لا شك أن تربية طفل في عصر التكنولوجيا أصبحت مهمة صعبة، في ظل عالم مفتوح. مهما حاول الأهل أن يحدّوا من وجود التكنولوجيا في حياة أطفالهم، خصيصًا، في العمر الصغير، لذلك، لا تنفك الأمهات الجدد عن البحث في صفحات التربية، للبحث عن النصائح التي تساعدهم في تربية أطفالهم، ففي ظل أسلوب التلقين المتداول في كثير من المدارس من دون التركيز على الأمور الأخرى التي ستفيد الطفل في حياته بشكل عام، وتشكل قاعدة معرفية عملية له مستقبلًا، أصبح يقع على عاتق الأم، الاهتمام أكثر في تثقيف طفلها منذ عمر مبكر.
كنت قرأت ذات مرة "أن ما ندرسه في أحضان أمهاتنا لا يُمحى أبدًا". أوافق هذا الرأي تمامًا، فالأم هي المعلمة الأولى لطفلها، ويظل ما تعلمه الطفل وغرس فيه من والدته راسخًا فيه رسوخ الأشجار في أرضها. وهذا ما تتبعه كثير من أمهات جيلنا في تربية أطفالهن، حيث لم يعد الاكتفاء بالمنهج المدرسي كافيًا كي يواكب الطفل كل ما هو جديد، ويستمر في عملية التعلم الذاتي وفهم الحياة من حوله من دون مساعدة من الأهل. من الضروري على الأمهات والآباء الاهتمام بصناعة ثقافة أبنائهم، وغرس المعتقدات السليمة فيهم.
| لثقافة طفلك
تلك الثقافة التي لا تعني بالضرورة تلك الصورة النمطية لطفل لا يفعل شيئًا سوى أن يلتهم الكتب ويعكف على البحث، أو تلك الرومانسية لفنجان من القهوة وبجوارها كتاب، على أهمية تلك الطقوس للبعض في التشجيع على أجواء مناسبة لهم. لكن ليست هي الصورة التي تُعبّر عن الجميع وتجعلهم هكذا، مثقفين، فإذا وجدت صورة مختلفة، لم يعد لدينا بعد ثقافي. لكن الثقافة الممتدة، بداية من تعريفهم بالكتب، كجزء مهم للمعرفة، والسلوكيات التي تنبع من البيئة التي يعيشون فيها، والبيئة نفسها التي يتفاعلون معها بأفعال تطور وتضيف للمجتمع. التفاعل الطبيعي مع الحياة التي نحياها والأفكار التي نحملها ونريد أن ننقلها لأطفالنا بكل بساطة وسلاسة. يقول نجيب محفوظ: "الثقافة أن تعرف نفسك أن تعرف الناس، أن تعرف الأشياء والعلاقات، ونتيجة لذلك، ستحسن التصرف فيم يلم بك من أطوار الحياة". لذا، دعونا أن نعرض هنا لكم في نقاط سريعة أفكارًا من خلاصة تجربتي كمعلمة لسنواتٍ طويلة، تساعدنا في ثقافة أطفالنا بكل بساطة:
| قصة قبل النوم
هي العالم السحري لدخول الطفل لعالم القصة والحكاية، يعرف من خلالها الكثير من الحكايات على مدار سنوات عمره، ويرتبط بوجود الكتاب في يومه. إن كثير من الأطفال يرتبطون دومًا بحكاية أو كتاب قبيل نومه، يكررها كثيرًا، ويطلبها حينها، ربما تكون تلك الفرصة جيدة لأن تضيف الأم لمسة منها على نفس الحكاية كل يوم، أو يكبر أكثر، فتتنوع القصص والحكايات. قصة ما قبل النوم كثيرًا ما تكون طريقة لسلوك نريد أن نحسنه لدى أطفالنا، أو قيمة نحب أن تُضاف إليهم بشكل غير مباشر أو مجرد أمر ووعظ.
| المكتبة
يقول أينشتاين: "إذا كنت تريد لأطفالك أن يكونوا أذكياء، فاقرأ لهم الحكايات، وإذا كنت تريد لهم أن يكونوا أكثر ذكاءً، اقرأ لهم المزيد من الحكايات". المكتبات العامة هي عالم من المعرفة تربط بين الطفل وبين الكتاب كي تكون القراءة في حياته كجزء لا يتجزأ من رحلته اليومية أيضًا تنوع كبير جدًا في الكتب المتواجدة من حوله ما بين القصص المسلية والكتب العلمية والموسوعات المصورة والتي تجذب الأطفال وكثيرًا ما تكون مكلفه للغاية، فتتيح فكرة الاشتراكات في المكتبات العامة الاستعارة وتشجيع الطفل على اختيار كتب ربما لا يستطيع ضمها لمكتبتها المنزلية.
دعوا أطفالكم يذهبون إلى المكتبات التجارية، واتركوهم ينتقون أي كتاب يعجبهم. هناك كتب جميلة للعلوم عن جسم الإنسان والمحيطات، الكتب المختصة بالحيوانات والأشكال والأرقام المصورة، مما يجعل التعلم من خلالها شيئًا ممتعًا، وكتب قصصية عن الأخلاق وصناعة الشخصية، وكتب لتعليم عمل التجارب في البيت, هناك الكثير من القصص المسلية والموسوعات المناسبة لأعمارهم المختلفة في شتى المجالات.
من المفيد أن يذهبوا لشراء الكتب بنفسهم ويخوضوا تجربة الاختيار وهناك أيضًا المعارض السنوية التي تُقام في بعض كثير من بلداننا والتي تكون فرصة لصنع ذكريات حول الكتب وشرائها لدى الأطفال أيضًا. ذلك يعزز لديهم فكرة وجود مكتبة منزلية وحرصهم على زيادة الكتب بداخلها يومًا بعد يوم.
إن وجود مكتبة في المنزل كأهمية وجود المطبخ والمجلس وغرف النوم، على أن تكون المكتبة مكانًا يحبه الطفل ويسهل الوصول إليه. لذا، قسموا الكتب إلى أقسام (قصصية، علمية، فنية). ستجنون نتاج هذا الركن الصغير حين يكبر أطفالكم وتنضج عقولهم أكثر فأكثر بالقراءة، حيث تنفتح لهم الآفاق بالقراءة في مجالات عدة. الكتاب في المنزل ورؤية الطفل له بشكل طبيعي واعتيادي تصنع حالة من الألفة بينه وبين القراءة فلا يربط فقط بأن الكتب للدراسة وفقط وإنما للتسلية وللمعرفة وللاطلاع .
يمكنكم وضع كتب يحبها الأطفال في "جيب" الكرسي بحيث تكون في متناول أيديهم. أي بمجرد أن يسأم من طول الطريق بدلًا من أن يلعب بالهاتف المحمول، ستتوجه يديه نحو رف الكتب ليتناول قصة مسلية أو كتاب مسابقات أو ربما مع الوقت، ومع نمو عقولهم وكبر سنهم تتحول القراءة إلى رواية جديدة، أو كتاب تاريخي أو غيره مما يفضل، كثيرًا ما تستعين الأمهات بالكتب المصورة لأطفالهم في حقائب التسلية في أيام السفر الطويلة كجزء من تسليتهم في الطريق.
| اللعب
العبوا مع أبنائكم ألعابًا كنتم تلعبونها في طفولتكم، مثل: إنسان، حيوان، جماد، وغيرها من الألعاب. فالذكريات الجميلة والجلسات العائلية هي زادهم الوحيد حين يكبرون، وهي أهم ما يمكن أن تصنعه العائلة لأطفالها. أيضًا كتب المسابقات وكروت المعلومات والمتشابهات. اللعب بالسؤال حتى وإن كانت لتسلية تجعل أفق الأطفال أكثر اتساعًا، وتنمي ملكة السؤال، وتضيف لمعلوماته ومعرفته بطريقة مشوقة، وخصوصًا ما يثير دهشتهم وتساؤلهم من معلومات عن حيوانات لم يعرفوا عنها من قبل، أو بلدان لم يسمعوا عنها..إلخ من وسائل تزيد من معارفهم ورصيد معلوماتهم وأفكارهم.
| البرامج التلفزيونية التثقيفة
الوثائقيات والبرامج المصورة فى شتى المجالات، سواء مجالات العلوم والبيئة أو الفضاء، أو أي مجال يهتم به الطفل لزيادة حصيلته الثقافيه ومعلوماته.
| المشاركة في الأنشطة المدرسية
في نظري، من أهم الأمور التي يجيب علينا الاهتمام بها، إشراك أبنائنا في الأنشطة المدرسية سواء كانت إذاعة، أعمال تطوعية، رياضة، وفن، وبحوث علمية. فجميعها تسهم في بناء شخصية الأبناء، وتجعلهم قادرين على مخالطة الجمهور من دون خوف أو ارتباك؛ فالمشاركة تجعلهم أشخاصًا اجتماعيين، قادرين على مناقشة قضايا مختلفة، وتكوين رؤية فكرية عن موضوع معين منذ الطفولة.
| وقت الكتابة
دعوا أطفالكم يكتبون الرسائل دائمًا، فكثيرًا ما يحتاجون تلك الطريقة للتفريغ عن مشاعرهم، ربما يكتبون مناجاة لله حين يتربطون بالدعاء، أو للتعبير عن ما يشعرون به تجاهكم أو تجاه تفاصيل حياتهم ولا يستطيعون الحديث فيه بوضوح، كذلك يمكن استخدام هذه الطريقة للاعتذار في حال وجود خلافات مع أصدقائهم، أو التعبير عن الامتنان لشخص ما.
كما أن التدوين المستمر، حتى لأشياء بسيطة، ينمي قدراتهم على الكتابة فيما بعد، فهذا يُعد تدريبًا مصغرًا لهم على تطوير أسلوبهم في الكتابة.
"أن تكونوا مسؤولين عن أطفال، فهذه مسؤولية عظيمة، وأعظم عمل ممكن أن يقوم به الإنسان هو إنشاء طفل سويّ ومثقف ومهذّب، كونوا لأبنائكم معلمين وهم صغارًا، وأصدقاء لهم حين يكبرون. وتذكروا دومًا المثل القائل: "التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه".
دعوا أطفالكم يكتبون الرسائل دائمًا، فكثيرًا ما يحتاجون تلك الطريقة للتفريغ عن مشاعرهم، ربما يكتبون مناجاة لله حين يتربطون بالدعاء، أو للتعبير عن ما يشعرون به تجاهكم، أو تجاه تفاصيل حياتهم، ولا يستطيعون الحديث فيه بوضوح، كذلك يمكن استخدام هذه الطريقة للاعتذار في حال وجود خلافات مع أصدقائهم، أو التعبير عن الامتنان لشخص ما. دعوهم يكتبون لمستقبلهم وأحلامهم عن الأفكار التي تراودهم. كما أن التدوين المستمر، حتى لأشياء بسيطة، ينمي قدراتهم على الكتابة فيما بعد، فهذا يُعد تدريبًا مصغرًا لهم على تطوير أسلوبهم في الكتابة، خصوصًا فى حالة حب الطفل لتلك الوسيلة في التعبير.
وأخيرًا، أودّ القول: أن تكونوا مسؤولين عن أطفال، فهذه مسؤولية عظيمة، وأعظم عمل ممكن أن يقوم به الإنسان هو إنشاء طفل سويّ ومثقف ومهذّب. كونوا لأبنائكم معلمين وهم صغارًا، وأصدقاء لهم حين يكبرون. وتذكروا دومًا المثل القائل: "التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه".
