حول تلك الشاشة الصغيرة تجلس العائلة بأكملها، الأم تُحضر وجبة العشاء، فتدق عقارب الساعة السابعة مساء، فينادي طفلها الأصغر "يلا يا ماما مسلسل عباس الضو وفراويلة هيبدأ"، سرعان ما يتعالى تتر البداية "قالوا زمان دنيا دنية غرورة.. وقلنا واللي تغرّه يخسر مصيره"، فيكمل الأب قائلًا "قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة". الجيل القديم يعرف جيدًا هذا التتر الشهير، يحفظ موسيقاه عن ظهر قلب. ليس هذا المسلسل الذي تربع فحسب في قلوب المشاهدين العرب في التسعينيات، بل يوجد غيره العديد والعديد من المسلسلات العائلية الدرامية والكوميدية التي تناقش قضايا مهمة. يكفي أن تُسمع جيل الثمانينيات وما قبله موسيقى إحداهم ليخبرك فورًا باسم المسلسل وحكايته، بل ومشاهد حُفرت في ذهنه.

هنا نستعرض خمسة مسلسلات قديمة لها حضور في قلب كل ما شاهدها، حتى وإن عُرضت على الشاشة من جديد يشاهدها المشاهد العربي وكأنه يراها لأول مرة، يضحك مع كل "أفيه" من قلبه. ويحزن مع كل دمعة سقطت من عين بطل المسلسل. وحين يسترجعها بعد زمن يقول "إييه على مسلسلات زمان ولا في بعد فاطمة كشري ولا ونيس".

 | مسلسلات "زمان"

 | لن أعيش في جلباب أبي

 لا أحد شاهد هذا المسلسل يمكن أن ينسى قصة الحب الجميلة التي بدأت من طبق "الكشري"، بين عبد الغفور البرعي وفاطمة، وهو يقول لها، "العدس متبقيش تسويه على الآخر، والرز تهويه شوية بعد متنزليه من على النار"، فترد عليه فاطمة: "طب والمكرونة؟"، فيرد "المكرونة عال العال".

لن أعيش في جلباب أبي مأخوذ من رواية الروائي المصري الراحل إحسان عبد القدوس، وأنتجها اتحاد الإذاعة والتلفزيون في عام 1996. جسد شخصية عبد الغفور البرعي الممثل (نور الشريف) وهو شاب جاء من الأرياف إلى القاهرة بعد وفاة والده، ليعمل في وكالة الحاج إبراهيم سردينة (عبد الرحمن أبو زهرة). تدور القصة حول الرجل العصامي الذي بنى نفسه من الصفر وجمع ثروته الكبيرة بالحلال.

ثم فيما بعد تنتقل القصة لتركز على الابن الذي يريد أن يخرج من عباءة الأب وسلطته، وتبدأ المواقف المختلفة بين الابن والوالد على مدار الحلقات، والتي تعرضه للعديد من المشاكل النفسية والاجتماعية، ولكنه في النهاية يعود ليبقى تحت ظل والده.

 | مرايا

 مسلسل ناقد كوميدي متعدد الأجزاء بدأ في عام 1982 من بطولة ياسر العظمة. تدور فكرة المسلسل حول العديد من القصص الناقدة والساخرة التي تعرض معاناة المواطن السوري مع المؤسسات الحكومية. انتقد أطباع الناس وأسلوبهم وسياسات الحكومة، ناقش التفاصيل والمشاكل اليومية في المجتمع بأسلوب ساخر. اقتبس المسلسل من روايات عالمية لأنطون تشيخوف كـ"الرهان" وعزيز نيسين، ولم يقتصر على مقترحات كتابه الأصليين.

في إحدى حلقات موسم عام 1986 حذر من انتشار الفيروسات، بعدما رفض مصافحة السمان الذي تتعرض يداه لمختلف أنواع الجراثيم والميكروبات، أو زحام الأسواق والاحتكاك بالناس في الشوارع. وقال في أغنيته "خيي لا تصافحني بنوب لا تلمس يدي.. يمكن في عندك ميكروب واللمس بيعدي".

توالت الأجزاء من العام 1982 وحتى عام 2013 وكل جزء كان له مكانة وحكاية وحضور على شاشات التلفزة، ولكن الجزء الأخير تم تصويره بالجزائر، لكنه لم يحقق نسبة مشاهدة عالية كالأجزاء التي سبقته.

 | المال والبنون

من أهم المسلسلات الدرامية، له جزأين، الأول أنتج في عام 1993 (21 حلقة)، والثاني عام 1995 (34 حلقة)، حصل على جائزة إدارة الإذاعة والتلفزيون المصرية عام 1998. ارتبط بصوت علي الحجار حين يقول بحلم وافتح عنيًا على جنة من الإنسانية، والتي لحنها ياسر عبد الرحمن.

حلقات المسلسل 55 حلقة تحكي لنا حكاية عائلة سلامة فراويلة وعباس الضو، الأول يعيش في رفاهية مع أولاده، والثاني يعيش في غرفة بسيطة فوق أسطح أحد المباني، تدور الأيام ويرغب يوسف ابن عباس البسيط في الزواج من فريال ابنة سلامة، ولكن ترفض العائلتان دون سبب واضح.

ومع توالي الأحداث تنكشف الأمور الخفية، ويظهر سبب رفض ابن عباس الفقير من قبل العائلة الغنية، وهو أن سلامة ووالده عباس كانا يعملان معًا في السابق لدى خواجة أجنبي جمع ثروته من تهريب الآثار خارج مصر، وبعد موت الخواجة أخذ سلامة فراويلة المال بزعم أنه ملك عام وليس سرقة، وفي المقابل، يتمسك عباس الضو بمبدأ جمع المال بالحلال ومن كده وتعبه، وتبدأ رحلة المسلسل ما بين قصص الحب والمال والبنون.

 | جميل وهناء

عُرض مسلسل جميل وهناء في عام 1997، وبمجرد ذكر اسمه يخطر لذهن السامع صوت جميل وهو يقول "شكو شكو"، ومشاكسة الصغير " أرغيلة"، والجارة أم محمود (سامية الجزائري) التي رسمت البسمة على وجوه المتابعين للمسلسل بخفة ظلها، وبحركاتها المضحكة.

فكرة المسلسل تدور حول قصة رجل يدعى جميل (أيمن زيدان)، يعتقد أن زوجته هناء (نورمان أسعد) لا تغار عليه بما فيه الكفاية مثل بقية الزوجات، مما دفعه للتفكير بطرق متعددة لإثارة غيرتها فشل في البداية، ولكنه نجح بإثارة جنون غيرتها في النهاية. وتتوالى الأحداث والحكايا المضحكة في المسلسل برفقة صديقه الذي يساعده في خططه.

في عام 2001، تم تصوير جزء ثان من المسلسل تحت عنوان "ألو جميل، ألو هناء"، يحاول في بطل المسلسل الرجوع عن الخطأ الذي ارتكبه في الجزء الأول، ويبدأ بوضع الخطط من جديد مع صديقه، ولكن هذه المرة للتخلص من غيرة زوجته المرضية.

 | يوميات ونيس

"بابا ونيس… ماما مايسة… إحنا ولادكوا هنرفع راسكوا"، ترددت هذه العبارة طوال حلقات مسلسل ونيس الذي بدأ عرضه في عام 1994، واستمر بسلسلة من الأجزاء انتهت عام 2015. أبناء ونيس "عز الدين، شرف الدين، جهاد، هدى"، أسماء حُفرت في ذاكرة الجيل القديم والجديد بوقفهم في طابورهم الصباحي الشهير. ونيس (محمد صبحي) وزوجته مايسة (سعاد نصر) أبدعا في تجسيد شخصية الأب والأم. بابا وميس محام يسعى لتربية أطفاله على القيم والأخلاق الحميدة في زمن من الصعب تربية طفل فيه، تسانده زوجته بكل قوة.

الأب ونيس لم يعتمد نظام الوعظ أو المباشرة في تمرير ما يريد إيصاله لأطفاله، وإنما اعتمد المواقف وردود الفعل طوال حلقات المسلسل، والتي انتهت في آخر جزء بشبه محاكمة من الأبناء، لأنه رباهم على قيم مثالية لا يمكن تطبيقها أحيانًا على أرض الواقع.

توقف مسلسل يوميات ونيس بعد وفاة بطلته سعاد نصر ومخرجه، ثم تم استكمال أجزائه عام 2009 بجزء سادس، بعنوان "ونيس وأحفاده"، ثم في عام 2010 كان الجزء السابع "ونيس وأيامه"، وأخيرًا في عام 2013 عرض الجزء الثامن "ونيس والعباد وأحوال البلاد"، وتمحور هذا الجزء حول الاختلافات الفكرية ما بين الأولاد ما بعد ثورة يناير.

هذا جزء من بعض المسلسلات القديمة التي تركت بصمة في قلوب جيل الثمانينيات والتسعينيات، لم ينسها جمهور المشاهدين في العالم العربي مهما مر عليها من زمن، يحدثون أحفادهم عن مسلسلاتهم القديمة، يرون القصص والعبر من يوميات ونيس، ويعلمونهم الحب الحقيقي والاجتهاد، في "لن أعيش في جلباب أبي"، ويضحكونهم بالجارة أم محمود في "جميل وهناء".