بنفسج

قول في الحب لا يصلح لمشهد تمثيلي!

الثلاثاء 09 يونيو

قلَّمَا نَبحَثُ عَن وُجوهِ الحبِّ ومَلامِحِه في الأقرَبِين، نَنتظِر وُرُودَه فِي الحلقة الجَديدة من مشهد تمثيلي ما، نُحاول استنشَاق وُرُودِه أمامِ التلفاز. معَ أنَّ الأمر أمَامنا؛ علَى مرآى وَمسمع من أَعيُننا، قريبٌ مِن السُّويداء لاَ يشُوبه شائِب ولا يَعِيبه شيء، لكنَّنا ككلِّ مرَّه -نَحن الفتيات - ننتِظر المُعجِزات أَن تكونَ في بطلٍ واحد! تُرينا المُسلسلاتُ ما تُريد أَن تَزرَعه فِي أنْفُسِنا، حتَّى صَنَعتنا على أَعينها. تُنشئُ جيلاً جديداً يَنتَظرُ على أملِ القُدوم. يَغفِلنَ أمر أنَّ كُل فارسٍ مِغوار يَحتاج إلى سندريلاَ شُجاعة.

ومعَ أنَّه ليس هُناك وعدٌ بِالزَّواج، إلا أنَّ الفتيات مِن سنِّي يمِلن إلى السُّرعة وَالعجَلة علَى أنَّه حبٌّ وعِشقٌ ووِهام سَيظلُّ للأبَد المحتمل، غَافلين أنَّه قَد يتَحول إلى أوْهام وصِراعٍ وكراهِية ونفور في القريب العَاجل. مُعظَمهن لاَ يفهَمن السَّبب، كَيف أنَّ أَعين الأمْس التِّي تَنظر بِجمال لَم تعَهده مِن قبل، تِلك التِي يَرونها أَبواب جَنَّة قلوبهن، تَتحوَّل فِي ثَانية لأبوَاب جهنَّم تُوصد في وَجهِ كلِّ فارسٍ حقيقيٍّ يُريد لهن الخير قبلَ أن يحبب إحداهن. الفَتياتُ في سنِّي، ينتظِرن شيئًا لهُ جميعُ الأسْماء عدا الحُب، والمسلسلاَت تُسلِّط الدَّور على الرَّجل الكَامل الذِي لَيس لَه وُجود كأن ليسَ لَه قلبٌ يتقلَّب ويتخبَّط بَين السيء والجيد.

يغفلن عن وُجود وَاقعٍ أَجمَل بِنُدوبِه التِي تُزيِّنه كَالقمَر، وَحرارَته المُتوهِّجة التِّي تُدفِئ كالشَّمس، وَطرِيقه المُعبَّدة المَلِيئَة بِالثُّغور، والثُّقُوب تُحاوِل أَن تُثبِّطنا عنِ السَّير والمَسير، إِلى أَن تَأتي يَدُ الله مِن الله فِي روحِ عبدٍ يُعينُنا عَلى الطَّريق. ليسَ بِالضَّرورة أَن يُمسِك أيَادِينا، لَكنَّه بالضَّرورة يُمسِك قُلوبنا، وَ يربِط عليها، هَدية مِن الله أَتت مِن اللاَّمَكان، تُراقِبنا بِقُدسية جَميلة، تَخشَى علَينا مِن الهَلاك وإِن جاءَ مِنها هِي الأخرَى، تَرْقُبُنا مِن بعيد بِنظرات اطْمِئنان وَ تَوسُّل مِن الله علَّ الفَرج آتٍ، دُونَ حرفٍ يُنطَق، بَل عملٍ يُرى ونَتحَسَّسه.

مَن يأتِينا بالحبِّ فَسيَأتِينا برزقٍ من الله يَنثُره علَى قُلوبِنا في شتاءٍ جميلٍ لاَ نخشَاه، تُمطِر سماؤُنا ونشعر بِقُربه دون مُلامستِه، ندعو الله نحن أيضاً بفرجٍ قريب، وَهل ربُّ العباد يرُد عبداً أراد خيرًا، أرَاد يداً تعينه علَى المسِير لاَ تُثبِّطه؟

الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن أم المؤمنين خديجة، أمي: "إنِّي رُزقت حبَّها"، والله لَم أجِد إجابةً شافيةً أكبرُ من هذه. هو الرَّسول الذِي لاَ ينطِق عن الهوى إِن هُو إلاَّ وحيٌ يوحى، أَلهَمه الله تِلك الكلِمات لِكي تَكون عِبرةً لنَا في أنَّ الحب رِزق، يَضعه الله في قَلبِ الوَاحد نُقطةً، يَكبر فيكبُر وَيتغَلغل فِي الوَريدين، في البُطَيْن الأَيمن ثمَّ الأيسَر حتَّى يُصبح نَبضَاتك، وفي الوقتِ نفسه يُعيد تَشكِيل رُوحك حتَّى تندَمج مَع روحِه وتصيرَ وَاحدة ونفساً واحداً.

يقال: "إذا أحبَّ اثنانِ بَعضهُما، اندَمجت مَعالِم وَجهَيهِما فِي قَالبٍ وَاحد لِتخرُج رُوحاً جدِيدةً فِي قالَبيْن". كَم تُغرِقُني هذه الكَلمَات، وأعُود أتَذكَّر مَن رَأَيتُهم يَتشابهُون؛ لِأَجد أَروَاحَهم قد تَآلفَت حتَّى أَنَّني أُرَجِّح أَنهم إخوة، أَو زوجين. وحينما يتساءَل النَّاس مَن ذَلك الإِنسان، يُكشَف ستْر حُبِّنا، وَيعلَمون مَا أخفَت السِّنين مِن رسَائل وَأشْواق تَسلَّقت الأَغصَان وَعَبرت الكيلومترات وَلو بَيننا مَسافة عُمر، يَكَادُون يَعْلمون مَا تَنطِق أَعيُننا كأنَّ لهَا صدًى يُسمَع فِي الأَرض، وَتشابُك أُيادِينا يَبين شَكله وَإن لم نكن جنبا إلى جنب.

أَرى ذلكَ واضحاً فِي وجهِ وَالداي مَع مُرور السِّنين، يُوقِظني حِجَاب أُمي ولبَاس أَبِي الجَميل مِن حُلمِي، كأنَّ الزَّمن رَسم لَوحة الحُّبَّ فِي وَجهِيهما، يَحُط بِإبدَاعٍ الخُطُوط تَحتَ الأعْين كُلمَا نَظرَا لِبَعضِهما البَعض، يَنجَح فِي دَمجِ ابتِسَامَتهما فِي شَكلٍ وَاحَد فِي قَالَبين مُخْتلفين.

كَم يُفرِحنا النَّظر إِلى هَذا النَّوع مِن النَّاس، بِتآلُفِهم، يَضُخون فِي دمِنا تفاؤُلاً بأنَّ فِي الدُّنيا مَن يسن سُنة حَسنة، ويتَّبع خطوات الفرَح وَلو بالقلِيل دونَما تكلُّف، يَسعى للجَنة بِفُتات التَّمر، لِأن حَلاوَتها لاَ تُضَاهيها أَغلَى الحَلَويات. لَم أجِد كلمةً جميلة لِخطيبين علَى وشك الزواج أكبَر مِن: "اِجعَلا القُرآن العَظِيم ربيعَ قُلوبِكما"، هَو مَن يُعيد شَاكِلتَكما وَبه تَرتَبِطان وَبه تتَعَارفَان، تَعَاهدا علَى الحُبِّ في الله أولاً والتُّقَى، يَأتي حُبُّكما علَى طبقٍ مِن ذهب، تُتَوِّجكم الملائكةُ بِنفْسها وَيدعو لكم الله وسائر عباده.

أن يكون نَفساً لكِ، أن يكُون صديقَ المِشوار، غيرَ مُتهَاوِن وَلا مُتكاسل، يَخشى عَليك مِن نفسِه هُو الآخر وَلا يُرِيك سَوْأَتَها، يُوَاريها بِورَق الجَنَّة حتَّى يُقوِّي إِيمَانك بالله أولاً ثُمَّ به. 

وقد رأيت من يسُنُّ هذه السُّنة الجميلة، مِن شبَابٍ فِي مُقتَبل العُمر عَرفُوا سرَّ الهوى، وآثروا عَلى أنْفسهم، ورَابَطوا علَى قُلوبِهم جمرَ الآيات لِتُثَبِّطهم عَن كلِّ حرام "كَرِه الله انْبِعَاثَهم فَثَبَّطَهم". يَعرِفون أَنَّ أمرَ الله مَقضيٌّ، آثروا أَن يَمنحوا الله قلوبَهم لِكي يُوصِلَها بِمعِيته ورَحمته وحِرصه إِلى المَكان الآمِن، إلى مَكانِها الصحيح.

من منَّا لا تُريد شخصاً كأَبيها، كَدلال أبِيها عِندما يُرَبِّت عَلى كَتِفِها أو يَحملها؟ مَن مِنَّا لا تُريد شَخصا يُمسِك فقط بِيدها وَينظر لِعَينيها كَأنَّها كُل مَا في الحياة وَهي كَذلك؟ لكِن الرِّباط أَهَمُّ شيءٍ، كَالمَقدِسيين الذِين يَقفون شوكةً فِي حَلق العَدُو غير مُتَزعزِعين، بِهدف واحد مُنذ نعومة أظَافرهم، مُلامَسة القُدس دُون أيَّة حَواجز، يُرابِطون أَي نعم، لَكنَّهم علِموا سرَّ انْتصار القضية آنِفاً، وهُو الدُّعاء بِيقينٍ أَن الوِصال قادمٌ لاَ محالة وَلو بَعد حين.

أن يكون نَفساً لكِ، أن يكُون صديقَ المِشوار، غيرَ مُتهَاوِن وَلا مُتكاسل، يَخشى عَليك مِن نفسِه هُو الآخر وَلا يُرِيك سَوْأَتَها، يُوَاريها بِورَق الجَنَّة حتَّى يُقوِّي إِيمَانك بالله أولاً ثُمَّ به. أن يكون نَفَسَكِ، تَتوِيج الصَّبر وَالعَطَاء بِالحِرمَان دُون أَخذ أَو انْتِظار، تَتوِيجاً لدعاءِ الفَجر الذِي لاَ يَسمَع صَداه سِوى اثنَان فِي الكَون الضَّخم ثالِثهما الذِي سَيَستَجِيب عَاجِلا، تتويجاً بِميثاق غَليظ كُتِب فِي السَّماء قبلَ أَن يَنزِل حِبره وَكلماته لِلأرْض لِيرَاه النَّاس فِي تعجب واندهاش.

طُوبى لِمن وَجد نِصفَه الآخَر، ذَلك المُحيَّى الذِي يُذكِّرنا بِأن الدُّنيا لاَ زَالت بخير، بأَن نَبرة صَوتِه انتصَارنا، وَخطَواته فِي الأرض حُدُود جَنتنا التِي بِلاَ حدود، وَأن القمَر أَجمل لأنَّه يَنظر لَه، لأنَّ حَياتَنا وَأخيراً وَجَدت معنَاها الحقيقي.