماء: "حين تعصف بي الحياة، وتعترض طريقي المشكلات، أردد مثل هذه الكلمات، ولكن سرعان ما أعود لطبيعتي، وأتذكر ما أنجزت خلال الفترة الأخيرة".

شغف وطموح أسماء لا ينتهيان، فما تزال تسعى لتطوير نفسها أكثر فأكثر، تنتظر أن تمر السنوات وتحصل على لقب الدكتوراة في الشريعة، وتطمح إلى أن تخدم وطنها ودينها بقدر استطاعتها.وتقدم أسماء نصائح للراغبات في السفر للدراسة، بأن يجتهدن على أنفسهن جيدًا، ومهما رأين من مغريات في العالم الآخر، عليهن ألا ينجرفن وراءها، وأن يتمسكن بما تربين عليه، ويصبرن حتى يصلن لمبتغاهن.