بنفسج

مدارس الأطفال: مصانع "الريبوتات" البشرية

الأحد 07 يونيو

تدخل في اليوم الأول من العام الأول للصف التمهيدي، أو ما يسمى برياض الأطفال بسذاجتك وبراءتك وعشوائيك وحركاتك غير المضبوطة، تخطر على بالك، فتباشر بتنفيذها في تمام اللحظة بدون تفكير لا بتبعات ولا باستنتاجات ولا مآلات، فتفاجأ بكائن ينّقض عليك ويلقي عليك الأوامر؛ أن تجلس، أن تسمع، أن تبقى لمدة ٤٥ دقيقة ساكنًا على كرسي تستمع وتنظر فقط دون أي حركة، ودون أن تلتفت ورغم حداثة سنك تصبح مضطرًا للجلوس، ساكنًا رغمًا عنك، تريد أن تركض، أن تلعب، لكنك تقاوم رغباتك وتبقى صنمًا.

هناك حقيقة هامة وهي أنك طفل، ومدة تركيزك في هذه الفترة لا تتجاوز العشر دقائق، لتنهال عليك الأوامر والطلبات التي تحتاج منك الكثير من الهدوء، وضبط الأعصاب، وتقييد الأفعال والأفكار بطريقة تقتل إبداعك، تقتل روحك الجميلة...لتتحول تدريجيًا إلى روبوت يعاقب في حال خالف الأوامر.

أصبحت أنظمة التعليم تجبر الطفل على الجلوس والالتزام الكامل بالهدوء بدون حركة أو كلام أو تفريغ للمشاعر، وتعاقب بالصراخ والضرب أحيانًا للمخالف، وتضع منهاجًا واحدًا محددًا أمام المعلم، وهو مضطر لتمريره لجميع الطلاب بدون مراعاة الفروق الفردية في الفهم والاستيعاب، أو في طريقة التفكير.

وهو لأمر يضع الأطفال جميعا بقالب واحد مع تغافل كامل لكينونة كل طفل وحالته وقدرته وإمكانياته. لذا، نرى عدد الذين يغادرون مقاعد الدراسة مبكرًا في ازدياد، وأنا أعزي السبب إلى عدم ترك مساحة كافية لهذا الطفل ليتحرك، فيصبح قتلًا ممنهجًا لكينونة هذا الطفل وقتل روح الإبداع والمبادرة لديه.

وأعتقد انه لا بد من مراعاة الاحتياجات النفسية والفروق الفردية، وتحديد منهاج يتلاءم مع كل فئة على حدا، فالأذكياء يحتاجون منهاجًا يختلف كليًا عن المتوسطين، وكذا عن المتأخرين. الخلل الرئيس هو مجاراة المنهاج المحدد وتمريره على الجميع بشكل إجباري، مما يعمق الفجوة بين الطفل والمنهاج، ويخلق مزيدًا من الإحباط للطفل الذي يتخلف عن هذا الركب السريع.

وفي حال عدم وجود أهل يعون تمامًا وضع الطفل ويلحقونه سريعًا بإطار خاص يعمل معه بشكل مكثف بشكل فردي وتكرار مستمر؛ يكون هذا الطفل هو ضحية جديدة تنضم لمجموعة كبيرة من الضحايا الذين نصنعهم نحن في مصانع الروبوتات البشرية "المدارس"، بدلًا من رفع كفاءة تعليمنا وإدخال أساليب أكثر عصرية فيها من التكرار ما فيها، ومن الأمثلة الكثيرة لتذويت الأفكار وتثبيت المعلومات.

نحن نسابق الوقت لإعطاء كافة المعلومات في كافة المواضيع بشكل سريع جدًا ووقت قياسي، ونُخرّج من لا يستطيعون كتابة تقرير واحد بلغة سليمة، ولا يتمكنون من إجراء حوار بسيط يحوي أي معلومة هامّة بلغة واضحة. نحن فعليًا نخرّج مجموعات من المحبطين، المتأخرين دراسيًا، إلا من رحم ربي. فأين نحن من صناعة المفكرين؟ وأين نحن من إطلاق المساحة للطفل ليخرج قليلًا من هذا النمط التقليدي المتعفن؟! أين نحن هو سؤال بحاجة لتفكير عميق ناقد ينفذ إلى الحلول.