بنفسج

إجابات متعددة لسؤال: لماذا نقرأ الروايات؟

الثلاثاء 05 أكتوبر

نحبّ أنّ نتوه بين الصفحات ونجول البلاد المختلفة، ونحبّ أن نمتلك أجنحة ونحلّق في عالم الخيال، نتلحف بذكريات ومشاعر الشخصيّات، نشحن أنفسنا بسعادتهم ونتصور المشاهد ثمّ نرسم أشكالًا للوجوه وننحت الأجسام على هوانا. وأحيانا نكون مكان أبطال العمل الروائي. كلّ هذا يجعل من الكتاب الروائي ممتع لغالبية القراء أكثر من العمل غير الروائي، نحن حتى عند هذا فضوليين بالطبيعة، فنميل لقراءة السير الذاتية أو ما يتشابه معها في السرد.

 ويكون السؤال: هل هناك فائدة من قراءة الروايات غير أنها متنفس أو تسليّة للبعض؟ نعم أعزائي القرّاء، للروايات أثر كبير و لا يقلّ أهمية عن أثر الكتاب، لا بل إن بعض الأعمال الروائيّة مهمة جدًا وكلّ قارئ مطالب بقراءتها، وبعضها يحمل أثرًا ومعلومات قيّمة أكثر من الكتب غير الروائيّة، وخاصة أن بعص القراء يشعرون بالملل برفقة الكتاب الطويل والذي يسرد المعلومات بأسلوب جامد.

| هل كل الروايات تُقرأ؟ 

الروايات.png

لكم عن تجربتي.. كنت أحاول دائمًا أن أقرأ عددًا قليلًا من الأعمال الروائية مقابل الكتب لأتأكد أن هناك فائدة ولا أقرأ أيّ كلام، وكنت أستحث نفسي للاهتمام بمواضيع محددة وأبدأ بقراءة سلسلة من الكتب عنها، إلى أن قرأت، صدفة، رواية صغيرة تحكي قصة لفتاة إيرانيّة، وعن طريق مئة وخمسين صفحة فقط، عرفت معلومات أحتاج لكتب ولساعات لتعلمها عن تاريخ إيران، وبنت لديّ اهتمامات جديدة. تغيرت، بسبب هذه الرواية، الصورة التي شكّلتها عن شعب إيران، والأهم أنني عادة أدوّن كثيرًا، وأتحايل بطرق شتى للاحتفاظ بمعلومات الكتب، وهنا لا أنكر ثمرة اجتهادي ولا أقلل من عظمة الكتب.

إلا أن الإنسان بطبيعته يتعلم من القصة ويتذكرها دون جهد، ولنا مثال في القرآن لهذا: "نحنُ نقصّ عليك أحسن القصص"، إذ جُبل الإنسان على حبّ التعلم من القصص. وهذا ما يجعل احتفاظنا بمعلومات قرأناها من خلال قصة أكثر من المعلومة التي نقرأها في كتاب. غالبًا لارتباطه بالتخيّل والانسجام مع أحداث الحكايات والتفاعل بالمشاعر مع الشخصيات، فنحن أثناء قراءة الرواية لا نفرح، ونحزن، ونبكي، ونضحك، بصوت مرتفع فحسب، بل إننا أحيانًا نكره ونحبّ، وعادة التفاعل بالمشاعر والحوّاس يبقى في الذاكرة، ويترك أثرًا طويلًا أو صورًا أبديّة.

هناك روايات تغوص في أعماق النفس البشريّة هادئة لا تتحدث عن الوقائع كثيرًا، لكنها عظيمة تترك أثرًا في النفس وتعلمنا كثيرًا عن طبيعة البشر تفكيرهم، مشاعرهم، بوحهم الذي حكته قلوبهم واحتفظت به. ولنا مثال يشهد له غالبية كبيرة من القراء "دوستويفسكي".

بدأت بعدها، وخاصة في مجال المعلومات عن التاريخ ومعرفة قصص عن مجتمعات وشعوب وطبيعة حياة في فترات زمنية مختلفة، أبحث عن روايات على لسان أصحاب الحكاية من عاشها وشهد عليها. هناك روايات تغوص في أعماق النفس البشريّة هادئة لا تتحدث عن الوقائع كثيرًا، لكنها عظيمة تترك أثرًا في النفس وتعلمنا كثيرًا عن طبيعة البشر تفكيرهم، مشاعرهم، بوحهم الذي حكته قلوبهم واحتفظت به. ولنا مثال يشهد له غالبية كبيرة من القراء "دوستويفسكي"، وهناك كاتب في الأدب البرازيلي اكتشفته مؤخرًا وأبحرت معه.

هل كلّ الروايات تُقرأ؟ نعم أيها الأعزاء، كل الروايات تُقرأ لكن السؤال هل كلها تضيف لنا فائدة؟ هل جميعها ذات لغة ومفردات، فهي على الأقل تغني لغتنا؟ لا يا أصدقاء، هناك روايات، وللأسف، بعضها منتشرة بشكل كبير يتداولها قراء في مواقع التواصل الاجتماعي، لا هي بلغة جيدة، ولا حتى بفائدة، والفكرة هنا تعود لذوق القارئ ومتطلبه وهدفه من القراءة، هل سيقرأ للفائدة أم لمجرد تسليّة وذرف الدموع على قصة رومانسيّة؟ يحدث هذا المشهد في الأفلام والمسلسلات أيضًا. هناك مسلسلات تطول وتطول، ولا نخرج منها إلا بلقاء بطلين أو فراقهما في نهاية القصة التي لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل. وبعضها يعلمنا دروسًا عظيمة ويضيف لنا على أصعدة مختلفة، فالحكايات بالعبرة.

إذًا السؤال، كيف نعرف الروايات الجيّدة وكيف نختار؟ جميل أن نجد ترشيحات واقتراحات في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي بالطبع تساعدنا في التعرّف والبحث، ولكن لنكن واعين، ونحاول دائمًا اختيار الجيد الذي سيضيف لنا، وأيضًا بإمكاننا اكتشاف عناوين ليس بالضرورة رواجها، والأهم ما هو خلف العنوان وداخل الغلاف. بالنهاية، قراءة الروايات نجمع معها المجد من أطرافه المتعة والفائدة. نصيحة في الهامش: لنقرأ لنقيّم لا نصدق كل ما كُتب ولا نكذبه، لنتعلم من القراءة أن نبني آرائنا الخاصة والواضحة.