بنفسج

كيف حولت الفلسطينيات الأعمال اليدوية إلى مشاريع صغيرة؟

السبت 05 سبتمبر

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، المتمثلة في وشُح فرص العمل، وارتفاع نسبة البطالة، اتجهت بعض السيدات والفتيات إلى تأسيس مشاريع صغيرة خاصة بهنّ، وذلك بتطوير بعض المهارات والهوايات، أو تحويل بعض الأعمال اليدوية والمنزلية إلى مصدر دخل. بالرغم من أنّ الدوافع الاقتصادية هي السبب الأهم لتأسيس هذه المشاريع الصغيرة، إلا أنّ نتائجها تجاوزت الأهداف الخاصة إلى أهداف أكثر عمومية؛ فقد ساهمت بعض هذه المشاريع في دعم المنتج الوطنيّ المحليّ في السوق الفلسطينية، خاصة تلك المتعلقة بالتراث الفلسطينيّ، فيما ساهمت مشاريع أخرى في انتشار ثقافة الاستقلال الاقتصادي عند المرأة الفلسطينية، أو رفع المستوى الثقافي والفني في المجتمع الفلسطينيّ. يسلط هذا التقرير الضوء على بعض التجارب النسائية الرائدة في عالم المشاريع الصغيرة، محاولًا الوقوف على أسباب نجاحها، وأهم العقبات التي واجهتها.

| الحفاظ على الموروث الفلسطيني

خلود نيروخ بطاقة.jpg
بطاقة تعريفية بمشروع السيدة خلود نيروخ-نجمة كنعان-.

يتعرض تراثنا الفلسطيني لحملة كبيرة لتشويهه وتزوير تاريخه، مما يتطلب من المجتمع الفلسطيني إحياءه، والحفاظ عليه، وتطوير وسائل لحمايته، وهذا ما حاولت السيدة خلود نيروخ القيام به من خلال مشروعها "نجمة كنعان". فقد قامت بتأسيس مشروعها في الخليل عام 2010، وسُجّل رسميًا في غرفة تجارة وصناعة الخليل عام 2013، وهو مشروع يهتم بالمحافظة على التراث الفلسطيني، من خلال تقديم منتجات للزبائن بما يتلاءم مع الموضة الحديثة.

تتحدث نيروخ عن بداية مشروعها وتقول: "فكرة المشروع تولدت منذ صغري؛ حيث نشأت في بيئة تحب العمل، تعلمت فيها الكثير من الأمور خاصة التطريز الذي تعلمته من والدتي وجدّتي، كما كان لوالدي فضل كبير؛ فكان يمتلك مشغلًا للأحذية والجلود، وكنت دائما أذهب معه إلى مشغله، وهذا أتاح لي الفرصة في أن أفكر في منتج يجمع بين عشقي للحقائب والجلود والتطريز".

وتضيف: "في البداية كنت أصنع بيدي كل ما أحتاجه من مطرزات وغيرها، ومن هنا بدأ حب الناس لما أصنع، وبدأوا بطلب منتجات لمنازلهم، ودائمًا ما كنت أطور من نفسي؛ فأبحث عن الأفكار الجديدة، والمنتجات المناسبة، كما أنني سجلت في عدة مؤسسات لتطوير مهاراتي الإدارية والتسويقية إلى أن افتتحت محلًا خاصًّا بمشروعي".

أعمال نيروخ.jpg
صورة توضيحية للمنتجات التي ينتجها مشروع نجمة كنعان للسيدة خلود نيروخ- مدينة الخليل

ويقوم مشروع "نجمة كنعان " على إنتاج الشالات المطرّزة بكافة الأشكال، والأحجام، والألوان، والتصاميم القديمة، والحديثة، بالإضافة إلى الحقائب متعددة الأحجام، والألوان، والاستعمالات، كما يقوم بإنتاج الإكسسوارات الشخصية والمنزلية بأنواعها، بالإضافة إلى كافة أنواع الأزياء التراثية، مع العلم كل هذه المنتجات تنتج مصبوغة بصبغة التراث الفلسطيني الأصيل.

وعن أهداف المشروع تقول نيروخ: "يهدف مشروع إلى الحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني، ومحاولة إحيائه بأسلوب عصري وأنيق ومتقن، كما أن عملنا هذا هو رسالة تحدّ وصمود للتراث الفلسطيني، ولتاريخنا العظيم للحيلولة دون سرقته وضياعه، عدا عن ذلك، يقوم المشروع على تشغيل وتدريب العديد من السيدات الفلسطينيات لتحسين دخل أسرهنّ، وتمكينهنّ في المجتمع المحلي وتحقيق ذواتهن، لأن كل ذلك يساعد على اتخاذ دور إيجابي وفعّال في المجتمع والأسرة ".

نيروخ كنعان.jpg
صورة من مشاركة مشروع نجمة كنعان في أحد المعارض المحلية

فازت السيدة خلود نيروخ بعدة جوائز ومسابقات، منها فوزها بمسابقة (medneta) من مؤسسة حوض البحر الأبيض المتوسط لتعزيز الإبداع من مجلس الحرف العالمي، بالتعاون مع جامعة بيرزيت، وقد أتاحت لها هذه المسابقة ابتكار منتج جديد في عالم الجلود والحقائب المطرزة، وهو تثقيب الجلد والتطريز عليه مباشرة، وإضافة تصاميم جديدة عليه، وتم تكريمها لمنتجها (حقيبة بورصا) بمتحف أثري في أوروبا، وأخذت الخليل بعدها لقب مدينة حرفية لعام 2016.

وعلى قدر أهمية المشروع، وعظم أهدافه يكون اسمه، فنجمة كنعان هي أول نجمة طرزتها السيدات الكنعانيات على أثوابهنّ، وأخذنّ شكلها الثماني من كوكب الزهرة الذي يسطع في السماء. واعتبرت من الأسس الرئيسية لفن الزخرفة الإسلامي، بل لا تزال هذه النجمة لها اعتبارها في فن التطريز الفلسطيني. ويُعتبر هذا الفن الهندسي من الأعمال الفنية القديمة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 4500 ق.م .

| استقلال اقتصادي

صامدين عمايرة.jpg
أحد منتجات مشروع صامدين عمايرة لصناعة الحلويات منزليًا

تسعى بعض السيدات إلى الاستقلال الاقتصادي، وتحقيق نوع من الاستقرار المادي. صامدين عمايرة أسست مشروع تصنيع الحلويات منزليًا، تقول صامدين عن بدايتها في مشروعها: " كنت أهوى المطبخ من صغري، وخاصة صناعة الحلويات، ولكن الهواية وحدها لا تكفي؛ لذلك سجلت في دورة مكثفة لصناعة الحلويات لمدة 3 شهور، ودورة أخرى لصناعة الكعك لثلاث شهور أخرى في أحد المعاهد المهنية في الخليل، وبعد الانتهاء من الدورتين، قررت تأسيس عملي الخاص في منزلي، وقمت بالترويج لنفسي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكي يتعرف الناس علي، وما أنتجه، وبفضل الله أصبحت معروفة عند الناس، ووجدت قبولًا كبيرًا لما أصنعه، كوني حريصة على الدقة والاتقان والذوق والنظافة. وما ساعدني بشكل كبير كوني أسكن في قرية صغيرة، وطلب الحلويات لمناسباتهم وحفلاتهم، من مركز كان يتطلب وقتًا طويلًا، أما بعد هذا المشروع، فقد أصبحت الأولى التي تصنع الحلويات في القرية لجميع مناسباتهم."

وتضيف عمايرة: "الوضع المادي الصعب الذي كنت أمر به أنا وعائلتي دفعني إلى تأسيس مشروعي، وتطوير مهارتي في صنع الحلويات، كما أنني كنت أسعى لتحقيق نوع من الاستقلال المادي في سبيل تحقيق طموحات أخرى في المستقبل، ومن هذه الطموحات، افتتاح محل حلويات خاص بي، وتعليم تصميم الأزياء". وعن المعوقات التي واجهتها تقول: "أحد أكبر المعوقات، هو المسافة الطويلة في المواصلات بين قريتي ومكان الدورة، بالإضافة إلى تكاليف الدورة، ولكن تجاوزت كل المعوقات في سبيل تأسيس مشروعي وتحقيق ذاتي".

| الفن في مشروع

وعد مناصرة.png
بعض المنتجات اليدوية للمشروع الخاص بالفنانة التشكيلية وعد مناصرة- الخليل

وعد مناصرة فنانة تشكيلية من الخليل، قررت استخدام موهبتها في مشروع صغير، تقول: "موهبتي بدأت منذ الصغر، أخذت عدة دورات وطورتها، وعندما وصلت للمرحلة الجامعية، درست الفنون لتطويرها أكثر". بعد الانتهاء من الدراسة، قررت فتح مشروع خاصٍ بي، ويقوم مشروعي على الرسم على المواد الخام، كالزجاج والخشب والملابس والشمع والرسم على الجدران والأواني المنزلية، بالإضافة إلى رسم الحنّاء ورسم لوحات شخصية وتصميم خشبيات، عدا عن تصميم الإكسسوارات وغيرها، وأقوم بعملي في مرسم خاص بي.

وتضيف: "لم يكن الأمر في البداية سهلًا، فقد وجدت صعوبة في إيجاد محلٍ لافتتاح المَرسم، ولكنّ الدعم لي من الأهل والأقارب والأصدقاء، ساعدني كثيرًا، وما شجعني على الاستمرار أكثر، بأني وجدت إقبالًا من الناس على ما أنتجه من منتجات محلية، وأنها بدأت تتقبل الفن وتحبه".

وعد.png
من أعمال الفنانة التشكيلية وعد مناصرة- مدينة الخليل

وقد شاركت وعد في عدة معارض فنية، منها معرض إبداع في المملكة الهاشمية الأردنية عام 2015، ومعرض بصمات شبابية عام 2012، بالإضافة إلى ورشات الفن التشكيلي التي يقيمها مركز المعلومات البديلة، والتواجد الدولي في الخليل لمدة 6 أشهر عام 2013 ، عدا عن مشاركتها في أطول سلسلة فن تشكيلي بالعالم لرسم القرى المهجرة في رام الله والخليل عام 2016 .

شكلت هذه الأمثلة لبعض المشاريع الصغيرة نموذجًا للتدليل على محاولة المرأة الفلسطينية، إيجاد حلول لبعض المشكلات التي تواجهها، باستخدام عناصر وأدوات أولية، لا تتعدى في كثير من الأحيان إبرة الخياطة، أو أدوات المطبخ. كما وتدلل على محاولتها للمزج بين موهبتها وأحلامها، في مشاريع تساعدها في تحقيق ذاتها وتنمية قدراتها. أما على الصعيد العام، فقد ساهمت بعض المشاريع النسوية في إحياء التراث الفلسطيني، ودعم المنتج المحليّ، وفي الوقت ذاته، فتحت هذه المشاريع آفاق جديدة أمام المرأة في المجتمع الفلسطيني، وشجعت النساء لاتخاذ خطوات أكثر جدية في هذا السياق، الأمر الذي يتطلب تشجيع ودعم المجتمع على الصعيدين الرسميّ والأسري.


 المصادر والمراجع

 [1] نيروخ، خلود.(10-2-2018)." الحديث عن مشروع نجمة كنعان".(الباحثة، مقابلة شخصية).

 [2] عمايرة، صامدين.(12-2-2018)."الحديث عن الاستقلال الاقتصادي للمرأة".(الباحثة، مقابلة شخصية).

 [3] مناصرة، وعد.(13-2-2018)." الحديث عن المرأة والفن".(الباحثة، مقابلة شخصية).