بنفسج

اصنعوا معروفا.. وادخروا لأبنائكم

الإثنين 29 يونيو

مع انطلاق صرخة الحياة الأولى للأبناء، تتكبل مقدرات الآباء  بحاجاتهم، يحملون بطرف ثوبهم للحاق بتلك المتطلبات التي لا تنتهي منذ الصغر حتى الرشد، يهرولون على سواحل الحياة متسلقين شواهق جبالها يستجدون حبات الخير من سحابها، ويبحثون عن أرزاقهم في حواصل طيورها ليورثوا لأبنائهم إرثا كريمًا يحفظ هيبتهم وكرامتهم من العوز والحاجة، وأمانيهم لهم بحياة ناصعة البياض تخلو من كدر وسواد العيش، فقد سمت أمانيهم بسمو ذاك الحب الرباني الفطري للأبناء، ولكن هل هذا فقط ما يحتاجه الأبناء؟

منشور على أحد مواقع " سوشيال ميديا " لمديرة مدرسة تذكر كيف لاحظت على أحد طلاب المدرسة أنه يعرض على زملائه ما يوجد في صندوق طعامه الخاص، وبعدما استفهمت منه سر صندوقه وفعله، تيقنت قيمة الخير الذي زرعته له والدته في حاضره ومستقبله. وفي أحد لقاءات أولياء الأمور، توجهت إلي والدته لتوضح لي أمر ابنها، فتقول: " أقوم كل يوم بوضع أكثر من ساندويش في صندوق طعام ابني ليعرض على زملائه مشاركته، فلربما كان هناك من لم تستطع أمه ترتيب طعامه لظرف ما".

 | نسائم الحب

كلمة طيبة لأحدهم تزرع جذرها في أرضه يتظلل أبناؤك بفيها في حر زمانهم، أو نسائم حب أنثرها في قلب غيرك ممن حولك ليشم أبناؤك عطر زهرة في طرقاتهم. ادخر لهم طعامًا، قدمه لمحتاج أو مريض، فالحاجة ضعف والمرض ضعف.

أو نصيحة تقدمها بستر لمن قد ضل مقصده، سيجدون بركته في أجسادهم وعطائهم أو أقلها طعامًا يرزقون به حينما يكون الضعف قد لازمهم

واسترسلت بالحديث: "حينما كنت أعمل أنا وزوجي خارج الوطن وقد قهرتنا الغربة بما فيها من تعب وشوق، اشتهيت يومًا أكلة محشي ورق العنب (الدوالي) حينما نفذت رائحته إلى أنفي من أحد البيوت، تذكرت أمي و حنانها وجمال أُنسها وأكلاتها، فسالت من عيوني دمع التعب والشوق، وفي ذات اللحظة، توجهت لأخذ ابني من عند جارتي، حيث كنت أضعه عندها لحين عودتي من عملي، فإذا بها تقدم لي طبقًا من محشي ورق العنب (الدوالي)، كم كانت فرحتي كبيرة رغم صِغر ما قًدم لي!

 وفي المساء، هاتفت أمي واستغربت من غيابها عن مهاتفتي طوال النهار، فقالت : "قد استيقظت صباحًا قلقة عليك، فاستعذت بالله من الشيطان وصنعت طبخة لجارتنا أم محمد المريضة ودعوت الله، يا رب ادخرها لابنتي في غربتها "، فعلمت حينها لماذا جبر الله بخاطري في ذات اليوم لتهديني جارتي طبق (الدوالي) الذي اشتهيته، ومن يومها وأنا أعمل جاهدة لادخار الخير لأبنائي ولو بأبسط التفاصيل".

ما أجّلها من عبرة وما أبلغها من فائدة، كم هي خطوب الحياة وتعرجات طرقها التي تواجه أبناءنا، وكم هي الحوائج التي يرتضونها في كثير من الظروف، ويحتاجون ليد عون أو مسح دمعة، أو شدّ همة، أو توضيح طريق، فلندخر لهم من أعمارنا وأعمالنا لمثل تلك الأيام، ولندعم لديهم أيضا الادخار لذواتهم.

فكلمة طيبة لأحدهم تزرع جذرها في أرضه يتظلل أبناؤك بفيها في حر زمانهم، أو نسائم حب أنثرها في قلب غيرك ممن حولك ليشم أبناؤك عطر زهرة في طرقاتهم. ادخر لهم طعامًا، قدمه لمحتاج أو مريض، فالحاجة ضعف والمرض ضعف، أو نصيحة تقدمها بستر لمن قد ضل مقصده، سيجدون بركته في أجسادهم وعطائهم أو أقلها طعامًا يرزقون به حينما يكون الضعف قد لازمهم،  أو جهد تقدمه لتصلح ذات البين سيروه أنس ورفقة آمنة في الطريق.