بنفسج

فتاة بأحلام براقة: تنتظر عصا موسى!

الخميس 27 اغسطس

"سأبقى بانتظار يومٍ جميل صنعتُه في مخيلتي". جملة رائعة، وبقدر ما فيها من الأمل والتفاؤل إذا ما قرأناها للوهلة الأولى، كذلك يمكنها أن تكون ذات وقع سلبي إذا ما أخذناها على ظاهرها فقط، ولم نبحر في خفاياها، وبين الواقع بكل تقلباته وخيال الأحلام؛ أضاعت الكثيرات أنفسهن وأوقاتهن بين الأحلام المنتظرة والجلسات الفارغة من كل فائدة، بحجة الملل والرغبة في التسلية، أو بين أمنيات وأوهام أمام شاشات التلفاز أو الإنترنت.

هذا على الأغلب هو واقع الفتاة عمومًا، وأخص بالحديث الفتاة العربية والمسلمة، وبدقة أكثر، لمن هي في عمر الزهور. الكثيرات يشتكين من الملل، ويحاولن قتل أوقاتهن، وكأن الوقت شيء عادي ليس ذو أهمية، ولا بد من قتله، لنستشعر السعادة والمتعة! المتعة ليست إلا صناعة ذاتية، ومن الظلم حصرها في مجالات محددة، إن لم تتوفر بادرنا لصناعة الملل، كل شيء نستشعره في ذواتنا، كالمتعة والملل، هو انعكاس للحشو الفكري المكرر، والذي بدوره يتنامى مع الوقت ليتضخم، ويصبح كالمارد المسيطر على مشاعرنا.

من الطبيعي أن تطوف بمشاعرنا ولو لبعض الوقت لحظات من التيه والملل والتخبط وعدم التركيز، من الأحداث والمشاعر، ولكن منا من تتدارك نفسها وتسعى بها نحو التغيير، ومنا من تتوه بين أحداث الحياة وتفقد توازنها.

ببساطة، لو استشعرت الملل، فاعلمي أنك في فراغ عقلي خال من القيمة لما تقومين به، وليس بسبب غياب أسباب المتعة، فكم من الفتيات من ملكن الدنيا، ولا زلن يستشعرن الملل، والسبب هو رسم صورة نمطية للمتعة في العقل، ورفض البدائل طواعية بأمر من العقل الباطن الذي تعود على مفهوم معين للمتعة، فإن لم يجده صور لنا فكرة الملل.

ومن منطلق العدل والمصداقية، فأنا لا ألوم الكثيرات في أحايين كثيرة، فكلنا كفتيات، أو كنساء، أو كبشر، خُلقنا بخليط من الكمال والنقص، من الطبيعي أن تطوف بمشاعرنا ولو لبعض الوقت لحظات من التيه والملل والتخبط وعدم التركيز، من الأحداث والمشاعر، ولكن منا من تتدارك نفسها وتسعى بها نحو التغيير، ومنا من تتوه بين أحداث الحياة وتفقد توازنها.

ولأن الفتيات في مقتبل العمر، ولسن جميعًا في مرحلة النضج العقلي الكامل، والذي يخولهن للحكم على الأمور بمقياس العقل لا العاطفة فقط، وفي وقت تعتقد الكثيرات منهن بأنهن عاقلات ويفهمن ويعين لكثير من الأمور من حولهن، فيرفضن النصح والتوجيه! لا ننكر أن هناك فئة من الفتيات متميزات بعقولهن وفطنتهن، وسابقات لكثير من مثيلاتهن، ولكن ليست الغالبية، إذًا ما هي المعضلة؟!

المعضلة ترتكز على عدة أمور متفرقة كانت أو مجتمعة؛ مثل الافتقار لجودة التجربة، التعليم، الخبرة، البيئة، التربية، الميول، العقلية، التوجهات، الأهداف وبعد الرؤية المتمثل في الوعي، والرغبة في التغيير، بعض هذه الصفات مكتسبة من عدة عوامل تمر فيها الفتاة خلال حياتها، فتساعد في بناء شخصيتها وصقلها، في المقابل جزء منها هو ملكة ربانية خلقت معها منذ اللحظات الأولى، فصقلت مع الوقت والتجربة والممارسة، ونمت ونضجت تزامنا مع نضوج عقلية صاحبتها.

احلمي وانتظري وتفائلي، ولكن عليك بالعمل والمحاولة، ولو طال بك الوقت، ولو تعقدت حولك المسائل، لا تتركي نفسك ضحية للفراغ والأحلام المنتظرة، لا تقوِلبي نفسك بكلمات القيل والقال، فالملتفت لا يصل، اصنعي حلمك بنفسك وانتظري مزيدًا من الواقع الجميل من باب تطبيق منهج التفاؤل كما حثنا نبينا الكريم، فالأحلام والآمال والطموحات لن تتحقق، وأنت ما زلت تحلمين، بل يجب عليك أن تسعي. فالسعي يثمر ولو بالقليل، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

ستقول بعضهن أنهن حاولن ولم يستطعن، وستقول أخريات كلها شعارات كاذبة، لا أحد يعمل مثل هذه الأمور في الحقيقة. من هنا أقول نعم هناك الكثيرات ممن يرفعن شعارات كاذبة، فلماذا لا تكونين ذات شعار المصداقية، لماذا لا تكونين شمعة بين ظلمات الوهم تضيء دروب الخير لمثيلاتها، لماذا لا تنظري لنصف الكأس المملوءة، فما شرب ذهب وأصبح في اللاعودة .

لا تكوني إمعة تميلين حيثما مال كل أحد، كلمات كنت أذكر بها نفسي أولًا من حين لآخر إن مالت بها الحياة نحو الكسل والفتور، فالنفس بطبيعتها تفتر بين الحين والآخر، وتصبح تواقة للهو واللعب، لأنها في النهاية ملوله، فحاولي دومًا ملأ فراغها.

أتذكر مما تعلمناه منذ الصغر أن الوقت من ذهب، وكما قال الحسن البصري رحمه الله: ” يا ابن آدم إنما أنت أيام، إذا ذهب يومك ذهب بعضك، فمن حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر في العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل، ومن حلم غنم، ومن خاف سلم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، ومن علم عمل، فإذا ذللت، فارجع، وإذا ندمت، فأقلعي، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فامسك، واعلم أن خير الأعمال ما أكرهت عليه النفوس راضية".

هذه المقولة لا أرى إلا أنها تكتب بماء الذهب؛ فمحاسبة النفس تكون في كل مناحي الحياة، ليست محصورة ومتقوقعة في الأمور التعبدية والدينية، بل هذه الكلمات هي منهج حياة كامل. أشغلي نفسك دومًا بالمعالي، وصاحبي عاليات الهمم، فالصداقة معدية، وأجملها ما كانت عدواه لطريق مثمر، فهناك الكثيرات ممن أعن على الخير بجميل فكرهن في كثير من مجالاته.

لا تكوني إمعة تميلين حيثما مال كل أحد، كلمات كنت أذكر بها نفسي أولًا من حين لآخر إن مالت بها الحياة نحو الكسل والفتور، فالنفس بطبيعتها تفتر بين الحين والآخر، وتصبح تواقة للهو واللعب، لأنها في النهاية ملوله، فحاولي دومًا ملأ فراغها، وسد الثغرات التي تدخل على نفسك عدم الرضا، وتحيطك بالأفكار السلبية.

ابتعدي عن السلبيات والمحبطات ذوات الأرواح القاتمة اللاتي لا تقع أعينهن إلا على النقائص، وألزميها صحبة المتفائلات، صويحبات قوس قزح، هن من يستخرجن جمال الأشياء من العدم، قيمي نفسك، وأطلقيها. من أروع المقولات التي تحدثت عن تجربة الفراغ، والذي هو طريق من طرق الملل، هي ما قاله الشيخ الطنطاوي رحمه الله:" لقد جربت زحمة الأعمال، ‏وكثرة الإرهاق، ‏فوجدت الفراغ أصعب منها بكثير".

اجعلي من الانتظار كلمة رفعة لا ضعة، وانسجي من طول الوقت حقيبة واملئيها من كل جديد ومفيد، لتستخرجيه وقت الحاجة. اصنعي فنجان القهوة وانتظري لذة مذاقه، أحيكي الكروشيه وانتظري جمال منظره، ادرسي وتعلمي وانتظري فرحة تخرجك، مارسي هواياتك ورياضاتك المحببة.

انتظري ثمرات التعب والعرق والمجهود، اسعي وانتظري نتيجة سعيك، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. وختامًا، تذكري قول الدكتور علي الطنطاوي رحمه الله، "مهما كان القادم مجهولًا افتحي عينيك للأحلام والطموح، فغدًا يوم جديد، وغدًا أنت شخص جديد".