بنفسج

ليان شوابكة: كل ما في الروح!

الثلاثاء 06 أكتوبر

قبل خمس سنوات "2004"، ليان عبدالعزيز شوابكة، من مواليد القدس في نيسان/أبريل عام 1986. لا يمكن أن تذكر ليان بمعلوماتها البيلوغرافية التي يمتلكها كل الأشخاص، إذ لا يمكنك أن تلتقي بليان لحظة ولا تفكر بها أبدًا. تتجدد في ليان آنات مختلفة ومميزة تكاد تكون عابرة للزمان. فهي ذات نظرة حادقة وواثقة وتدرك وقع خطاها في الزمان والمكان المناسبين!

لم نكن نفرّق بين ليان وشقيقتها التوأم التي قاسمتها الملامح والتفاصيل، حتى تعرفنا عليها جيدًا، فما تريده ليان وتشير إليه بعينيها العسليتين مختلف عما تراه شقيقتها "رزان"، وبعد ذلك بفترة، صار الحجاب الذي ارتده ليان حجة بيّنه لا جدال فيها على أنها "هي" هي ولا أحد سواها. حاضرة بقوة... وبانتظام!

| الفنانة الصغيرة

 
ليان عبدالعزيز شوابكة، من مواليد القدس في نيسان/أبريل عام 1986. لا يمكن أن تذكر ليان بمعلوماتها البيلوغرافية التي يمتلكها كل الأشخاص، إذ لا يمكنك أن تلتقي بليان لحظة ولا تفكر بها أبدًا. تتجدد في ليان آنات مختلفة ومميزة تكاد تكون عابرة للزمان. 
 
إذ تحمّل ليان لوحاتها حضور الواقع الإنساني بكل تجلياته وتفاصيله، بحيث يحاكي العمل الفني لديها واقعًا عميقًا يظهر في المشهد البصري الذي تصنعه بأسلوبها الخاص وهويتها التي تظهر في كل لوحاتها. 

قبل أربع سنوات "2005، لم تتسع الهندسة المعمارية للاحدود التي كانت تحلّق فيها الفنانة التشكيلية الشابة ليان، كنا ندرك ذلك حقًا، كانت ليان تمتلك حدود مشروعها ولا حدود إبداعه، ما أعنيه هنا أنها كانت تحلم بمشروع في محتوى موضوعي يتمثله الفن وينقله إلى عالم الفرجة، يلتصق بأفكار المتفرج وهمومه وأفكاره، بحيث تحيله إلى تمثلات تاريخية لا تزول.

إذ تحمّل ليان لوحاتها حضور الواقع الإنساني بكل تجلياته وتفاصيله، بحيث يحاكي العمل الفني لديها واقعًا عميقًا يظهر في المشهد البصري الذي تصنعه بأسلوبها الخاص وهويتها التي تظهر في كل لوحاتها. وقد كانت ليان كذلك قارئة ومتذوقة للأدب، وكذلك لها تجارب في الكتابة منذ الطفولة حيث تظهر لها مقالات في الصحف الفلسطينية في السادسة عشر من عمرها، وبدت صاحبة قلم جيد ومتمكن، ولا بد يمتلك حلمًا.

عام 2005 لم تكن البدايات الحصرية لليان، بل كانت لها لوحات أولى خاصة لم تعرضها سابقًا، والمتتبع للتطورات الفنية لدى ليان يدرك أنها منبع تفكير وجودي لا يتوقف، في المبدأ والوجود والجدوى، وأخرى أسئلة عقيمة تحاول ليان خرق المغلق منها والنفاذ من خلاله إلى عوالم الميتافيزيقا، لتجلب منها تجل جميل!

كان المعرض الأول لليان بالتعاون مع اللجنة الفنية في مجلس الطلبة آنذاك، حيث أخذت ليان على عاتقها تصميم فكرة المشروع وتنفيذه بالكامل. وقد نجحت في ذلك بالرغم من كل المعوقات المحيطة، وأولها عدم اعتياد الطلاب على أشكال فنية جديدة، أو حتى كون الحالة الفنية طارئة على المجتمع الفلسطيني، خصوصًا التشكيلي منها.

كانت اللوحات مفعمة بالألوان وتعبّر عن هوية ليان التي كانت في طور النشوء، الذات التي تبحث عن سبيل في الخطوط البصرية والألوان، والوجوه. أذكر منها اللوحة المركزية "نور السموات والأرض" ولوحات أخرى أصغر منها حجمًا، والمساندة للوحة الأولى في الشكل والموضوع. ومن ثم تبعه معرض آخر في عام 2006 "مما في الروح" الذي أقيم في متحف جامعة بيرزيت، وعرضت لوحات ليان إضافة إلى لوحات أخرى جديدة.

| الهوية الفلسطينية

44 (2).png

قبل ثلاث سنوات "2007"، عندما يدرك المرء ذاته حقًا فإنه يسلك مسلكًا يوائمها، ربما كانت تعتقد ليان أن تخصص الهندسة المعمارية قد يعنيها على تطوير موهبتها، وربما اعتقدت أنه طريق بديل لممارسة الرسم وإيقاع بديل يستدرج الخطوط والتداخلات والأشكال الفنية. لكنها علمت لاحقًا أن حدود العمارة لا تتسع لخطوطها "هي".

لذلك لا بد من البحث عن مساحة خاصة فسيحة، فسحة جدًا تتسع لمحمولاتها الفنية. هذه المحمولات لم تكن لتتميز بالصورة التي ظهرت عليها لولا فلسطينيتها، أو إذا أمكننا القول جزء الذات التي كانت تبحث عنها ليان ولم تستطع الإدراك دونها. حيث التحقت ليان بالفضاء الفني من خلال "الأكاديمية الدولية للفنون" الكائنة في مدينة البيرة. حيث جسدت هويتها المتطورة في مشروع " أجساد هشة" التي أُقيمت في قاعة موزاييك في لندن في معارض جماعية لمختلف الطلبة.  وبالطبع، فإن أعمال ليان تميزت من بين الأعمال المشاركة بوجوديتها الفلسطيني في الحضور والغياب، في الألم والأمل.

قبل سنة واحدة "2008"، كانت ليان قد حصلت في أعوام سابقة على جوائز عن أعمال ومسابقات فنية مثل "جائزة الإبداع الفني" من جامعة بيرزيت، وجائزة "الفنان الشاب" عن مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله. وذلك عن مجموعتها الفنية المتمثلة في أربع لوحات "فقد"، وهي المجموعة التي شاركت بها في معرض لندن وحازت على إعجاب النقاد والفنانين والعالميين. تقول ليان عن مجموعتها فقد بأن:

"فرادة الوقع الإنساني الذي يحدثه الفقد، و بثقل وطأته على الجسد وكثافة حضوره في فضاءاتنا، ينبثق «فَقْد» في محاولة لإعادة أنسنة مشهد جُرّد حدثه من صفته الإنسانية، وسُلب شخوصه وقع فاجعتهم. وينبثق أيضًا، ليعيد تعريف الفقد، فلا إقصاء للمفقود ولا عجز أو نقصان للجسد. وإنما عالم جديد يصاغ فيه الفاقد والمفقود في مشهد يتفشى في تراكيبه الغيبية المتخيلة حضور الفقد بأقصى معانيه وتأويلاته.

 

يتجسد المفقود في أحيان عدة على صورة الرحم المنتفخ، فحضور هذه الصورة هو حضور الفقد في الفاقد وحضور الحرمان في المحروم، وحضور الألم في المتألم، وبإيجاز، أقول بأنه تداخل عوالم مختلفة في مشهد يكرس فعل المواجهة بين الطرفين ويرصد الانفعالات المنبثقة.

 

| لوحاتها الفنية

 

46 (2).png

يتناول عمل «نساء غزة» وهو العمل الأضخم في المجموعة المكونة من أربع لوحات مختلفة الأحجام؛ مشهدًا لموتيفات واقعية تتكشف فيها الملامح القاسية لصورة الفقد بوقع صارخ وقوي، فمن بين كل مشاهد الانتفاضة التي أقحمت نفسها في الحياة الفلسطينية اليومية، ينبثق مشهد النساء اللاتي يبكين موت أعزائهن مسيطرًا على فضائه الفني في المشروع، إذ سعى العمل إلى طرح المشهد في محتوى فني مختلف، وعلى صورة استثنائية مغايرة لفضاءات فنية أخرى احتوت هذا المشهد بالتحديد.

 

تستند اللوحة إلى مرجعيات بحث خاص فيها، كأرشيف الصحف المحلية الذي جمعت من خلاله صورًا متنوعة ومختلفة لنساء في مشهد مثقل بالصمت أحيانًا، وبالبكاء وبالصراخ أحيانًا أخرى، مكونة بذلك الخلفية الأساسية والأولية للتصورات الفنية لعناصر اللوحة. وظّف هذا المرجع لتلبية معايير هامة في اللوحة، كالحجم والتكوين البصري، وعلاقة المتفرج باللوحة وغيرها، لإكسابها ملامح فنية تاريخية، وبعدًا عميقًا مؤثرًا.

 

وأما الأعمال الأخرى، فتعتمد أيضًا على بحث ومرجعيات أخرى، حاولتُ من خلالها تطوير أسلوب فني معيّن معني بإظهار تفاصيل المشهد البصرية الحسية، اهتمامه بنقل الانفعالات النفسية بعناية، وقصدية مدروسة بعيدة عن العشوائية، واعتمدت في تكوين المشهد على صور مصدرها خيالي الشخصي، مع الحفاظ على وجود موتيف يتكرر في المشاهد كلها ضمن نسق فني موحد. استمر العمل في المشروع إلى ما يقارب العام، بما في ذلك من بلورة وتحضير وبحث ودراسة وتنفيذ، في محاولة لدفع المشروع إلى أقصاه من حيث المحتوى الفني والموضوعي".

 

45 (2).png
 

قبل أقل من سنة "2009"، شاركت ليان في العديد من ورش العمل والفعاليات الفنية في دول مختلفة كالنرويج والصين، كما حصلت ليان على منحة دولية لدراسة الفنون الجميلة في جامعة مالمو في السويد. وكان من المفترض أن تشارك ف معرض فني دولي في  (إنترناسيونال سيتي ديزارت) في باريس.

قبل شهر واحد "19-10-2009"، تقول ليان في دفتر سكتشات خاص بها وقد رسمت عليها بعض الخطوط والأشكال وأشخاص ذوي بطون منفوخة -تشبه لوحتها فقد- " في كل مرة أحاول أن أتخطى مشروعي السابق، أعود مجددًا بشكل لا واع إلى ما سبق، إلى ذات التراكيب، ذات الوجوه، ذات الجسد، كل شيء يشدني إليها. جسدي ما عاد جسدي وأنا ما عدت أنا. أصبحنا منفصلين، يصارع أحدنا الآخر. أقول جسدي ما عاد ملكي..هذه البطن المنفوخة وهذا الجلد..ليس ما أريد..ليس ما أريد. دعوني أجود على جسدي وحدي. لا أدري معنى انتصاري إذا انتصرت، وإن انتصر كيف يبقى وأنا أغيب، أغيب. جسدي الذي ...ليس ضعيفًا، ليس ضعيفًا البتة!!

لا معنى للزيادة على ما قالته ليان وروحها حاضرة بقوة! ليست ضعيفة، ليست ضعيفة البتة، وهي تحلق في فلك الغيب! غيبها مرض السرطان في عمر صغير جدًا. استعجلت ليان الرحيل، وهي كالخالدين؛ بقيت جسدً وروحًا بيننا!