بنفسج

عزيزتي فرجينيا وولف: لا غرفة لها وحدها ولا دخل شهري!

الثلاثاء 22 سبتمبر

غرفة للمرأة، وحدها، ودخل شهري ثابت، هو ما تحتاجه امرأة مبدعة، لتستطيع مواصلة إنتاجها الفكري والإبداعي من خلال الكتابة، هذا ما افترضته الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف في مقالها الطويل "غرفة للمرء وحده"، والذي يُعد مانفيستو الحركة النقدية النسوية في بداية الربع الثاني من القرن العشرين.

للإنصاف، الأمر منطقي، على الأقل نظريًا، فإذا حصلت المرأة على مساحتها الخاصة، ودخل يؤمن احتياجاتها واحتياجات عائلتها، سيكون من الممكن أن تستأنف كتاباتها، صحيح؟ في غزة، للأسف لا؛ حتى حين تعيش النساء في بيوت ذات مساحة كبيرة نسبيًا، تكون هذه البيوت مقسمة وفق العادة السائدة لنصفين، نصف للمعيشة والنصف الآخر للضيافة، فنحن شديدو الكرم، نفكر بضيوفنا وراحتهم أكثر مما نفكر براحتنا الشخصية.

وأمر آخر، فرجينيا وولف كانت تعيش في إنجلترا، حيث تعتبر الخصوصية والتباعد بين البيوت سمة سائدة، خصوصًا في الزمن الذي عاشت فيه، وهذا يختلف عن واقع الأمر في غزة مدينة المكعبات الإسمنتية التي لا يراعي سكانها مفاهيم الخصوصية أو التباعد عند تصميم بيوتهم!

فرجينيا أيضًا لم تجرب أن تكون موظفة تناضل من أجل الحصول على حقوقها الوظيفية والمالية، فهي من أسرة غنية، ونشرت كتبها في دار النشر الخاصة بها، في حين لا تجد كاتبات هذا الزمان، وفي هذا المكان تحديدًا، دار نشر تحترم إبداعهن وتعطيهن حقوقهن المالية.

فإذا قررت الكاتبة الغزية أن تستخدم خيالها الخصب، مثلًا، لتفترض أن غرفة الضيوف هي غرفتها الخاصة، واستخدمتها للكتابة سيكون لديها تحد كبير، لتستطيع التركيز في نص تكتبه أو تقرؤه، بينما ينادي بائع الكلور والكعك، وتوبخ الجارة ابنتها صباحًا، وبينما ينادي بائع الغاز، ويتعارك الصبية في الشارع مساءً.

"ودخل شهري ثابت"، فرجينيا أيضًا لم تجرب أن تكون موظفة تناضل من أجل الحصول على حقوقها الوظيفية والمالية، فهي من أسرة غنية، ونشرت كتبها في دار النشر الخاصة بها، في حين لا تجد كاتبات هذا الزمان، وفي هذا المكان تحديدًا، دار نشر تحترم إبداعهن وتعطيهن حقوقهن المالية؛ العرض الوحيد لكاتبة مبدعة كتبت رواية أو كتاب أو مجموعة قصصية تستحق النشر، هو عقد احتكار مجاني يعطي كامل الحقوق أو معظمها لدار النشر.

باختصار، قبل قرن من الزمان في إنجلترا كان هناك غرف ذات خصوصية في البيوت الإنجليزية يمكن للمرأة أن تستخدمها إذا قاتلت من أجل ذلك، وكان هناك دخل يمكن أن تحصل عليه لو سُمح لها أن تعمل، وكانت محرومة من ذلك لأن المجتمع الأبوي هناك كان ينكر عليها ذلك، على اعتبار أن هذه ميزات يختص بها الرجل وحده.

أما في غزة وأخواتها من مدن الملح، فلا يوجد غرفة خاصة للمرأة، وإن وُجد لها دخل، فلن تستطيع التحكم به بشكل كامل؛ لأنه من وجهة نظر المجتمع الأبوي هنا: لا أهمية لأن تكتب أصلًا! برغم أن الأمر يكاد يكون مستحيلًا، تجد كاتبات غزة مساحة لهن، في غرف الضيوف، أو فوق أسطح المنازل، أو على طاولة السفرة، أو حتى طاولة المطبخ، يقرأن ويكتبن؛ لا توقفهن أصوات الباعة، أو شجارات الصبية في الشوارع، لأن صوت حاجتهن الملّحة للبوح أقوى وأعلى.

وبرغم أن الدخل في غزة معضلة معقدة، تجد كاتبات غزة دومًا طريقة للحصول عليه، قد يعملن في مجالات لا يفضلنها، ليوفرن أمانًا ماليًا يحتجنه، يقبلن تحديات الحياة واحدًا تلو الأخر، ويدخلن معتركاتها طواعية، بحثًا عن الخبرات ومنابع الإلهام، ويُخرجن صورًا جمالية شفافة تنقل أهوال هذه الحقبة البشعة من الزمن.

عزيزتي فرجينيا، من المرجح أن تكون قلوب بعض كاتبات غزة بنفسجية اللون، تقاتل حمرة الحياة فيها زرقة الاختناق، لكنها تنبض بعنفوان يليق بالمحاربات، كاتبات، كسرن المرايا وشققن الجدران، ولم تعد عيونهن تعكس غير تفردهن، تُولد نصوصهن بكامل ألقها، جاهزة لتأخذ مكانها وسط نخبة ما صدر من إبداع، وللمصادفة، لا تملك معظمهن غرفة وليس لأكثرهن دخل خاص.