بنفسج

الحنين إلى الماضي: متجر الذكريات السعيدة

السبت 12 سبتمبر

 

خلف الأبواب العتيقة ذكريات جميلة، البيت القديم، صخب الأطفال، سرير يجتمع عليه كل أفراد العائلة لقص الحكايا، رائحة القهوة العبقة تملؤ الجلسات المسائية السعيدة، ومذاق الطعام اللذيذ نتشاركه مع الأحباب حول المائدة، كلها تختصر في عبارة واحدة، الحنين الى الماضي. يحن المسن إلى شبابه، والشاب الى طفولته، والمهاجر الى بلده. وجميعًا، نحن إلى شيء ما، في زمن ما.

تلك العاطفة القوية التي تداهمنا حين نسمع موسيقى قديمة، أو نشم رائحة مألوفة، أو نرى صورة معينة. أحيانًا، تكون محفزات الحنين، مفاجآت غير متوقعة. وفي بعض الأحيان، نبحث نحن عنها كوسيلة لجلب الراحة والمشاعر السعيدة، هو شوق حلو ومر. حلو، لأنه يسمح لنا باستعادة الأوقات السعيدة للحظات؛ ومر لأننا ندرك أن تلك الأوقات لا يمكن أن تعود أبدًا.

| الحنين لمواجهة عدم اليقين

 
أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم ميل أكبر للحنين، هم أكثر قدرة في التعامل مع الشدائد، لأنهم مستعدون لطلب الدعم العاطفي والمشورة والمساعدة العملية من الآخرين.
 
في النهاية، عندما نركز على تجارب حياتنا الخاصة، نعود إلى متجرنا للذكريات السعيدة، فيكون بذلك الحنين إلى الماضي أداة مفيدة، وطريق لتسخير الماضي، داخليًا، لتحمل التغيير وخلق الأمل في المستقبل.

التغيير هو الأصل في الحياة وليس الاستثناء، هناك تغيير في كل جانب من جوانب عالمنا، من النمو الجسدي إلى التقدم العلمي. ومع ذلك، يتوق الناس إلى الاستقرار، فالتغيير قد يهدد نفسيتنا، خاصة حين لا يكون متوقعًا أو مجهدًا، لأن قدرتنا على التحكم في المواقف، تعتمد على درجة معقولة من القدرة على التنبؤ بها.

لذلك، يعتبر الحنين الى الماضي قوة استقرار في مواجهة عدم الاستقرار، فهو يظهر في تلك الأوقات التي يهتز فيها عالمنا. أحداث صعبة في بلداننا، هجرة إلى بلد جديد، أو تغيرات في مراحل العمر. وهكذا، غالبًا ما يتزامن الحنين إلى الماضي مع عدم الرضا العميق عن الحاضر، وتفضيل الطريقة التي كانت عليها الأمور منذ زمن بعيد. إنه نوع من مواجهة عدم اليقين، التوتر أو التعاسة.

يمكن أن تكون ذكريات الحنين قوة استقرار، تقوي إحساسنا بالاستمرارية الشخصية، وتذكرنا بأننا نمتلك مخزنًا من الذكريات القوية المتلاحمة بعمق مع هويتنا.

 يصف الدكتور النفسي رودريك بيترز الحنين الشديد بأنه منهك، وهو شيء "يستمر ويتعارض بشكل عميق مع محاولات الفرد للتكيف مع ظروفه الحالية". ومع ذلك، يمكن أن تكون ذكريات الحنين قوة استقرار، تقوي إحساسنا بالاستمرارية الشخصية، وتذكرنا بأننا نمتلك مخزنًا من الذكريات القوية المتلاحمة بعمق مع هويتنا. فالشخص الذي استمع إلى قصص جده وهو طفل صغير، وشارك مغامرته مع الأصدقاء في المدرسة الثانوية، هو شخص يدرك أهمية العلاقات الإنسانية في حياته، وهذا الأمر من شأنه أن يريحه خلال الأوقات العصيبة.

فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم ميل أكبر للحنين، هم أكثر قدرة في التعامل مع الشدائد، لأنهم مستعدون لطلب الدعم العاطفي والمشورة والمساعدة العملية من الآخرين. في النهاية، عندما نركز على تجارب حياتنا الخاصة، نعود إلى متجرنا للذكريات السعيدة، فيكون بذلك الحنين إلى الماضي أداة مفيدة، وطريق لتسخير الماضي، داخليًا، لتحمل التغيير وخلق الأمل في المستقبل.

| نريد ماضينا أن يعود إلينا

حنين1.jpg

كأطفال، عشنا الحياة مليئة بأحلام، مليئة بالأمل، والوعد، وحرية التمتع بكوننا ابنًا أو ابنة أو حفيدًا دون شروط. حينها كانت الحياة تبدو دون قسوة، أو معاناة، أو خيانة، أو خسارة. إذا تمكنا من السفر عبر الزمن، فسنرغب في أن نعيد إلى حياتنا الآن أفضل ما في ماضينا -أولئك الذين أحببناهم، وعائلتنا، والقدرة على القيام بالأنشطة التي قمنا بها من قبل، والطريقة التي كان بها الناس، وبراءتنا في عدم معرفة الأشياء الحزينة أو السيئة. لكننا سنفضل أيضًا الاحتفاظ بعض الجوانب الحالية من حياتنا، كالنضج، والقدرة على التعامل مع الأمور بمرونة، والامتيازات المادية، والاستقلالية وغيرها.

إذن، إن أكثر ما نفتقده في ماضينا يعكس جوانب حياتنا التي كانت لها قيمة دائمة. تلك الجوانب التي تزيد أهميتها مع مرور الوقت، لأننا مع تقدمنا ​​في العمر، سنكون قد وصلنا لمعاني أعمق في فهمنا للحياة. على سبيل المثال، نتمنى أن نتمكن من الجري في الغابة مع أصدقاء طفولتنا مرة أخرى، أو نفتقد الجلوس حول طاولة العائلة، ومشاركة القصص، أو النكات، أو الذكريات، أكثر بكثير من الألعاب، أو الهدايا باهظة الثمن التي كنا نحلم بها ونحن صغار.

ونختم القول، بأنه من خلال تفكيرنا في أفضل ما في ماضينا، يمكننا أن نجد ما يجب علينا الآن الاحتفاظ به واستعادته وإعادة بنائه. لذلك، علينا استغلال قوة الحنين لتغذية قدرتنا على مواجهة مخاوفنا والتصدي للتحديات، بدلاً من حبس أنفسنا في الماضي. وهكذا، لن تعيقنا هذه المشاعر القوية طالما أننا نستخدم أفضل ما في ماضينا لإعادة اكتشاف ما سيظل له معنى حقًا في حاضرنا.