بنفسج

دوائر العنف الأسري: من يكسر الحلقة؟

الخميس 25 فبراير

غالبًا ما يكون العنف الأسري الذي نمارسه ضدّ أطفالِنا ما هو إلاّ سلوك توارثناه من أهلنا ظنًا منّا أنه السبيل الوحيد لتقويم سلوك الطفل، بغض النظر إن كان صحيحًا أو خاطئًا. قليلون هم من ترعرعوا بأسلوبٍ سليم ملؤه الحبّ والحنان، لِيصبح بذلك العنف الأسري ضد الطفل سيناريو يُعيد نفسه جيلاً بعد جيل، خاصةً إنْ لم نتمكّن من ضبط أنفسِنا والسيطرة على سلوكنا مع أطفالنا.

نعم، إنّ  نسبة من الآباء والأمهات يعنفون أطفالهم، ويعاقبونهم بشتى الوسائل، ولك أن تتخيّل ما شئت من أنواع الضرب؛ عض وحرق وحبس وعاهات مستديمة قد توصِلُهم للموت، كلّها سلوكيات من شأنها أن تزعزع الاستقرار النفسي للطفل قبل أن تحدث ضررًا جسديًا، فتجعل منه إنسانًا عدوانيًا، أو مريضًا نفسيًا، ظنًا منهم أنهم بذلك يُقوِّمون سلوكيات أطفالهم ويجعلونهم مثاليين، لكنهم بذلك يهدمونهم، ويشوهون طفولتهم البريئة، ويرسمون فيهم شخصياتٍ ضعيفة.

قد تجد فئة أخرى ممّن يُمارسون العنف على أطفالهم كتفريغ للضغوطات التي يعيشُونها في حياتهم اليومية ومشاكلهم؛ إمّا مع الزوج، أو ماديًا، أو مع أهل الزوج، وغيرها من العوامل التي تؤثر على نفسية الوالدين، والتي يقومان بتفريغِها، بشكل أو بآخر، على المستضعفين في الأرض.

هؤلاء الفئة من الأطفال سيلاحقُهم ألم الطفولة، وذكريات الماضي، إلى أن يدفنوا تحت التراب، فليس ذنبهم، لكنّها عُلّمت في أذهانهم وربّما أجسادهم، وفي أرواحهم، بلا شك، فأصبحت تُترجمها أفعالهم دون أن يدركوا ذلك، تربيةٌ خلّفت آثارها فيهم كقنبلة ذريّة حين تترُك شظاياها في أجسادِ ضحاياها، لدرجة أنّها باتت جزءًا من سلوكياتهم الّتي إن لم ينجحوا في السيطرة عليها، سيمارسونها دون حتّى أن يُدركوا ذلك مع أطفالهم، ليعيدوا بذلك نفس السيناريو الذي عاشوه سابقًا. وهكذا يصبِحُ أمرًا متوارثًا جيلاً بعد جيل، وكل جيل يضع ذنبه على الجيل الذي قبله.

كما قد تجد فئة أخرى ممّن يُمارسون العنف على أطفالهم كتفريغ للضغوطات التي يعيشُونها في حياتهم اليومية ومشاكلهم؛ إمّا مع الزوج، أو ماديًا، أو مع أهل الزوج، وغيرها من العوامل التي تؤثر على نفسية الوالدين، والتي يقومان بتفريغِها، بشكل أو بآخر، على المستضعفين في الأرض، نعم، فأن تمُدّ يدك على طفل لا يعرف حتى كيف السبيل للدفاع عن نفسه، ولا قوة له لحماية نفسه منك، أنت الذي كان من المُفترضِ أن يكون دورك في الحياة حمايته من الجلادين لا أن تكون أنت الجلاد الذي عليه أن يخاف منه.

الحل الوحيد لهذا السّلوك، غير المبرر مهما كانت الأسباب، هو التوقف عن خلق الأعذار وتبرير سلوكياتنا غير السويّة، لأن مشاكل الحياة وضغوطاتها لن تتوقف، وبالتالي، لن نتمكّن من تحسين علاقتنا مع أطفالنا، ولن نتوقف عن تعنيفهم، فالحل الأمثل فصل طريقة تعاملنا مع أطفالنا عن ضغوطاتنا.

يبقى العنف ضدّ الطفل سواء نتيجة ضغوطات الحياة، أو سلوكًا متخذًا كحق مزعوم للأبوين لتربية أطفالهم، أو حتى كممارسة متوارثة ومقبولة لدى المجتمع، أو سلوكًا نابعًا من عُقد نفسية، أسلوب خاطئ لا مبرّر له من قبل الوالدين أو أي فرد آخر. وكثيرًا ما تجدُ أولئك الذين يُعنّفون أطفالهم يعانون من تأنيب الضمير وجلد الذات الذي يؤثر على نفسيتهم بشكل كبير، وهذه الأحاسيس ستبقى مستمرّة كلّما تصرّفنا بشكل خاطئ مع أطفالِنا.

فالحل الوحيد لهذا السّلوك، غير المبرر مهما كانت الأسباب والدوافع، هو التوقف عن خلق الأعذار وتبرير سلوكياتنا غير السويّة، لأن مشاكل الحياة وضغوطاتها لن تتوقف، وبالتالي، لن نتمكّن من تحسين علاقتنا مع أطفالنا، ولن نتوقف عن تعنيفهم، فالحل الأمثل فصل طريقة تعاملنا مع أطفالنا عن ضغوطاتنا ومشاكلنا، والتحلي بالهدوء، والبحث عن كل الوسائل التي من شأنها أن تريح أعصابنا، وتجدّد طاقتنا لنكون بحالٍ أفضل، سواء ممارسة هواية ما، أو الخروج في نزهة، وزيارة الأقارب، وغيرها من النشاطات التي تريح نفسيتنا، ولا ننسى تكثيف الدّعاء بأن يُصلحنا الله لأطفالنا، ويجعلنا خير قدوةٍ لهم، ويرزقنا الصّبر والقوة.

وختامًا، أودّ أنْ أقول: أطفالنا أوراق بيضاء، لنا أن نكتب عليهم ما نريد، ولنا أن نتحكم في تصرفاتهم بالطريقة التي نريدها، فلا تحاسبوا أطفالكم على تصرفات، أو كلماتٍ قلّدوها منكم أو من غيركم، أو حتى على عاداتٍ كنتم سببًا في تعودِهم عليها، فأن نقوم بتصرّفٍ شنيعٍ أمامهم كضربٍ أو شتمٍ، أو تشجيعهم على سلوكٍ غير لائق، ليضحكونا في صغرِهم ثمّ نُعاقبهم عليه بعدها، فهذا سيكون خطؤنا من البداية، فأنى لهم أن يفقهوا أو يميّزوا بين الصح والخطأ في سنهم هذا.

وأخيرًا، اهتموا بهم اكترثوا لأمرهم، العبوا معهم، واستمتعوا بكلّ مرحلة من مراحل نموّهم، وبكلّ لحظة لكم معهم في صغرهم، حتى لا تفقدوهم عندما يكبرون، وحتى لا يبتعدوا عنكم، فطريقة تعملنا مع أطفالنا الآن هي الأساس الّتي ستُبنى عليه علاقتنا معهم في المستقبل.