بنفسج

بناتنا بيحكوا: حينما تخطينا التوجيهي بعد الحرب

الأحد 08 اغسطس

في عرسٍ وطني كبير تٌزينه أكاليل النجاح، تعانقت فلسطين مع الأفراح لتنبثق مشاعل الأمل من بين أنقاض المنازل، ناسجةً نورًا يحمل في طياته عبير البهجة، عاكسةً إياه على كل شيءٍ فيها يضج بالحياة. ولعله سقط أولًا على نجمةٍ تقلّدت مفاتيح الفرج، وسلكت طريق الصبر عقب ارتدائها ثوب اليقين، فآتاها الفرح بعدما استحكمت حلقات الأزمات.

لتليها فراشة اجتازت مضيق الخوف بعد ما شقت طريق الطموح بالإصرار، لتصل إلى مضمار النهاية الذي تعلوه أزهار الفلاح وأصوات السعادة. وعلى الجانب الآخر زهرة نمت في ظروفٍ مناخيةٍ غير مناسبة، انتُزعت منها كل مقومات الإثمار، إلا أنها عاندت الطائرات التي شقت تربتها لترمم قلب غزة المكلومة على أبنائها وأحيائها، وما بينهما من قصص وأحلام، فترعرعت لتستبدل أصوات الطائرات بالزغاريد.

| قبس من تجربة مصابة

تسنيم أسماعيل.jpg
تسنيم أهل

أما هنا؛ فقبس من نور أوقدت فتيله الطالبة تسنيم إسماعيل أهل بعد ما تمسكت بطوق النجاة والنجاح، رغم تلاطم الأمواج وارتفاعها المتزايد، فباتت حكاية أُضيفت إلى قاموس الصمود، وذلك بعد ما صنعت ذكرى جميلة وجديدة تزامنًا مع إعلان نتائج الثانوية العامة وحصولها على معدل 94.1 في الفرع العلمي لتطوي عبرها صفحة الأيام التي جاءت مبطنة بالقسوة.

تخرجت تسنيم من مدرسة أحمد شوقي في قطاع غزة، وهي تحمل في جعبتها الكثير من المواهب من بينها القراءة، وممارسة الألعاب الرياضية، والرسم وغيرها. وأكدت تسنيم على فرحتها بنتيجة الثانوية العامة بالرغم من غياب مشاعر الفرح في اللحظة الأولى لتلقيها الخبر، حيث تسللت إلى قلبها الصدمة، نتيجة لحصولها على المعدل الأقل خلال حياتها الدراسية، لكنها سرعان ما حمدت الله متجاوزةً الأمر بمشاركة الأهل فرحتهم.

وضعت تسنيم كتبها الدراسية في حقيبةٍ على باب المنزل، وتمكنت من أخذها عند خروجها من البيت مع أهلها تحت التهديد. وحول أثر الإصابة على سير دراستها، فقد أكدت على فقدانها التوازن بشكل مستمر، ومعاناتها من ألم عام في الجسد، فهي لديها كسر بالأنف وتورم حول العيون تسبب في غباش الرؤية، ولعل بالغ الأثر برز في غياب الرؤية الواضحة، الأمر الذي تسبب في بطئها أثناء الدراسة.

وتعتبر تسنيم أن أهلها وأصدقاءها هم أكثر الداعمين لها، حيث كانوا على قدر عالي من اللطف، كما استمروا في الاطمئنان عليها، ولم يفتروا عن مدها برسائل الدعم على الدوام، منوهةً إلى توكلها على الله ثقةً ويقينًا بكرمه. وفي ما يتعلق بالتحديات التي واجهت تسنيم فقد أشارت إلى إصابتها أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة حيث أُصيبت برأسها وفكها، الأمر الذي أثّر عليها بشكل سلبي وتسبب في انهيارها في الكثير من الأحيان، لا سيما بعد انتباهها لضيق الوقت المتبقي لتاريخ البدء بالاختبارات النهائية الخاصة بالمرحلة الثانوية.

وحرصًا منها على العلم والدراسة، وضعت تسنيم كتبها الدراسية في حقيبةٍ على باب المنزل، وتمكنت من أخذها عند خروجها من البيت مع أهلها تحت التهديد. وحول أثر الإصابة على سير دراستها، فقد أكدت على فقدانها التوازن بشكل مستمر، ومعاناتها من ألم عام في الجسد، فهي لديها كسر بالأنف وتورم حول العيون تسبب في غباش الرؤية، ولعل بالغ الأثر برز في غياب الرؤية الواضحة، الأمر الذي تسبب في بطئها أثناء الدراسة، كما أتمت دراستها بين أفراد أسرتها بسبب صعوبة عملية الدراسة نتيجة تكرار التشنجات العضلية التي كانت تباغتها أحيانًا، إلى جانب غياب قدرتها عن رفع رأسها من شدة الإرهاق.

| الظروف غير مُهيّئة

اتسنيم اهل.jpg
تسنيم أهل

أما عن المشاكل التي تواجه الطالب الفلسطيني، والأشياء التي يفتقدها الطالب الغزي على وجه الخصوص، فقد أشارت تسنيم الى الاحتلال كأول المشاكل وآخرها، إلى جانب فقدان الأمان وغياب الاستقرار. وأفصحت تسنيم عن شعورها بالخوف لحظة الإعلان عن استمرار العدوان، وارتفاع وتيرة القصف العشوائي على قطاع غزة، قائلة: "لقد سلّمنا أنفسنا لله كشهداء خاصة وأن نصف القطاع قد تدمّر في (11) يومًا".

وأضافت الظروف غير مُهيئة، والكهرباء غير متوفرة على الدوام، وظروف الإنترنت غير جيدة. وأردفت: " بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة حاولت استثمار الوقت الذي تتوفر فيه، مشيرةً إلى غياب النوم عن عينيها"، واستبدالها الليل بالنهار رغم إدراكها لعدم صحة ذلك على صعيد صحة الجسد ونسبة التركيز.

وهنا استوقفت تسنيم للاستفسار عن كيفية ترتيبها لنفسها بعد كل بعد كل هذا التشتت، فأجابت قائلة: "الجدول كان عشوائيًا بسبب زياراتي المتكررة للعيادات الطبية من أجل المراجعة، وهناك أسابيع لم أدرس خلالها، وفوق كل هذا كانت نفسيتي سيئة وكنت متضايقة جدًا". وبالرغم من ذلك لملمت تسنيم نفسها بعد العدوان، وبذلت قصارى جهدها لإنجاز كل ما يتطلب منها.

وأمام هذه العزيمة سألتُ تسنيم بشيءٍ من الفضول عن الأقوال التي كانت ترددها لتصل إلى هذا المعدل بكل فخر فأجابت: "كثيرة هي الكلمات التي كنت أرددها، ولعل أبرزها: أنا قوية، هانت، وراح أقدر"، مشيرةً إلى تذكرها الدائم لمقولة الإمام الشافعي "خير علوم الدنيا الطب". كما نصحت طلاب الثانوية العامة بضرورة التسلّح بالإرادة، ومعاندة الظروف دون الاستسلام، مع الإصرار على الوصول واليقين بكرم رب العالمين.

| فرحة ممزوجة بألم

مريم الجعبري.jpg
مريم الجعبري

أما عن الطالبة مريم هلال الجعبري الحاصلة على معدل 99.3 من الفرع العلمي، فقد عبّرت عن فرحتها التي لا تعادلها فرحة بقولها: "إنها لا تُوصف". وتفتخر مريم بحصدها هذا الإنجاز رغم كل الظروف التي مرت بها، مُهديةً إياه لفلسطين والأهل وللداعمين أينما كانوا. وعن سر نجاحها فقد أفصحت مريم عن اهتمامها بالكيف لا بالكم، وتنفيذها لذلك بشكل عملي ساهم في إزالة هالة التوتر عنها، الأمر الذي دفع الجميع لتشجيعها لا سيمًا صديقاتها ومعلماتها اللواتي آمنّ بقدرتها على التفوق وتصدرها لقائمة أوائل الوطن.

تتميز مريم بقدرتها على تحديد ما تريد إنجازه،وتعمل جادةً على إتمامه باهتمام كبير منذ بداية العام، دون إفراط في زيادة عدد الساعات الدراسية. وترى أن هذا العام كان يعج بالصعوبات بدءًا من جائحة كورونا والاضطرار للتعليم الإلكتروني الذي كان صعبًا على الكثير من الطلبة، إلى جانب العدوان الأخير على قطاع غزة الذي طال حالتها النفسية وطغى على كل الظروف ومنعها من متابعة الدراسة بسبب ارتفاع وتيرة التوتر، حيث كان يسكنها القلق على الدوام لا سيمًا في الساعات المتأخرة من الليل، إذ يتضاعف فيه حجم الخوف من فقدان الأهل والأحباب.

وهنا تذكر مريم مجزرة الوحدة كأكثر المواقف تأثيرًا على نفسيتها، موضحةً أن ما زاد من صعوبة الأمر هو مرورها إلى جانب المكان أثناء الذهاب إلى مدرستها "بشير الريس الثانوية" على الدوام، واستشهاد طلبة، وعائلات تعرفهم شخصيًا، ممن كانوا يتشابهون معها كثيرًا، تقول بألم: " "قصف برج الجوهرة أيضّا كان مؤثرًا، كوني كنت أتلقى درسًا خاصًا هناك، ولي ذكريات في ذلك المكان".

| لغة المستقبل

إلينا اليازجي.jpg
إلينا اليازجي

أما عن الطالبة إلينا ساهر اليازجي؛ فتنوي دراسة هندسة البرمجيات، إدراكًا منها لمتطلبات سوق العمل الذي باتت فيه البرمجة لغة المستقبل، وذلك بعد حصولها على معدل 86،4 الفرع العلمي. وترى إلينا المحبة للحياة وسفيرة منصة واكبت العالمية وصانعة محتوى باللغة الإنجليزية، أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف إيمانًا منها بأن المعجزات تحدث كل يوم.

وعن فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، تقول: "لقد تشتت مع عائلتي  بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي لبيتنا، وهذا اثر على دراستي كل شيء ذهب أدراج الرياح، في كل لحظة تمر كنت أتخيل أنها الأخيرة وأنا على قيد الحياة، وكأني فقدت الذاكرة، لم أعد حتى أفكر بالدراسة التي كانت تشغلني، ولكن وقفت من جديد بعد انتهاء الحرب ولململت نفسي بدعم من العائلة ومعلمتي ولاء".

| المملكة الصغيرة

أمل.jpg
أمل أصلان

أما الطالبة أمل رائد أصلان حمدت الله كثيرًا على الفرحة التي سكنتها وانعكست على شفاه أفراد عائلتها، وذلك بعد تخرجها من مدرسة بنات البريج الثانوية وحصولها على معدل 94.9 من الفرع الأدبي، والذي يتوافق مع توقعاتها. وأفصحت عن سر نجاحها بتلخيصها لمعظم أسباب النجاح عبر قولها: "لكل مجتهد نصيب  وتحقيق هدف صغير كل يوم يعلو بك إلى سلم النجاح، خيرٌ لنا من الوقوف وانتظار المجهول".

أمل بذلت مجهودًا كبيرًا في دراستها للوصول إلى هذا المعدل وهذه الفرحة، كانت مصرة على النجاح برغم كل ظروفها الصعبة، من انقطاع التيار الكهربائي وغرفتها التي لا تتعدى الأمتار، تقول  أمل: "على الرغم من عيشي في بيت صغير وامتلاك كل صديقاتي لغرف كبيرة، إلا أنني لم أتحطم، بل كنت أعد غرفتي هي مملكتي الصغيرة التي سأحقق حلمي من خلالها".

"على الرغم من عيشي في بيت صغير وامتلاك كل صديقاتي لغرف كبيرة، إلا أنني لم أتحطم، بل كنت أعد غرفتي هي مملكتي الصغيرة التي سأحقق حلمي من خلالها".

وشددت أمل على صعوبة الظروف المعيشية في المخيم الذي تتلاصق فيه البيوت، الأمر الذي انعكس سلبًا على دراستها نتيجة ارتفاع أصوات الأطفال في أغلب الأوقات. وعن ظروف أمل خلال العدوان، فقد أكدت على مرارة الأيام التي استبدلت فيها إطلاع الكتب بتصفح أخبار القصف والترحم على الشهداء بعدما تتنقل بين صورهم، حيث كانت تحاول  وسط كل هذا  اقتناص أوقات الهدوء أثناء العدوان، لمراجعة بعض المواد ولكي تبقى على تواصل مع المنهج، لاسيمًا في حضرة غياب التركيز طيلة أيام العدوان.

ونصحت أمل الطلبة من بعدها بالاجتهاد في الدراسة والبقاء على قيد المثابرة دون إلقاء اللوم على عواصف الطريق، أو تعليق الفشل على شماعة الظروف مهما كانت صعبة، مُستدلةً بظروفها التي لا تحسد عليها، بدءًا من جائحة كورونا مرورًا بوضعها الاقتصادي وصولًا إلى العدوان، مشيرةً إلى أهمية تحديد الهدف في بذل المجهود ومعرفة الوجهة، والمواصلة من أجل تحقيق الغاية.