بنفسج

"لماذا تتبدل الأحلام": عن تفشي أشباح الطلاق

الثلاثاء 30 مارس

لم أتوقع يومًا أن أكتب شيئًا كهذا، فأنا أكثرهم حديثًا عن الحب وولعًا بالأدب الرومانسيّ، وخيالًا خصبًا حالمًا، بالأمس كتبت نصًا رومانسيًا يكاد أن يكون مبالغًا فيه، على أن ما وراء ذلك ليس إلا هروبًا من واقع يصطرخ من الألم، أكتب خيالًا محضًا وأستفيق على واقعٍ كارثيّ، واقع أن لا شيء يُدعى الحب، ولا شيء يدوم، ولا أحد يستحق، مع أمنيتي الخالدة أن أبقى أبدًا صغيرة كي لا أضطر لخوض تلك التجربة المشبعة بالألم.

أصبحنا إن رأينا زوجين ناجحين نعدها سابقة من نوعها، كأنه ليس الأصل، كأن الأصل أن تتزوج الفتاة لتنخدع في شخص أشْبَعَتْهُ حبًا وتنازلًا وفناءً، كأن الأصل أن تهان بعدما كانت عزيزة سقفها عالٍ، كأن الأصل أن تختبئ خيفة أن يراها أطفالها، تبكي من ألم مباغت اجتاحها عقب ضرب مبرح أشبعها به أباهم لأنه لم يستطع كبح زمام غضبه، فانهال عليها به، كأن الأصل أن تتعلم طأطأة الرأس، لا تشرئب عنقها نحو أحد بعد أن كسره الزوج.

لماذا يتحول الأشخاص؟! لماذا تتحول الأحلام؟! أم أنها أوهام كانت؟! لماذا تستفيق الواحدة منا على جرح غائر لا يكاد يبرأ، لتلَقى نفسها مَلقِىٌّ على عاتقها حمل مسؤولية أطفال بعدما كانت غير بعيدٍ طفلة، وظنت أن تظل، في حضرة زوج تقيّ اختارته تبعًا لمعايير العرف والدين والمشورة، وبالأخير يتنكر لأطفاله.

يعج ما حولي بالظلام، عدد رهيب كل يوم يدُرج ضمن قوائم الزيجات الفاشلة التي عن آخرها اكتظت، ليست هذه الحياة التي حَلِمتُ بها، والتي حَلَمتْ بها غيري من عداد الضحايا المساكين، كان معظمنا حالمًا مقبلًا على الحياة بحماس طفل لاهٍ، ثم انطفأ فجأة. أكتب العديد من النصوص الرومانسية، لا لأني أؤمن بوجودها، بل لندرتها في الواقع حد الانعدام، أجبر نفسي أن أقتنع بأن الخير والحب والجمال وكل تلك المعاني السامية لا تزال باقية، أخط حروفًا أتمنى أن تكون واقعًا حقًا لا مجرد بضعة أحرف.

لماذا يتحول الأشخاص؟! لماذا تتحول الأحلام؟! أم أنها أوهام كانت؟! لماذا تستفيق الواحدة منا على جرح غائر لا يكاد يبرأ، لتلَقى نفسها مَلقِىٌّ على عاتقها حمل مسؤولية أطفال بعدما كانت غير بعيدٍ طفلة، وظنت أن تظل، في حضرة زوج تقيّ اختارته تبعًا لمعايير العرف والدين والمشورة، وبالأخير يتنكر لأطفاله، فتُضطر إما على إجبار نفسها لتطيق العيش معه كَرهًا كي تجنبهم الضياع، والحق أن النشأة في بيت زوج فاسد هو الضياع ذاته، أو تُطَّلَّق آملةً أن يتكفل بهم كحق مكفول لها ولهم فلا يفعل، فتُجبَر على توديع مهد الدلال الذي رُبيت فيه باحثة عن لقمةٍ للعيش لتجنب أطفالها العوز والحاجة.

أشعر بثِقَلٍ كلما رأيت زواجًا فاشلًا، وأُسقِطه على نفسي، فأرتعب أكثر وأكثر لتنمو في داخلي قناعة حقيقية بأن كل زواج محكوم عليه بالفشل، ما يضطرني إلى رفض فتح الموضوع بالكلية خوفًا من المحاولة فأفشل مثلما فشل البقية، بل إنني لم أعد أشعر بـسعادة للمقبلين على الزواج، أنظر بعينين وجِلتين للعروسين، أترقب أول مشكلة تلوح في أفقهما ليبدأ بعدها سيل المشكلات الذي لا نهاية له!

بالله أين هي المشكلة؟! أيُعقل أن يكون كل هؤلاء اخترن خطأً؟! أمر لا يصدقه عقل! لأنه بذلك لن يكون هناك أحدٌ صالحٌ على الإطلاق. لا أستنكر الطلاق لذاته، فيبقى حلالًا، وحلًا أخيرًا لاستحالة العيش، بل أستنكر أن تكون النهاية بشعة لهذا الحد، ننتهي بعد أن نَكره كما لم نكره من قبل، ونُخان من بعد حب أغّرْ، ونُهان من بعد عزٍ وفضل، ونتجرع الذل كؤوسًا زاخرة.

فارق هائل ما بين البداية السعيدة وتلك النهاية المأساوية، ليست هناك نهاية محترمة، كأن النهايات المحترمة الخلوقة مدعاة للقدح في رجولة الزوج ومعايرته بأنه لم يكن رجلًا كفاية كي يكسر عظامها ويهينها!! أي مجتمعٍ هذا. كل يوم يتجدد داخلنا رصيد الخوف، الأمر الذي يجعلنا نئد أحلامنا، ويتكدر عيشنا، ونموت مرارًا خوفًا من تجربة الحياة، ولم نكن نريد غير أن نطمئن.