بنفسج

موسم الزيتون: كاسة شاي ولمة "عيلة"

الثلاثاء 28 يوليو

"خليني ماشي ع دروبي.. ع تلال بلادي المرهونة، خليني مع بيي وأمي، مع ستي ومع عمي..ما في أحلا من اللمة..خلينا هون خلينا..حبة زيتون أعطينا..من حبة زيتون بلادي، عم بجمع زادي وزوادي..راس الجبل ..قلب الوادي ..كلو ريحتو هالزيتونا"

تكاد رائحة مواقد الشاي تملأ الصباحات الزيتونية الفلسطينية، المفارش وأمشطة الزيتون، والعبّية، وزوادة الطعام.. كلها مستلزمات لقيطة الزيتون الذين يشقون صباحات الفجر الندية. وكما يقول المثل الفلسطيني "خبزي وزيتي عمارة بيتي" و" إذا كان في البيت خبز وزيت، زقفت أنا وغنيت" و"كل زيت وناطح الحيط" كناية عن أهمية زيت الزيتون عند الفلسطينيين. ولكنه أيضا "زيته طيب ولقاطه يشيب" وهذه كناية أيضاً عن صعوبة موسم لقاط الزيتون إذا كانت سنته "ماسية" أي محصوله وافرا.  ولكن هذا لا ينفي متعة الأجواء التي يتم خلالها قطف الزيتون.

| مواسم البلاد المحتلة

ن8.png
لطالما احتلت شجرة الزيتون مكانة عالية وانتشاراً واسعاً في مناطق بلاد الشام، وذلك نظرا لملائمة مناخ هذه المنطقة مع ظروف نمو هذه الشجرة التي ذكر اسمها صريحاً في القرآن الكريم "والتين والزيتون وطور سينين "، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على مدى عظم وفوائد وخيرات هذه الشجرة المباركة.

فشجرة الزيتون على مدى قرون عديدة، كان يولى بها اهتماما كبيراً لخيراتها العديدة التي تتمثل بزيت الزيتون الصافي إلى حبات الزيتون اللذيذة التي تضفي على طعام الإفطار طعماً لاذعاً ورائعاً. أيضاً، فإن خشب هذه الشجرة لطالما كان من أجود انواع الاخشاب، بدءاً من استخدامها في إشعال النار قديماً، إلى استخدام خشبها في صناعة التحف الجميلة والنثريات المميزة وقطع الأثاث ذات الجودة العالية والفاخرة .

ن10.png
 

بطبيعة الحال ، فقد اقترن موسم قطف الزيتون بالفرح والأهازيج باستقبال هذا الخير الوفير من هذه الشجرة المباركة .فتروي الحاجة صبيحة شلش (٨٥) عاماً، أن موسم قطف الزيتون كان له رونقه الخاص الذي يميزه عن أي حصاد آخر، ف لموسم الزيتون أغانٍ شعبية خاصة به، تدلل على مدى فرح وابتهاج المزارعين بجنيهم هذا المحصول.

وفي تفاصيل أكثر روتها شلش عن موسم قطف الزيتون، فإن العائلة الكبيرة الممتدة تستعد جميعها بكبارها وصغارها، أطفالها ونسائها وشيوخها نحو قطف الزيتون منذ باكورة الصباح وحتى مغيب الشمس، مصطحبين معهم ما يكفيهم من قوت يومهم وهو ما عرف ب" الزوّادة " التي بالغالب كانت تضم زيت الزيتون، والقليل من الخبز والجبن وبعض حبات البيض والقليل من الخضراوات. ولا شيء يضاهي كوباً من الشاي أعد على النار يرتشفونه عند أخذهم استراحة قصيرة، يستأنفون بعدها القِطاف بهمة أكبر وطاقة أعلى.

ن5.png

ونظراً لبساطة الأدوات التي يستخدمونها في القطاف وحرصهم على سلامة الثمار من أي ضربات قد تسببها العصي، فإنهم لم يكونوا يستخدموا طريقة "الجٓدّ" {قطف الزيتون بواسطة عصا صنعت من غصن شجرة الرمان} في القطف، بل أنهم يفضلون التقاط الثمار بأيديهم "الخراط"، وهو ما يفسر سبب طول موسم الزيتون، فكان يتراوح من ٢٠ يوم إلى شهرين في أقصى حالاته. تكون فيه الأدوار موزعة بين رجال ونساء العائلة، فيوكل إلى الرجال مهمة قطف ثمار الزيتون، بينما تقوم النساء بالتقاط ما يسقط من حبات على الأرض. 

وتلفت الحاجة شلش إلى أن العناية بشجر الزيتون لا يقتصر عليه في موسمه، بل يمتد على مدار العام من حراثة للأرض وري الأشجار إلى إزالة الأعشاب الضارة، وأخيراً إلى التخلص الأغصان التالفة لاستعمالها في إشعال النار شتاء. بالتاكيد، في الماضي لم تكن عملية استخراج الزيت من ثمار الزيتون كما هو في الوقت الحاضر مع انتشار المعاصر الحديثة، فقديماً كانت تتم عملية عصر الزيتون في معصرة بدائية يكون "حجر البٓدّ" حجر مخصص لعملية استخراج الزيت من الزيتون" هو الأساس في عملية العصر.

 | آلة تحريك اقتصادية

ن6.png
 

عملية العصر تكون في حوض كبير يحوي حجر البٓدّ الذي يتكون من جزأين، جزء توضع فيه ثمار الزيتون وجزء يدار بواسطة الإنسان أو الدواب. ثم تاتي المرحلة التالية من العصر حيث يفصل الزيت عن الماء، وفيه يوضع الزيت في أواني ماء مغلية كبيرة يطفو فيها الزيت فوق الماء حيث يتم جمعه وتصفيته وهو ما يعرف بزيت " الطفاح "، وهو ما أشارت شلش إلى أنه من أجود أنواع الزيت المستخرج والمستخدم في الأكل، لا يتغير طعمه ويبقى محتفظاً بقوامه، على حد وصفها.

العونة أيضاً كانت ميزة تلك الفترة، حيث لا ينتهي موسم الزيتون بإنهاء المزارع قطف ثمار أرضه بل يقوم بمساعدة ومعاونة أقاربه وجيرانه الذين لم ينتهوا بعد من موسم الحصاد.

أيضاً، لم يكن موسم الزيتون موسم حصادٍ فقط، إنما كان بمثابة آلة تحريك اقتصادية تخلق عملاً لمن يحتاج مقايضةً بالزيت بدل المال، فانتشرت في تلك الحقبة عمل " اللقاطات" التي تقوم فيه النساء بالتقاط حبات الزيتون من على الأرض. عوضاًعن ارتفاع ثمن الزيت إذا لم تكن المحاصيل جيدة في ذلك العام، وكما يقول المثل الفلسطيني "خلي الزيت في جرارة حتى تغلى أسعاره".

العونة أيضاً كانت ميزة تلك الفترة، حيث لا ينتهي موسم الزيتون بإنهاء المزارع قطف ثمار أرضه بل يقوم بمساعدة ومعاونة أقاربه وجيرانه الذين لم ينتهوا بعد من موسم الحصاد. وأخيرا، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "كلوا الزيت وَادَّهِنُوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة" .