بنفسج

رمضان.. بوابة الوصول

الأحد 27 مارس

كوفر بوابة١
كوفر بوابة١

تتجهز سريعًا، تلملم أغراضها على عجلة، تتردد كثيرًا فيما تحمله وما تتركه، تحكمها الموازين، لن يمر شيء دون حساب، عليها ألا تسرف فيما تحمله، وإلا فالحساب ثقيل. تخففت من الكثير، كيف لا تتخفف من أغراض يمكن تعويضها وهي تركت ما لا يمكن تعويضه، حضن دافئ من أبيها، وونس أختها، ونظرات والدتها لها، والذكريات، هي تركت ما لا يُترك!

خلال دقائق قصيرة وصلت لبوابة المطار، هربت من ألم الوداع، لكنه لم يفارقها، ساعات جثيمة مرت في المطار، طارت قبل أن تدرك ماذا أخذت ومن تركت، وأخيرًا وصلت، فهل وصلت؟ وصلت لتطرق أبوابًا جديدة، وصلت لتشاهد مولد نسختها الجديدة التي لم تعرفها قط، ربما اشتاقت إليها يومًا لكنها لم تعرفها بعد، وستظل تعرفها وتكتشفها كل يومٍ في مهجرها.

ها هي الأبواب تُفتح لها لتعبر، فتعبر مغادرةً كل من عرفت وما عرفت، تستمع للغاتٍ لا تفهمها وتنظر لوجوه غير مألوفة، وتسير في شوارع غريبة وكأنها مهجورة وإن اكتظت، الكل غريب، والكل جديد، وهي كالأعمى رغم أنها تُبصر. هي وصلت لممر الوصول، لكنها لم تصل بعد، فهل تصل؟ تبحث عن نفسها الحقيقية، تفتش في ذاتها تسأل نفسها كل يوم، هل هذا ما أريد أن أعيشه، هل لهذا خُلقت، تضيق بها جدران منزلها المألوف، وتشعر بغربة بين أصدقاء الطفولة، تفتش في علاقاتها المتينة لعلها تجد من ترتكز عليه، فلا تجد.

تأخذ قرار العُزلة، تبتعد كثيرًا عن الجميع، وتبتعد أكثر عن المقربين، وبداخلها تتكرر الأسئلة، من أنا؟ ولماذا أحيا؟ وهل لهذا خُلقتْ. تطول العزلة ويشتد الألم، وكلما طالت اشتد الألم، وأخيرًا تعرف أن الداء والدواء بداخلها، وأن عليها أن تنفض غبار نفسها وتبحث عن جواب لكل سؤال لتصل، فهل تصل؟

تدوّن في مفكرتها خطط العام؛ أحلامها، أفكارها، مشاريعها المستقبلية، عاداتها التي تود أن تكتسبها، وبخجل في ركن صغير من أجندتها تضع مشاريعها التي فشلت في تحقيقها وعيوبها التي تود أن تتخلص منها وآلامها التي تود لها زوالًا. تخطط وترتب كعادتها كل عام، لكنها هذه المرة لديها شكوك حول مصداقية ما تكتب، وحول فائدة التخطيط، شكوكها هذه لم تمنعها من المحاولة لعلها يومًا تصل، فهل تصل؟

تحلم بفارس يعرف من هي وما تريد ومن تكون، تحلم بمن يفجر طاقاتها ويطلق سراح سعادتها، تحلم بمن يملأها بهجةً وطاقةً لتزدهر، تحلم وتحلم وتحلم، لكنها لا تعرف من هي، ومن تكون، وكيف يضحك قلبها، لا تعلم ما ازدهارها وما مواتها؟ فهل تصل؟

تحلم كثيرًا بفارس أحلامها، ليس ذلك الذي يأتي بحصانه الأبيض، إنما ذلك المُنقذ الذي يُلهمها لتكون كما تريد، ذلك الذي يُسخر وقته وجهده ويمد لها يد العون لتكون، تحلم بمن يصاحبها في رحلة التغيير، بِذلك الذي يتحمل إخفاقاتها المتكررة دون يأس. تحلم بفارس يعرف من هي وما تريد ومن تكون، تحلم بمن يفجر طاقاتها ويطلق سراح سعادتها، تحلم بمن يملؤها بهجةً وطاقةً لتزدهر، تحلم وتحلم وتحلم، لكنها لا تعرف من هي، ومن تكون، وكيف يضحك قلبها، لا تعلم ما ازدهارها وما مواتها؟ فهل تصل؟

تستقبله وهي تعلم أنه سيغادر عن قريب، فهذه عادته، لا يمكث كثيرًا، تدوّن كل الأمنيات، ثم تختصرها لما لا يمكن تركه، تفكر، وماذا بعد أن يرحل ويطول الغياب؟ فهو ينعش روحها بشكل لا تختبره إلا معه، يأتي ليفتح شهيتها للتغيير والتجديد، لديه قدرات عجيبة لإزالة الران ولإنهاء مواسم الكساد خاصتها، يأتي ومعه الكثير من الحيل.

يحطم عاداتها القديمة، ويثير بداخلها شوق للعودة، هي تعلم بموعد عودته، لا يخطئها كل عام، لكنها تنسى، تنسى موعد قدومه، فلا تأخذ الزاد ولا تزداد، لكنها هذه المره متعطشة لإحياء ما مات. في أمس الحاجة لتعرف الطريق ولتزدهر. هو فارسها المنتظر الذي سيهديها، تفكر وتفكر وتفكر كيف لا أضل بعد رحيله؟

يهديها عقلها للتزود، تفكر بطريقة عملية، إذن، فلآخذ منه ما يعينني لأكمل بعد رحيله، لآخذ منه بوصلتي. ولأبدأ خطاي الأولى مستندةً عليه، حتى إذا غادرني كان الدليل داخلي، تخطط وترتب وهي تعلم أن العون سيأتي وأن البركة ستضاعف ما جهزت وما رتبت تتعامل مع رمضانها وكأنه بوابة الوصول؟ فهل تصل؟