بنفسج

في ساعتك الكونية.. تسرب كطيف إلى داخلك

السبت 09 يناير

أنْ لا تملك شيئًا، تعيش في مساحة مُكتظّة فارغة، وحيدًا مُمتلئًا بك، مُتناسيًا كُل التفاصيل، مُتجرّدًا من كل وسائل الانتظار. وأثقل من ذلك، بعيدًا عن كل أساليب التَّأقلم، يَسكُنك إيمانك الخاص بك، تصارع دواخلك، وتواجه مهدِّدات الانطلاق، مُتحفّزًا تارةً، ويائسًا تارة أخرى، خارجًا عن التصنيفات، وخارجًا حتى عن مفهوم "الخارج".

لا تؤمن بالصُدف، تَستَجوبُ القدر في إطار إيمانك اليقيني، في نِداءاته وصُراخه وصَدى سَلبِه أشياءَ كثيرة منك، إعطائه لك أشياءً أكثر، تُعاني من تعاسةِ الوجود الدنيوي الخاضع للاشيءْ، ومن ضياع المجهودات سُدىً. كذلك من ترتيب الأولويات. لست تدري كيف تصل قمة التسلل، ولست تعرف كيفية حسم الأمور في مجراها الصحيح، بين معايير الأفكار المُجرّدة إلى عالم التجارب الإنسانية مُسيطرًا عليك ما يُسمى "ملكوت الواقع".

لتُدرك أنَّ كل الاشياء التي يتوجّه إليها الإنسان وَحدَهُ هي التي تَصنَعُه لأن الإنسان حين يعيش في سياق عائلة وإخوة مستغلًا لفكرة راحته، وسياق اجتماعي عريض من الأصدقاء والمعارف يشاركونه مناسباته في الفرح والحزن.

إنّ ما يحتويك هنا هي الساعة الكونية، الوقت الذي تصنع فيه مقاييسك المختلفة، واختلافاتك التي ترسم بها تحركاتك، نظريتك النسبية حينما تنظر إلى الأشياء في موازين ليست متشابهة، من منظور لا يشبهك على الإطلاق، ومن أركان الكون المختلفة الذي يحتوي زمن وأماكن وحركة، تاركًا لك مساماتك الخاصة لتضع فيها ما تريد أن تكون.

لتُدرك أنَّ كل الاشياء التي يتوجّه إليها الإنسان وَحدَهُ هي التي تَصنَعُه لأن الإنسان حين يعيش في سياق عائلة وإخوة مستغلًا لفكرة راحته، وسياق اجتماعي عريض من الأصدقاء والمعارف يشاركونه مناسباته في الفرح والحزن. رغم أنّ قرب الإنسان من مجتمعه يعطيه الكثير من شعور الامتنان، إلا أنَّ آليات الفكر الذي تَكَرَّمَ الإنسانُ فيها بأصلِ وجوده، تصبح ضامرة، تحتويه الكثير من الدوافع والعضلات الفكرية لكنها غير مستخدمة، فكل هذا عائق أمام تطوّر الإنسان واستقلاليته -بشكل ما- لأنه يعيش بنفسية -المتكل- والمُتكل لا يتطور.

إنه حين يبتعد عن هذا السياق الاجتماعي سيضطر لمواجهة كل شيء يتوجب عليه القيام به بنفسه للاعتماد على الذات – يٌفتّش ويلاحظ ويتنبأُ ويكتشف أبعادًا خفيّة في نفسه لا يجدها في فكرة الاتكال الدائم على السياق الاجتماعي الواسع، والذي يجعله بفكرٍ محصور.

لذلك، أقف دائما في صف مواجهة الانسان بنفسه، لأنّ في هذا نضوجه ورفع الجهل عنه، وديمومة إنباته لأشياء لم يكن يدري أنّ بذورها تنشّفت فيه، لأن يربط بعضه على بعضه، لينقل عالمه من الظلام الى شبه الظل ثم إلى الضوء.