بنفسج

تتبع تاريخي: كيف أثّرت النسوية على صورة المرأة في أفلام "دزني"؟

الثلاثاء 19 يناير

في مملكة ديزني لاند السحرية تتدفق شلالات الضوء في سماء الليل، وتظهر القلعة متألقة بين الأضواء النارية المتلألئة بالألوان الزرقاء والبنفسجية. هذا المشهد يظل مقدسًا في أحلام الطفولة، فمنذ ولادة استوديو الرسوم المتحركة التابع لشركة والت ديزني، أصبح هناك جمهورًا لا يُحصى من الأطفال، مفتونين بعلامة ديزني التجارية، التي تمثل عالمًا منفصلًا عن الواقع، يترأسه الملوك، وتزدهر فيه الشعوذة.

لكن البريق اللامع لفانتازيا ديزني الكلاسيكية يخفي سمًّا ينكشف من خلال الصور النمطية للأميرة الجميلة في حكاياتها، فعلى الرغم من أن شخصيات الأميرات تشكل جزءًا من ذاكرة الطفولة الجميلة، إلا أنها تخفي وراء سحرها العاطفي ضغوطًا نحو الإخضاع والتدجين، تتماشى مع التقاليد السائدة التي تواجهها النساء في المجتمع.

| صورة المرأة في "ديزني"

أميرات4.jpg

لمواجهة الواقع الأبوي، دعا الكثير من الأمريكيين إلى تمتع النساء بحقوق وفرص مماثلة لنظرائهن من الرجال، ويمكن تصنيف مثل هذه الأعمال التي تطمح إلى التغيير المجتمعي إلى أربع موجات منفصلة من النسوية في تاريخ أمريكا، حيث كانت الموجة الأولى معركة حق المرأة في التصويت التي اشتعلت في جو سياسي ليبرالي، وجو التحضر الذي ساد أواخر القرن التاسع عشر.

تابعت الموجة الثانية التي أشعلتها حركات الحقوق المدنية الدفاع من أجل حقوق الإنجاب والحياة الجنسية، وإنهاء التفاوت في المعاملة الاجتماعية بين الجنسين داخل المنزل ومكان العمل. أما الموجة الثالثة من النسوية فقد ركزت على الفردانية، في حين أن الموجة الرابعة التي امتدت حتى يومنا هذا، استهدفت العقليات المعادية للمرأة التي تصاعدت إلى التحرش والاعتداء الجنسي. أحدثت هذه الموجات الأربعة تغييرات في صورة المرأة في وسائل الإعلام، والأدب، والسينما.

كيف شكّلت أميرات ديزني صورًا نمطية سامّة، تلبي رغبة المشاهدين الذكور بشكل أساسي، فهذه الصور النمطية تحصر المرأة في قالب السلبية وتضعها تحت سيطرة الذكور بشكل كامل.

ناضلت الرؤية النسوية ضد الأعراف المتحيزة التي عملت شركة ديزني على ترسيخها، من خلال تفحص صور ومشاهد أفلام أميرات ديزني بالإضافة إلى الأوراق العلمية التي تركز على رسائل ديزني للنساء، ويبين هذا المقال كيف شكّلت أميرات ديزني صورًا نمطية سامّة، تلبي رغبة المشاهدين الذكور بشكل أساسي، فهذه الصور النمطية تحصر المرأة في قالب السلبية وتضعها تحت سيطرة الذكور بشكل كامل.

على الرغم من وجود أميرات أكثر ديناميكية مع مرور الوقت، تظل الأميرة مقيدة من خلال الحد من استقلالية الإناث، أو الاعتماد بشكل كامل على فارس يرتدي درعًا لامعًا. الإنجاز الأسمى للمرأة في هذه القصص أن تكون رزينة، وجميلة، وضعيفة وبلا حيلة، فهذا هو نموذج الأنثى الرومانسية، بالتالي، يجب أن يتم تحويل قصص أميرات ديزني نحو تصوير المرأة بشكل أكثر ثراءً وتعقيدًا.

| عصر أميرات ديزني الكلاسيكي

يتشرب المجتمع الطابع الرومانسي للحياة المنزلية في قصص ديزني الكلاسيكية؛ في "بياض الثلج والأقزام السبعة" (1937)، تمثّل الأميرة نموذج المرأة المطيعة، القانعة بقيامها بالأعمال المنزلية وهي مرتاحة البال، منتظرة حب الأمير الساحر.
 
فالمرأة التي تقوم بالواجبات المفروضة عليها بسعادة ورضى تُكافئ بظهور الرجل المنقذ. وقصة سندريلا كذلك تكافئ العبودية والطاعة.

في هذه الفترة 1937-1967 التي سبقت الموجة الثانية من النسوية، عكست الأميرة صورة المرأة النموذجية التي شكّلتها الحياة العائلية في القرن التاسع عشر، والتي اتسمت بفكرة بقاء المرأة في المنزل، ووجوب تقديسها لمبادئ النقاء والطاعة، فبموجب هذا النظام تعتمد على حماية الزوج بشكل كامل، وتدور النهاية السعيدة للحكايات حول إمكانية الزواج.

يتشرب المجتمع الطابع الرومانسي للحياة المنزلية في قصص ديزني الكلاسيكية؛ في "بياض الثلج والأقزام السبعة" (1937)، تمثّل الأميرة نموذج المرأة المطيعة، القانعة بقيامها بالأعمال المنزلية وهي مرتاحة البال، منتظرة حب الأمير الساحر. بينما ترقد الأميرة على فراش الموت، يأتي الأمير ويخلصها من اللعنة بقبلة، فيشكل ذلك إحساسًا بالمكافأة، فالمرأة التي تقوم بالواجبات المفروضة عليها بسعادة ورضى تُكافئ بظهور الرجل المنقذ. وقصة سندريلا كذلك تكافئ العبودية والطاعة، حيث تتحمل سندريلا أعباء تنظيف المنزل وترضخ لقسوة زوجة أبيها وأخواتها، لكنها في النهاية تحظى بالزواج من الأمير جذاب ووسيم، وتعيش في قصر فاخر، وبذلك تتحرر سندريلا من الأعمال المنزلية المسيئة التي كانت تقوم بها فقط من خلال الزواج من الأمير المنقذ.

للحصول على قصة حب رومانسية تحقق السعادة يجب أن تتميز الأميرة بالجمال الشكلي الخارجي، وأن تفتقر إلى الاستقلالية. إن هذا التركيز على الجمال الشكلي يزرع في اللاوعي أن المرأة يجب أن تسعى جاهدة لتكون جميلة جسديًا قبل كل شيء، وأن غياب الجمال يجعل الأميرة بلا قيمة ويحرمها النجاح، وبالتالي فإن سطحية الجمال الجسدي تطغى على كل الدوافع والطموحات الجوهرية، فتبقى من الشخصية قشرتها فقط.

أميرات6.jpg
الملكة الشريرة في بياض الثلج والأقزام السبعة

لم يرتبط جمال الأميرات في أفلام ديزني بالسلبية والرومانسية فقط، بل ارتبط أيضًا بإحسان الشخصية وخيرها، حيث يتم تصوير الشخصيات الشريرة أنها بشعة أو مشوهة، أما نظيراتها الملائكية فتكون جذابة ونقية. في قصة بياض الثلج، تتحول الملكة الشريرة –بالرغم من هوسها الشديد بالجمال- إلى عجوز شاحبة عندما تقوم بتسميم الأميرة. في المشهد الذي تقدم فيه التفاحة لبياض الثلج تخلق الصورة على الشاشة تباينًا حادًا في المظهر الخارجي للشخصيات، حيث تقف بياض الثلج برموشها الطويلة وهي تنظر للأسفل بخجل، وتكتمل أنوثتها بخدودها الوردية وفستانها الملكي الأنيق.

على النقيض من ذلك، فإن الملكة الشريرة تبدو مشوهة، مغطاة بعباءة سوداء، ومرسومة بأنف وذقن معوجين، بينما تشتبك يداها الهيكليتان مع يد بياض الثلج الرقيقة، وهذا يظهر كيفية منح الأميرة صفات الأنوثة الجميلة، بينما يتم تصوير أعدائها على أنهم يمتلكون عكس هذه السمات الجسدية التي يُنظر لها على أنها صفات سيئة وبشعة، مما يشكل صور نمطية للجمال والخير.

| أميرات عصر النهضة في ديزني 1989–1999

الاميرة والوحش.jpg
الأميرة والوحش

حدثت بعض التغييرات في التوجهات المجتمعية تجاه النساء بعد الموجة الثانية من الحراك النسوي بشكل يماثل التحول في قصص أميرات ديزني في عصر النهضة، حيث تم التخلي عن الصورة الكلاسيكية لأميرات ديزني بشخصياتهن البسيطة الرومانسية من أجل جذب الجمهور المستهدف الذي أصبح أكثر حداثة، وإنشاء صورة لـ "طفولة الفتيات" مناسبة لهذا العصر. ثم يوازي صعود الموجة الثالثة من الحركة النسوية قصص الأميرات الأكثر تعقيدًا والتي ظهرت في تلك الفترة.

بشكل مغاير لديزني الكلاسيكية، كتبت ليندا وولفيرتون، حكاية "الأميرة والوحش" (1991)، و كانت تحاول في هذه الحكاية تقديم صورة للأميرة مناسبة للتسعينات، ولا يكون محور التركيز فيها جسد المرأة، ونجحت إلى حد ما بالتحايل على بعض الصور النمطية التقليدية بابتعادها عن الأميرات المنزليات وعقلية الزواج السائدة آنذاك. إلا أن الأميرة في القصة تلقى توبيخًا من المجتمع بسبب حبها الفريد للأدب وانجذابها للكتب أكثر من الرومانسية، وتُعامل في القصة على أنها حالة شاذة، وكباقي قصص ديزني الكلاسيكية تكافأ الأميرة على الرومانسية بدلًا من فضولها الفكري.

تعكس العلاقة بين الجميلة والوحش الواقع القاسي للعنف المنزلي، حيث يُظهر الوحش سلوك المضطهد المسيطر حين يحبس الجميلة في القلعة، ويعاملها بعنف جسدي. وعلى غرار علاقات الاضطهاد في الواقع، يتم التغاضي عن السلوكيات السامة للوحش بمجرد شعوره بالقلق على الجميلة.
 
فمن خلال التغاضي عن الإساءة بهذه الطريقة وتفادي التهديد الواضح لغضب الشريك تصبح المرأة التي تمثلها شخصية الجميلة حبيسة دائرة من سوء المعاملة.

انحرفت القصة عن الصور النمطية الكلاسيكية حين ذهبت الجميلة بشجاعة لإنقاذ والدها من زنزانة الوحش، بدلًا من الاعتماد على المنقذ الذكر، لكن هذا النجاح البسيط لإبراز شخصية تعتمد على ذاتها سرعان ما خرج عن مساره بسبب فكرة تفوّق الذكور الأكثر تأثيرًا، حيث تقع الجميلة في النهاية في حب آسرها العنيف، وتنحدر القصة إلى السرد التقليدي.

تعكس العلاقة بين الجميلة والوحش الواقع القاسي للعنف المنزلي، حيث يُظهر الوحش سلوك المضطهد المسيطر حين يحبس الجميلة في القلعة، ويصرخ للسيطرة على أفعالها، ويعاملها بعنف جسدي. وعلى غرار علاقات الاضطهاد في الواقع، يتم التغاضي عن السلوكيات السامة للوحش بمجرد شعوره بالقلق على الجميلة وحمايتها من الذئاب، فمن خلال التغاضي عن الإساءة بهذه الطريقة وتفادي التهديد الواضح لغضب الشريك تصبح المرأة التي تمثلها شخصية الجميلة حبيسة دائرة من سوء المعاملة.

| أميرات عصر الإحياء (2009 حتى الآن)

روبانزل.jpg
فيلم رابونزيل

إلى جانب الدعوة إلى تمثيل المرأة خارج الصور النمطية القديمة، تغيرت أدوار الأميرات لإظهار المزيد من القوة والاستقلالية، وغيرها من السمات التي يعتبرها المجتمع ذكورية، كما قال كريس باك، مخرج ديزني المخضرم: "لقد اكتفت ديزني من مشاهد قبلة الأمير، لذلك أعتقد أن الوقت قد حان لشيء جديد". ومع ذلك، لا تزال بقايا الماضي الأبوي في القصص الحديثة بشكل يعكس المعايير القائمة في المجتمع المعاصر حتى الآن.

بعد فترة هدوء في مبيعات أفلام ديزني سعى مخرجو فيلم رابونزيل (2010) إلى التأكيد على "قوة الفتاة"، مما أحدث انقلابًا في سمات أميرات ديزني السلبية التقليدية المهذبة. تمتلك رابونزيل إبداعًا فنيًا يظهر في رسوماتها المختلفة، فضلًا عن شجاعتها وروحها وهي تدبر هروبها من البرج، فبالنسبة لها، الحياة المنزلية التي تُخصص للنساء تبدو مملة ورتيبة. تتناقض شخصيتها بشكل حاد مع معظم أميرات ديزني الكلاسيكية من حيث إنها تمتلك طموحًا منفصلًا عن المنقذ الذكر، لكن سمات الشخصية غير التقليدية تُظلَم في نهاية القصة، فبدلًا من التركيز على أحلام رابونزيل الشخصية، تتمحور النهاية السعيدة للحكاية حول زواجها من فلين رايدر، فاستقلاليتها ليست الأمر المهم في أوج الحكاية وإنما علاقتها بالزوج.

فروزن (2013) أول فيلم لديزني تحارب فيه صورة المنقذ الذكر، إيلسا أميرة قوية تستطيع التحكم بالثلج والجليد، فما يميز فيلم فروزن عن أفلام الأميرات السابقة يكمن في العلاقة بين إيلسا وشقيقتها آنا.
 
إن الأمير العادي الذي يظهر في بداية الفيلم يتحول إلى شرير قاسٍ، مما يُحدث انقلابًا للدور التقليدي للرجل. هذه القصة تدمر الصور النمطية السلبية للأميرة، وتتناقض بشكل حاد مع رومانسية ديزني الكلاسيكية.

فروزن (2013) أول فيلم لديزني تحارب فيه صورة المنقذ الذكر، إيلسا أميرة قوية تستطيع التحكم بالثلج والجليد، فما يميز فيلم فروزن عن أفلام الأميرات السابقة يكمن في العلاقة بين إيلسا وشقيقتها آنا، حيث أصبح هذا الارتباط تصنيفًا غير تقليدي للحب الحقيقي، والذي يُستخدم في النهاية لكسر لعنة القلب المجمد بدلًا من الأمير المنقذ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمير العادي الذي يظهر في بداية الفيلم يتحول إلى شرير قاسٍ، مما يُحدث انقلابًا للدور التقليدي للرجل. هذه القصة تدمر الصور النمطية السلبية للأميرة، وتتناقض بشكل حاد مع رومانسية ديزني الكلاسيكية.

بالرغم من علامات التطور المهمة، إلا أن مصير إيلسا في فيلم فروزن يتحدد أحيانًا من خلال المعايير الأبوية، حيث يتم قمع سلطتها من قبل الملك، كما أن هذه القوة التي تمتلكها تثير مشاعر الخوف عند الآخرين بدلًا من التفهم والاحترام، وأثناء هروبها من المملكة، بعد تتويجها، ورفضها للمسؤوليات التقليدية، تتحول من فتاة ترتدي ملابس محتشمة إلى فتاة فاتنة وجذابة بمكياج مذهل وفستان ضيق متلألئ، وكأن الصورة معدة لتناسب العدسة الذكورية، فلم يتم إعفاء إلسا من القواعد التي تحكم مظهرها كأنثى. حتى لو كانت النهاية السعيدة لفروزن تبتعد عن المخلَص الذكر، فإن ديزني في عصر الإحياء تستمر بالحفاظ على الأعراف بطرق غير مباشرة.

يجب على ديزني عدم تقديم المرأة بصور سطحية، واستبدال هذه الشخصيات بنماذج شجاعة، صاحبة طموح، ويمكنها التحكم بمصائرها، فيمكن للرسوم المتحركة أن تعمل كقوة ثقافية إيجابية تقدم قصص نساء ملهمة في غضون السنوات القادمة.

دور الأميرات في أفلام ديزني لا يحمل قيم الخضوع، والتذلل، والسلبية ذات الطابع الرومانسي فحسب، بل يساهم في تقوية تأثير هذه القيم في المجتمع، بالإضافة إلى الترويج للمعايير السطحية لجمال المرأة، فهذه المعايير تتلاعب بالمرأة بوعي أو بغير وعي حتى تنظر لجسدها من خلال عدسة جنسية فقط. لمواجهة الضغط على شباب المجتمع من أجل أن يكونوا أكثر من مجرد أشياء تلبي الرغبة، يجب على ديزني عدم تقديم المرأة بصور سطحية، واستبدال هذه الشخصيات بنماذج شجاعة، صاحبة طموح، ويمكنها التحكم بمصائرها، فيمكن للرسوم المتحركة أن تعمل كقوة ثقافية إيجابية تقدم قصص نساء ملهمة في غضون السنوات القادمة.

على الرغم من تشكيل أميرات ديزني ضمن إطار التصورات النمطية منذ الإصدارات الكلاسيكية، إلا أنه ما زال هناك مساحة ثمينة للتغيير. لقد عكس مرور الوقت، وتتابع الحركات النسوية، تطورًا في شخصيات الأميرات، فقد تجاوزت الحكايات في بعض النواحي الانغلاق على الحياة المنزلية، ومركزية الرومانسية، وموقف الفتاة العاجزة في محنتها. ويمكن لأفلام ديزني الصادرة مستقبلًا موازاة مسار النسوية الصاعد بحيث يتم تمثيل النساء بطرق صادقة وغنية.