بنفسج

الهجرة النبوية: تاريخ أمة ترويه امرأة

الإثنين 24 اغسطس

على عتبات عام هجريّ جديد، مع كلّ آمال الخير والسعادة والرضى في ثناياه، ومع كلّ ما نفضة سابقة من أحداث متباينة أرهقت السّالكين، وغيّرت الموازين، تكون قد مضت 1442 سنة على هجرة سيّد الخلق، من مكّة المكرمة إلى المدينة المنوّرة، وخروجه وأصحابه من أهل، وعشرة، وقوت، ورفاق، إلى بُعد، وغربة، وعسر، واشتياق.

الهجرة التي كانت دون شكّ، نقطة التحوّل في مسار إبلاغ الرّسالة، ووسيلة أساسيّة لتحقيق الغاية المرجوّة: نشر الدعوة إلى الإسلام، والتوحيد، والانبعاث، وتعزيز قيم الحريّة، والنهضة، والسلام، والمحبّة، والقوّة. فكان لزامًا علينا في كلّ ذلك، أن نستلهم منها دروسًا حياتيّة، وومضات تهدي طريق كلّ واحد منّا مع نفسه ومع الآخرين، وتكون له النّور والسّراج المنير.

| الفرص أمامك: ما عليك إلا أن تبادر

من السّهل أن تبدأ طريقك، لكن هل ستقف بعد كل عثرة؟ أم هل ستّتقد عقب كل خمود؟ أم هل ستمضي رغم كل القيود؟ أعلم حينها أنّما البدايات للكلّ، والثبات للصادقين! فإن عزمت على السير، فليكن زادك الصدق والتوكّل.
حسن التّخطيط والتدبير، سيوفر عليك الكثير في طريقك إلى النّجاح، لا بدّ من ترتيب للمعطيات، وتنظيم للوقت، وتخطيط فعّال، وتصوّر أوليّ للحالة التي تود الوصول إليها، لابدّ أن تعقلها وتتوكل.

كانت تلك الهجرة كذلك مثالًا للتضحية، فقد اضطرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، إلى مغادرة بلدهم وموطن معيشتهم، حتى فصلت مسافات طوال بين الأخ وأخيه، والزوج وزوجه، والولد ووالديه. ولنا أن نستشعر رسولنا محمدًا، وقد عزم على المسير، ونظر بحزن، ثمّ قال: "والله! إنك لخير أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجت منك ما خرجتُ" ـ رواه أحمد والترمذيّ ـ

غير أنّه ضحّى وخرج مهاجرًا. ولنا كذلك أن نقف عند صهيب الروميّ، الذي حالت قريش بينه وبين الهجرة، فقال: " أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟"، قالوا: "نعم"، قال: " فإنّي قد جعلت لكم كلّ مالي" ومضى! ثم ما لبثت أن هلّت عليه تباشير النبيّ: "ربح صهيبٌ، ربح صهيب". لن تنال ما تريد وأنت مكتوف اليدين، ولن تبلغ المجد حليفا للوسائد، لا بدّ من تضحيات عظيمة في سبيل ما تؤمن به، وما تودّ إيصاله للعالم. في كلّ قصة نجاح توجد مساحات كبيرة للتضحية، والبذل والمعاناة، ونجاحك يعتمد على مدى شجاعتك في الإقبال على هاته المساحات من غير تردّد.

صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه على مشقّة الطريق، ووعثاء السفر، وعذاب الغربة، ويقينهم بالله تعالى، وبنصره وتأييده وثباتهم وإصرارهم على حمل الرّسالة، كلّ ذلك كان سبيلًا للفتح والنصر والتّمكين. "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين". 69: العنكبوت. من السّهل أن تبدأ طريقك، لكن هل ستقف بعد كل عثرة؟ أم هل ستّتقد عقب كل خمود؟ أم هل ستمضي رغم كل القيود؟ أم هل ستتحمّل أشواك الطريق الدّامية؟ أعلم حينها أنّما البدايات للكلّ، والثبات للصادقين! فإن عزمت على السير، فليكن زادك الصدق والتوكّل.

أمّا عن المرأة المسلمة، فقد أدّت أعظم دور في هذه الهجرة التاريخية؛ في عزّ قساوة الصّحراء وطول الطّريق، وحيدة وحاملا بولدها "عبد الله بن الزبير"، كانت أسماء بنت أبي بكر تأخذ الزاد والمؤونة إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبيها، وهما في غار ثور.

تلك الهجرة العظيمة لم يأت قرارها هكذا، عشوائيًا، بين ليلة وضحاها، دون تخطيط ولا تقدير، وإنما تم تجهيز الراحلة قبل أربعة أشهر في سريّة تامة، وتم اتخاذ "عبد الله بن أريقط" كدليل عارف بالطريق، وحتى حينما عزم أبو بكر على الخروج، ثمّ قال له عليه الصلاة والسلام:" لا تعجل؛ لعلَّ الله يجعل لك صاحبًا"، فإنّه قام بتجهيز راحلتين منتظرًا إذن الخروج. وفي ليلة هجرة محمد وصاحبه، فقد تم تكليف عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنوم في فراش رسول الله لتضليل المشركين.

حسن التّخطيط والتدبير، سيوفر عليك الكثير في طريقك إلى النّجاح، لا بدّ من ترتيب للمعطيات، وتنظيم للوقت، وتخطيط فعّال، وتصوّر أوليّ للحالة التي تود الوصول إليها، لابدّ أن تعقلها وتتوكل. أمّا عن المرأة المسلمة، فقد أدّت أعظم دور في هذه الهجرة التاريخية؛ في عزّ قساوة الصّحراء وطول الطّريق، وحيدة وحاملا بولدها "عبد الله بن الزبير"، كانت أسماء بنت أبي بكر تأخذ الزاد والمؤونة إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبيها، وهما في غار ثور.

أمّ سلمة هي الأخرى مثال تحفيزيّ عظيم؛ فرّقوا بينها وبين زوجها وولدها، فانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة، وحبست هي عند أهلها، فصارت تنزل كل يوم إلى الأبطح تبكي حتى تمسي، ثم رقّ لها أحد معارفها، فأمرهم فأخلوا سبيلها، وانطلقت وحيدة مع ابنها الذي استرجعته من أهل زوجها، تقطع القفار والدروب الوعرة، وتتجاوز لوحدها، وحشة الطريق وقلة الزاد، حتى وصلت إلى زوجها. أمّا عائشة -رضي الله عنها-، فبفضلها وبفضل فطنتها، كانت المقالة، وكان سرد القصّة، وكان استلهام العبر!

أصحاب الفكر الضيّق والمحدود الذين لا يوفون المرأة حقها، ويحصرون دورها في الإنجاب، وإعداد الطعام وتنظيف البيت أقول لهم: "ما برح فهمكم الخاطئ للإسلام يجني عليكم بالكثير". الصداقة مواقف، والنّاس مواقف، والمحن تصقل معادن الآخرين وتبيّن جوهرهم. "مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار"، هكذا فضل أبو بكر -رضي الله عنه- أن يضحّي بنفسه في سبيل صديقه ويفديه بها.

وفي طريقهما المحفوف بالمخاطر، كان يتقدمه في كلّ لحظة ليتأكد من سلامة الأماكن وأمنها. وكان الناس عندما يلقون أبا بكر ورسول الله، ويسألونه عن هوية النبيّ يقول لهم: "إنّه رجل يهديني الطريق"، ونقلت عائشة عن شعور أبيها حينما جاء الإذن بالهجرة، فقالت: "لقد رأيت أبا بكر عندها يبكي من الفرح". فكأني بكل هذا أستحضر قول الشافعيّ: سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفًا.ختامًا، نعود من حيث أتينا؛ كمهاجر مقدام، كن سبّاقا مبادرًا وامض في السبيل. كل عام وأنتم في خير ونهضة وعمران وتمكين.